السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رؤية بوتين للنظام العالمي الجديد

12 مايو 2014 23:55
ليليا شيفتسوفا زميلة في مركز كارنيجي - موسكو كل تفجير تشهده بغداد يولّد قلقاً وجزعاً، بل وحتى شعوراً بالذنب، لدى أمل مثبوب، وهي طالبة جامعية في شمال العراق الذي ينعم باستقرار نسبي. ذلك أن العديد من تلك التفجيرات تستهدف منطقة الكرادة، حيث تكافح عائلة هذه الطالبة، المؤلفة من سبعة إخوة وأخوات وأمهم الأرملة، من أجل العيش. لقد قُيّض للنظام العالمي الجديد الذي نشأ عقب تفكّك الاتحاد السوفييتي السابق، أن يواجه الفشل المحقق لأنه مبني على أساس الاعتقاد بأن روسيا ما بعد الحقبة السوفييتية لم تعد تمثل مشكلة. وحتى عندما بدأ قادة الغرب يشعرون بأن روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين بدأت تثير المتاعب، فضلوا تجاوز الخلافات السياسية مع الكرملين مقابل الحصول على بعض العوائد الاقتصادية. ووافقت الدول الديمقراطية أن تمارس مع الكرملين لعبة «دعنا نتظاهر» أو «يضحك بعضنا على بعض»، بحيث تتصرف بما يوحي بأن روسيا «دولة عادية»، فيما كان رجال النخبة من الأثرياء الروس يعملون على تمتين الروابط مع الغرب، ما أدى إلى تسببهم في حقن النظام الغربي من داخله بآفة الفساد المالي. وقد انتهت هذه اللعبة أخيراً، وبات العديد من المراقبين الغربيين يأملون أن تتمكن بلدانهم من الإبقاء على موسكو بعيدة عن إثارة المشاكل ونشرها إلى ما وراء حدود روسيا. فكيف يمكن للروس الذين أودعوا أموالهم المتواضعة في البنوك الغربية الذين آثروا أن يسجلوا أبناءهم في المدارس الغربية أيضاً، أن يكونوا ضعيفي الميل للغرب؟ لقد أصبح من الواضح الآن، وبعد أزمة أوكرانيا، أن بوتين قد توقف عن لعبة التظاهر. وأن الكرملين نفسه لن يكتفي بالقضاء على المعارضة داخل الحدود الروسية. وأصبح بقاء نظام بوتين ذاته مبنياً على أساس البحث الدائم عن الأعداء داخل روسيا وخارجها. وباتت أوكرانيا تشكل حقل اختبار بالنسبة للكرملين، يُنتظر منها أن تشهد البدايات الأولى لعملية إجهاض مظاهر الفكر كافة والحراك الثوري واقتلاعها من جذورها ليس في روسيا فحسب، بل في بقية الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي المنحل، وأن يجبر الغرب على الاعتراف بحقه الشرعي في فعل ذلك. وتهدف عملية تقطيع أوصال أوكرانيا إلى إظهار الآلية التي يعمل بموجبها النظام الروسي، حيث تمثل السياسة الخارجية إحدى أهم أدوات تنفيذ «الأجندات» الداخلية. وتحرص هذه السياسة على توليد الانطباع المقنع بأن أولئك الذين يخافون مما يسمى «الاستعمار الروسي» هم على خطأ. وتقول وجهة النظر هذه إن قضايا «استرجاع الأراضي» و«الدفاع» عن السكان الناطقين باللغة الروسية في البلدان الأخرى، قد تمثل الأسباب الكافية لدفع روسيا إلى حالة الحرب، ولكنها تجعل من بوتين رئيساً مناسباً لهذا الزمن العامر بالتحديات، وتقوي من وضعه الداخلي وتعزز من شدة قبضته على السلطة. ولا يهدف بوتين من كل ذلك إلى مجرّد إعادة النظر في النتائج الانهزامية التي انتهت إليها الحرب الباردة، بل إنه يريد أن يقول في آخر المطاف، إنه هو الرجل القادر على تأسيس النظام العالمي الجديد. ويمكن القول باختصار، إن روسيا تريد التملّص من النظام الاقتصادي العالمي المفصّل على مقاس الغرب، وأن يعترف الغرب بحقها في إعادة صياغة قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية العالمية. ولا تقتصر هذه الأفكار على مجرد تقويض نظرة الغرب لمفهوم «السلام الكانتي الدائم» Kantian perpetual peace الذي يقوم على أساس نظرية الفيلسوف الألماني «إيمانويل كانت» التي تقضي بأن الوازع الإنساني يجب أن يتفوق على الأهداف النهائية للسياسة، بل يتعدى ذلك إلى اختلاق بؤر جديدة للصراع بالنسبة للطرفين. وبالنسبة للطرف الروسي، لم يتأخر الكرملين في إصدار البيانات والتصريحات الجدلية حول شرعية تدخله في أوكرانيا. وطالب كييف بإصلاح الدستور الأوكراني والسماح بإجراء الاستفتاءات حول رغبة الأقاليم المختلفة بالانفصال عن الحكومة المركزية وإقامة الدولة الفيدرالية. ويبدو من الغريب أن الشعب الروسي ذاته لا يمتلك مثل هذه الحقوق. ولو طالب أي مواطن روسي بمثل هذا الحق لانتهى به المطاف في غياهب السجون. وهذا يعني بكل بساطة أن الأطروحات المنمّقة التي دأب الكرملين على تسويقها عالمياً، تقوّض شرعيّة النظام الروسي ذاته. وسيأتي اليوم الذي يقول فيه تتار روسيا: «لماذا لا نمتلك نحن أيضاً بدورنا حق تقرير المصير؟»؟ وقد اقترب الوقت الذي سيتساءل فيه الروس أنفسهم: «ولماذا لا نمتلك نحن كذلك الحق في الاستفتاء حول تقرير المصير، أو معارضة النظام السلطوي القائم؟». وبكلمة أخرى، يمكن القول إننا نشهد الآن موقفاً يحاول من خلاله الكرملين أن يضمن البقاء، ولكن هذا الرهان تحوّل إلى سباق «ماراثون انتحاري». وهذا لا يعني أيضاً أن الدول الديمقراطية الحرّة تفعل الأشياء بطريقة أفضل من تلك التي يعتمدها بوتين. وقد سارعت تلك الدول إلى إشعار الكرملين بأنه إذا أوقف عملية غزو أوكرانيا عند الحد الذي وصلت إليه، فإنها مستعدة للاعتراف بالوضع الراهن. وفي 17 أبريل الماضي كشفت تفاصيل وخلفيات بنود الاتفاقية المبرمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا من جهة أخرى، أن الغرب عاجز تماماً عن وضع حدّ للمسعى الروسي نحو زيادة التوتر والاستقطاب الشعبي في أوكرانيا. واكتفت الدول الغربية بمطالبة روسيا بـ«وقف التصعيد» وأعلنت عن وضع خطوط حمراء، وحذرت موسكو من تجاوزها. ومع رفض الغرب تقديم أية وعود لأوكرانيا بقبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي، فإنه يكون قد وضعها في المنطقة الرمادية العامرة بالشكّ والغموض فيما يتعلق بالمستقبل، وجعلها معرضة لأن تتحول إلى دولة جاهزة للدوران في الفلك الروسي. وفيما يبدو أن العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا منذ بداية الأزمة الأوكرانية بدأت تعطي أُكلها، إلا أنها انطوت أيضاً على نتائج عكسية حيث زادت من قوّة بوتين وأعطته طوق النجاة من العزلة التي كان يعاني منها. وقال القادة الروس هذا الأسبوع إن الدعوة التي وجهوها للانفصاليين في مدينة «دونيتسك»، ثانية مدن أوكرانيا من حيث الأهمية، للمطالبة باستفتاء تقرير المصير، لا تمثل استسلاماً، بل هي دعوة لكييف لاحترام مصالح الكرملين، ولكن عن طريق «التفاوض» هذه المرة بدلاً من الغزو. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©