آخر أيام الصيفية

ليس لأنه بعد المغيب لا نراها، يعني أنها ليست موجودة؛ إنها الشمس، وكذلك كل الأمور والتفاصيل التي لم يحالفنا الحظ ونعرف بوجودها؛ فإلغاء الحقائق ونفي وجودها بحجة أننا لم نرها ولم نشعر بها أو نلمسها، كارثة قد تدفع بنا إلى زاوية الغياب والعدم؛ فالكثير منا يميل إلى استخدام هذه الأحكام المطلقة على أساس ما يتوفر لديه من معلومات - والتي مهما كانت كميتها تظل قاصرة -، ثم يبدأ وبناء على هذا الحكم في تشييد نظريته وسلوكه المستقبلي، الذي يتحول - وذلك حسب مكانة القائل - إلى طريقة ونهج للكثيرين فيما بعد! في حين أن استخدام كلمات وجمل مثل ''أعتقد'' أو ''على حد علمي'' و''حسب ما أعرف··'' كافية لتجنب الوقوع في فخ ادعاء المعرفة المطلقة ''الجاهل''، وجلب استهزاء الآخرين ممن يملكون معلومة تفيد بعكس ما أطلق من أحكام· بنفس جمال آخر لحظات غروب الشمس، وبنفس حذر تلك الخيوط الذهبية المنسحبة من صفحة الأرض، وبنفس رعشة الليل الخَجل الذي يدخل بهدوء المحب حتى يفرض سكونه الجامح، تأتي ''آخر أيام الصيفية'' بنسماتها اللذيذة المشعة بانتعاش الشوق لأيام الشتاء المنتظر، تُلقي نسمات أيامه الأخيرة على خدود الطبيعة وخصلات شعور الأطفال تحايا وقُبل القادم من بعيد بعد غياب؛ تأتي ''آخر أيام الصيفية'' لتحيي مواعيد المقاهي، وتستدعي دخان القهوة من فناجينها ببطء حتى لا تزعجها؛ إنها أيام محملة بمنديل وعطر كرسول شق طريقا طويلا ليُبشر بقدوم عاشق، عطر ينشر أريج ورد يحمله الغائب بين أضلعه، ومنديل ليمسح دموع غيابه من عيني حبيبته· تخبرني أنك تعشق ''آخر أيام الصيفية''، وأنها في بلادنا ليست ''آخر أيام المشاوير'' - كما تقول فيروز'' -، وأنها الأجمل في السنة، وأنك تفضل التسكع في لياليها طويلا، لكي لا تفوتك إحدى نسماتها، وأنك انتظرتها طويلا لتخبرها بحبك الأسطوري؛ ثم تحدثني بخجل عن قدرة تلك النسمات على دعم فكرتك المجنونة بالطيران، وتسألني بإلحاح عن أثر أجنحة تشعر أنها نبتت لك وأنت بقربي؛ تستثير فضولي بأسرار سمعتها منك كثيرا، وتؤكد لي أنك لا تريد من الحياة سوى شيء واحد، وأنه لو ملكت يوما المصباح السحري، لن تطلب من ذلك المارد العملاق إلا أن تكون باقي أيامك المقبلة بقربي في ''آخر أيام الصيفية''· als.almenhaly@admedia.ae