السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أشياء تافهة

أشياء تافهة
28 ديسمبر 2009 01:51
ليست العصبية فقط هي ما نتخيله: ذلك الرجل المتوحش الذي يصرخ طيلة اليوم ويشد شعره ويهشم المزهريات ويركل القطط.. هناك النمط العصابي المتوتر الذي يلتهم نفسه طيلة الوقت دون أن يلاحظ ذلك أحد، والذي عبر عنه تشيكوف ببراعة في قصة (مذكرات رجل عصبي). أنا بجدارة أعتبر نفسي من هذا الطراز، وهناك أشياء تثير جنوني لا يمكن أن تخطر لك ببال. مثلاً خذ عندك أنبوب الصمغ، إنه متوافر في المحلات وثمنه رخيص بل إن الصينيين بذلوا جهدهم كي يجعلوه بلا ثمن تقريباً، وبالتأكيد ليس فقدانه كارثة. يطلب مني صديقي في العمل أنبوب الصمغ لبعض عمله فأعطيه إياه وأنا أعرف ما سيحدث: لن يعيده أبداً. في كل يوم يستعير مني أنبوب صمغ جديداً ولا يعيده، وأكتشف أنا هذا في لحظة أكون فيها في أمس الحاجة لنقطة صمغ، أفتح الدرج فلا أجد الشيء اللعين. أسأل صديقي عنه فلا يتذكر طبعا، من لديه بال رائق لتذكر هذه التفاهات؟ وهكذا يكون علي أن أشتري أنبوب صمغ جديداً، وهذا يبدو سهلا لكنه لا يحدث أبداً، فأنا كذلك مصاب بفقدان ذاكرة مزمن.. هكذا أنسى الأمر عدة أيام إلى أن أتذكر وأبتاع واحدا، وهي ذات اللحظة التي يستعير فيها صديقي في العمل أنبوب الصمغ من جديد. نعم.. الصمغ يحطم الأعصاب بما يكفي فماذا عن الثقاب؟ كل الناس تستعير الثقاب ولا تعيده أبداً، هذه تفاهات لا قيمة لها. فإذا انتقلنا إلى البيت طرأت مشكلة أخرى: فتاحة المعلبات. لا أستطيع فتح المعلبات إلا بتلك الفتاحة الشبيهة بترس يدور حول محوره فيشق صفيح العلبة. يرسل لي الجيران طالبين فتاحة المعلبات، وأنا لن أترك أخاً لي في البشرية يواجه هذا الموقف الكريه أبداً. أعرف أن فتح المعلبات عذاب حقيقي لهذا أرسل لهم فتاحتي مع بركاتي. الآن مر يوم ويومان وثلاثة ولم تعد الفتاحة. في البدء أعتقد أنها ستعود لكن لا جدوى، أقابل جاري على الدرج فأتبادل معه حديثاً عميقاً عن السياسة والبورصة، ثم أتذكر في نهاية الحديث: ـ»بمناسبة البورصة، فتاحة المعلبات عندكم منذ أسبوع». يتساءل في حيرة عن علاقة فتاحة المعلبات بالبورصة، ثم يقول في مرح: ـ»هل هي كذلك؟ لا مشكلة، سوف أرسلها لك». وهو ما لا يحدث طبعاً، ينسى هذه التفاهات بمجرد أن نفترق، ويكون علي ساعة الغداء أن أواجه كابوساً حقيقياً وأنا أحاول فتح علبة سمك معلب من دون فتاحة. أجرب استعمال المطرقة والمفك فتكون النتيجة أن تنفجر العلبة في وجهي وأغرق في الزيت. أقضي فترة في كفاح جهيد إلى أن أتذكر شراء فتاحة جديدة، في المتجر يقول لي البائع باسماً: ـ»هل تعني تلك الفتاحة؟ ها ها.. للأسف لم تعد الصين تنتج هذا الطراز، تعال بعد أسبوع لربما وجدت لك واحدة». ويعرض علي فتاحة أخرى تحتاج إلى آينشتاين لتعلم استعمالها فأشكره بحرارة وأفضل الانتظار. بعد شهر من العذاب والاستحمام بزيت السمك والصلصة أجد الفتاحة الحبيبة، وفي نفس اليوم يطلبها الجيران لأنهم في مأزق، لهذا يمكنك فهم إنكاري التام لوجود فتاحة عندي. «لا توجد فتاحة ولم استعمل مثلها منذ أضعتم فتاحتي». كل هذا مزاح لا يقارن بموضوع الشباشب، لدينا في البيت ثلاثة شباشب أو أربعة. عندما يأتينا ضيوف من الطراز الذي يبيت عندنا مثل عمي أو خال زوجتي أو أمها أو أخي، فإن الشباشب تعطى للضيوف ويكون علي أن أتحمل الحياة حافياً في البرد لمجرد أنني ودود. عندما يرحل الضيف نبحث في غرفته وفي كل ركن من البيت عن شبشبه فلا نجده! هل أتصل به لأسأله إن كان أخذ الشبشب في حقيبته؟ صعب.. لهذا نتناوب على الحفاء أنا وزوجتي وأولادي ليكون عدد الشباشب كافيا. أنا لا أعرف من أين يشترون الشباشب. أعرف أنها موجودة هناك دائماً ربما منذ بنوا الشقة. لهذا أعتبر اختفاء شبشب طعنة نجلاء موجهة لصميم توازني العصبي. ماذا؟.. هل تعتقد أنني مجنون أو قريب من الجنون؟ لا يا صديقي، الوصف الدقيق لحالتي هو العصاب، وعلى كل حال يجب أن أكون حذراً منك ما دمت تقول هذا الكلام، فلابد أنك من الطراز الذي لا يكف عن اقتراض الصمغ وفتاحات المعلبات وتضيع الشباشب بلا توقف!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©