الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوميات في بغداد.. خواطر ومخاطر

12 مايو 2014 23:55
سكوت بيترسون السليمانية - العراق كل تفجير تشهده بغداد يولّد قلقاً وجزعاً، بل وحتى شعوراً بالذنب، لدى أمل مثبوب، وهي طالبة جامعية في شمال العراق الذي ينعم باستقرار نسبي. ذلك أن العديد من تلك التفجيرات تستهدف منطقة الكرادة، حيث تكافح عائلة هذه الطالبة، المؤلفة من سبعة إخوة وأخوات وأمهم الأرملة، من أجل العيش. وتحرز أمل علامات جيدة جداً في الجامعة الأميركية في العراق، بالسليمانية، وتحلم بالالتحاق بكلية القانون، ولكنها تعاني كثيراً بسبب فراق أفراد عائلتها -وبسبب التفجيرات المتكررة التي يمكن أن تبعدهم عنها إلى الأبد. ولكن تجربتها تمثل قصة خبرية جيدة نادرة من العراق: قصة «نصر قيد التحقق» على رغم الاضطرابات السياسية المزمنة التي لا يرجح أن تضع لها انتخابات الأسبوع الماضي حداً أو نهاية. وقد تتبعنا عائلة مثبوب منذ أواخر 2002، وتُظهر قصة هذه العائلة المكافحة الكيفية التي تعاطى بها عراقيون عاديون مع الغزو الأميركي والعنف الشديد الذي أعقبه على مدى عشر سنوات. تقول أمل، وهي عراقية شيعية ذات ابتسامة خجولة ترتدي حجاباً وتفضل الألوان النابضة بالحياة: «إنني لن أقول إنني تكيفت مع كل شيء لأن قلبي ما زال هناك»، مضيفة «عندما أسمعُ عن تفجيرات في الكرادة، ألوم نفسي وأشعر بالذنب لأنه كان عليَّ أن أكون هناك، وقد تفاقم العنف الآن». وتؤكد أمل أنها تتصل بعائلتها كل يوم تقريباً لتفقد أحوالهم، وعندما يحدث تفجير تطلب من العائلة ألا تدع أخاها الأصغر، محمود، يغادر المنزل. وقد ازدادت التفجيرات في العراق مؤخراً بشكل لافت حيث ارتفعت حصيلة القتلى إلى ما يربو عن 3 آلاف منذ يناير. وتقول أمل: «لقد صار الوضع خطيراً الآن، خاصة في الكرادة. عندما أهاتف الأسرة، يقولون لي إن كل شيء على ما يرام. ولكنني أشك في ذلك! وفيما إن كانوا يخففون الموقف عليَّ ولا يريدونني أن أقلق، والحال أن ذلك يجعلني قلقة أكثر». وقد عاشت أمل وعائلتها تجربة السيارات المفخخة، والتعذيب الوحشي لأحد أشقائها، وزواج أختها الذي انتهى إلى الفشل… كل ذلك مع بعض «الفكاهة السوداء» وإيمان ديني قوي يساعدهم على الرضا بقدرهم. وعندما التقينا هذه العائلةَ الفقيرةَ أول مرة قبل الغزو الأميركي الذي أطاح بنظام صدام حسين في 2003، جلسنا على الأرضية لأن العائلة كانت قد باعت أثاث البيت في ذلك اليوم حتى تؤمِّن تعليم أمل في المدرسة. واليوم وبعد أكثر من عقد من الزمن على ذلك، تحمل أمل على عاتقها أحلام وتوقعات عائلتها، التي يشجعها جِد ابنتها واجتهادها. وبفضل منحة دراسية كاملة تغطي خمس سنوات لدراسة تخصص الدراسات الدولية في الجامعة الأميركية في العراق، بالسليمانية، تغلبت أمل على الكثير من الصعاب خلال عامها الأول من الدراسة في إقليم كردستان العراقي. وقد حوّلتها هذه التجربة من ضحية تكافح من أجل البقاء إلى عراقية كرست حياتها لتقديم شيء لمجتمعها ورد الجميل. فخلال إجازتها الشتوية، عادت أمل إلى بغداد وانخرطت في مشروع شبابي يهدف إلى إنهاء التمييز الطائفي وشمل يوماً لتنظيف شوارع المدينة. كما قامت بأعمال تطوعية وخيرية خلال الإجازة الصيفية العام الماضي. وعن الدوافع التي تحركها للعمل مع عراقيين فقراء آخرين تقول أمل: «إنني أعرف وضعهم أكثر، لأنني أنا نفسي عشتُ ما يعيشونه اليوم، وكنت في حاجة إلى شخص ما ليساعدني». وتضيف: «عليك أن تقدم شيئاً ما. يجب أن أعمل، ويجب أن أقوم بشيء من أجل مجتمعي، شيء مادي، وليس مجرد علامة على الورق. وهذا هو هدفي!». وتبلي أمل بلاءً حسناً في دراستها. وقد انسحبت القوات الأميركية من البلاد، ولكن العائلة ما زالت تعاني -على غرار العراق. فأصغر أشقاء أمل، محمود، يبلغ 19 عاماً ويعشق كرة القدم، ولكنه يلعب مع فريق محلي استُهدف من قبل مقاتلين زرعوا متفجرات في الملعب. «إنهم يريدون ضرب معنوياتهم»، تقول أمل متحدثة عن المهاجمين، مضيفة «عندما يلعب فريقان، يدافع كل واحد منهما عن بلده، أو منطقته... إنها (رياضة) تعلّمهم حماية مجتمعهم، أو حيهم -إنها تعلّمهم الدفاع والقتال بشجاعة». أما الأخت الأكبر فاطمة -التي لم تكمل تعليمها حتى تساعد والدتها في تربية الأطفال- فقد تزوجت عن حب في أوائل 2008، ولكنها سرعان ما طلقت بعد أن تحول زواجها إلى عذاب. وتقول أمل عن فاطمة: «إنني أشعر دائماً بأن حزناً كبيراً يعتمل في قلبها، إنها تضحك باستمرار، أحياناً تضحك اليوم كله، ولكنك تستطيع أن تشعر بأنها حزينة في قرارة نفسها». ووالدتها، كريمة سلمان مثبوب، ليست بخير أيضاً، نتيجة عقود من التضحية في سبيل أطفالها، كما تقول أمل، ونتيجة محنة شقيقها الأكبر علي، الذي تعرض للسجن والتعذيب لعامين ونصف العام. فعليٌّ، الذي بدأ العمل في سن الثامنة أو التاسعة من أجل المساعدة في إطعام العائلة، أُفرج عنه في الأخير من دون أن توجه إليه أي تهمة وعاد إلى عمله كحارس أمن في المنشآت الكهربائية العراقية، ولكن الاقتراض الكثير الذي لجأت إليه العائلة من أجل تقديم الرشى سيتطلب عقداً من الزمن من أجل تسديده. «لقد قتل ذلك العائلةَ كلها، كل فرد منا، حيث باعت فاطمة حليها، وكذلك فعلت والدتي. لقد فقدنا كل شيء»، تقول أمل، والتأثر بادٍ على صوتها. ولعل أكثر ما تتذكره عن علي هو أنه كان «طفلاً محبوباً من قبل الجميع»، ويتمتع بروح الدعابة. وتقول أمل، التي لم تتمكن من رؤية شقيقها الأكبر سوى أربع أو خمس مرات عندما زارت منزل العائلة الصيف الماضي: «أعتقدُ أننا فقدنا علياً، لأنه لم يعد الشخص الذي كنا نعرف. فهو موجود، وغير موجود في الوقت نفسه». وتضيف قائلة: «عندما تراه على هذا النحو، يفطر ذلك قلبك، وروحك... إنني لا أستطيع أن أتحدث عن ذلك بدون أن تغلبني الدموع. ولكنني لن ألومه، فنحن لم نكن هناك عندما تعرض للتعذيب مراراً وتكراراً». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©