الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دعم نيجيريا في مواجهة «بوكو حرام»

دعم نيجيريا في مواجهة «بوكو حرام»
12 مايو 2014 23:53
كاترينا لانتوس سويت وزهدي جاسر نائبا رئيس اللجنة الأميركية للحرية الدينية فيما تخلد نيجيريا هذه السنة بالذكرى الرابعة والخمسين لاستقلالها، يجد العديد من النيجيريين أنفسهم في مزاج أقرب إلى الحزن والتخوف منه إلى الاحتفاء والابتهاج، فمنذ بداية العام الجديد قتلت جماعة «بوكو حرام» الإرهابية المئات من المواطنين في حملتها المستمرة لزعزعة استقرار البلاد، وتعميق الشرخ بين المسلمين والمسيحيين، والمضي قدماً في فهمها المنحرف للدين. وتأتي حادثة اختطاف أكثر من مائتي تلميذة مؤخراً، بالإضافة إلى تفجير حافلة في إحدى محطات النقل بالعاصمة أبوجا، ليؤكدا الخطر المتواصل الذي تمثله تلك الجماعة على مستقبل نيجيريا. والحقيقة أن تلك البلاد تحفل بالعديد من الرهانات المهمة التي تتعين مواجهتها بدءاً من ترسيخ الحرية الدينية وليس انتهاء بضمان الأمن في بلد يكتسي أهمية كبرى بالنظر إلى كونه أحد أكبر مصدري النفط في القارة السمراء، مع ما قد يؤدي إليه اضطرابه من تأثير سلبي على الدول الأخرى المجاورة، ولذا تقع مسؤولية جسيمة على الولايات المتحدة، باعتبارها المدافعة عن الديمقراطية والحرية حول العالم، في مساعدة الحكومة النيجيرية ومدها بالمقومات الكفيلة بضمان سلامة مواطنيها ومعالجة إخفاقاتها الهيكلية قبل فوات الأوان. وفي أغسطس من عام 2013 أصدرت اللجنة الأميركية للحرية الدينية تقريرها الذي يوثق مسؤولية «بوكو حرام» في أعمال العنف الديني التي تعيش البلاد على وقعها، وإن كانت الأشهر الأكثر دموية هي تلك التي انطلقت مع العام الجديد، وهو ما دفعنا للقيام بزيارة أخرى كممثلين للجنة الأميركية للحرية الدينية لنيجيريا والوقوف عند حجم العنف المقترف هناك. وما وجدناه هو أن هجمات «بوكو حرام» فيما تمثل أعمالاً خطيرة وبشعة، إلا أنها تشير إلى مشكلات أعمق على المدى البعيد، فهي ليست سوى تجلٍّ آخر من تجليات العنف الديني الذي عرفته البلاد منذ بداية القرن الحالي وخلف أكثر من 16 ألف قتيل. وهناك ثلاثة معطيات أساسية يتم استغلالها لتأبيد حالة الفوضى والاضطراب في نيجيريا، أولاً أن الدين يمثل عنصراً مهماً في تكوين الهوية النيجيرية، فحسب استطلاع للرأي أجراه معهد «بيو» في عام 2006، أكد 76 في المئة من المسيحيين و91 في المئة من المسلمين أن الدين «أهم من أي عنصر آخر في هويتهم، وأنه يفوق انتماءهم الإفريقي والوطني، أو العرقي». وهذه الأهمية القصوى للعنصر الديني في تشكيل الهوية النيجيرية قد تمثل حافزاً للتوافق والتسامح من خلال قيم التعايش والسلام التي تدعو إليها الأديان، وقد تكون أيضاً عنصر فرقة وخصام يقود إلى العنف؛ غير أن الدين ليس وحده هو المعطى الطاغي على البلاد، إذ هناك، ثانياً، الثقافة السياسية السائدة التي تعطي الفائز الحق في الاستئثار بالمكاسب وحيازة المغانم السياسية. وبما أن السياسة تدور على الدين وتلتف حوله يلجأ بعض السياسيين الانتهازيين إلى مفاقمة الخطاب الديني المتشدد لتحقيق مكاسب سياسية، الأمر الذي ينعكس في مزيد من العنف الديني وإراقة الدماء. وإذا سُمح للتاريخ بتكرار نفسه فإن الانتخابات المحلية على مستوى المحافظات المرتقبة في 2015 قد تتحول إلى فرصة جديدة لاندلاع العنف وسفك المزيد من الدماء. أما العنصر الثالث الذي يعيق التطور السليم للحياة السياسية النيجيرية فيتمثل في ثقافة الفساد الطاغية وغياب الحكامة الجيدة الذي يترجم في ضعف تطبيق القانون ومحاسبة المسؤولين عن العنف، وهذا الفشل بدوره يكرس ثقافة الإفلات من العقاب التي تشجع على ارتكاب العنف والإيغال فيه. والمشكلة أن العنف الديني الذي تطلقه جماعات متشددة مثل «بوكو حرام» لا يكتفي فقط بانتهاك الحرية الدينية، بل يهدد أيضاً بتفكيك البلاد والتمدد إلى الدول المجاورة. ولذا يتعين على هذا الوضع القائم أن يتغير ليس فقط لتداعياته الإنسانية الوخيمة، وإنما أيضاً لتحقيق هدف استتباب الأمن سواء على الصعيد المحلي، أو الإقليمي. وهنا يبرز الدور الأميركي الذي يتعين عليه مواصلة دعم نيجيريا في محاربة «بوكو حرام»، وتعزيز قدراتها على حماية المسيحيين والمسلمين على حد سواء. فيما يتعين على نيجيريا نفسها تسخير الدعم الأميركي، الأمني والعسكري، لتحقيق نتائج فعالة في مكافحة الإرهاب، كما يتعين على أميركا دعم تطوير قدرات الشرطة والقضاء الضعيفين في نيجيريا. وإذا نجحت واشنطن في الضغط على أبوجا لمحاسبة مرتكبي العنف، فإنها ستساعدها في القطع مع ثقافة الإفلات من العقاب التي تغذي العنف وعدم الاستقرار وتحول دون ممارسة العديد من المواطنين حريتهم الدينية في أمن وأمان. كما يتعين على الحكومة الأميركية التنديد بظاهرة استخدام الخطاب الديني المتشدد لتحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات المقبلة التي يلجأ إليها السياسيون. هذا بالإضافة إلى دعم المجتمع المدني النيجيري للوقوف في وجه الصراع الطائفي والتخفيف من حدته، لاسيما الجمعيات الناشطة في مجال الحوار الديني بين المسلمين والمسيحيين. وما زال ينتظر الحكومة النيجيرية عمل جبار، يأتي في مقدمته السهر على فرض سيادة القانون وتطبيقه لمواجهة مظاهر الفوضى والعنف، والحرص على حماية حق النيجيريين في ممارسة الدين بحرية وبمساواة بين الجميع، ولكن هناك أيضاً مهمة على درجة كبيرة من الحيوية تتمثل في المصالحة الوطنية، ومن مصلحة نيجيريا أن يمضي المساران معاً، تطبيق القانون والمصالحة، في طريق واحد بدعم كامل من المجتمع الدولي وخاصة من طرف الولايات المتحدة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©