الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة لواقع يتجه إلى طرائق جديدة لتصوير العالم

قراءة لواقع يتجه إلى طرائق جديدة لتصوير العالم
12 أكتوبر 2008 00:25
استطاع الباحث ويلر وينستون ديكسون أن يجمع 11 مقالاً عن السينما لأهم النقاد العالميين في كتابه ''السينما والتليفزيون بعد 9/''11 ويقصد بها 11 سبتمبر الحدث العالمي الشهير الذي غير من نظم وبنى فكرية واجتماعية واقتصادية كثيرة· قدم الباحث ديكسون كتابه بمقدمة سماها بـ''مدخل شيء ضائع - السينما بعد 9/''11 تمهيداً لاستعراض أهم المحاور إلى بناء عالم من الخيال المرتقب· الكتاب حصيلة جمع وتقديم مضن أسهم في ترجمته إلى العربية الناقد والمترجم ثائر ديب، وهو واحد من كتب أربعة صدرت عن مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في دورته الثانية الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث للفترة من 10 إلى 19 أكتوبر الجاري· يعكس الكتاب أفكار كثيرين من نقاد وأعلام السينما العالمية ممن يستشعرون التغير الحاصل في الطرائق والوسائل التي جرى بها تصوير وإنتاج واستقبال أفلام مهمة ومنها ''سقوط البلاك هوك ''2001 و''أضرار جانبية ''2002 و''كنا جنوداً ''2002 وغيرها من الأفلام التي تدل على امتنان ورغبة جمهور السينما الى مشاهدة ما جرى وحقيقته التي حيرت العالم· يتكرر المشهد ثانية منذ أن انخرطت أميركا فجأة في الحرب العالمية الثانية فاجتاحت السينما نزعة تفسير وفهم هذا الاشتراك الذي هز العالم وغير معايير وتوقعات الكثيرين، أما المشهد الجديد الذي أثارته أحداث 11 سبتمبر فلا بد من الوقوف عنده سينمائياً بين معارض لتدخلات أميركية في العالم وبين موافق ومشجع لها· ويبقى التساؤل مطروحاً: هل حقاً أن البنى الاجتماعية الأميركية جميعها قد وقفت صفاً واحداً ضد عدو تجهله· يقول ديكسون في مقدمته ''يعكس هذا الكتاب أفكار كثيرين في الوسط السينمائي''، حسناً لنقرأ تلك المقولة التي تعكس من وجهة نظره أن الأفلام المعاصرة تعتبر فرصة للنزعة الهروبية من الواقع إلى الخيال، وأن معظم السينما الأميركية السائدة منذ 9/،11 سواء كانت الأفلام قيد الإنتاج قبل أحداث ذلك اليوم أم بعده، تبدو متركزة على رغبة في ترداد فكرة الحرب العادلة· ويتساءل الى أين يؤدي كل تلك الانتقامات العسكرية على الأقل في السنوات المقبلة، ثم كيف تبرر السينما الأميركية ما حصل كونها الصادر المهيمن بين صادرات أميركا الثقافية· كتب ديكسون هذا الكلام بعد سنة من هجمات 11 سبتمبر، مؤكداً فقدان حرية الاجتماع وحرية المعلومات وحرية الكلام وحرية التمثيل القانوني وحرية الحماية من التفتيش غير المبرر والحق بمحاكمة سريعة وعلنية وأخيراً حق الحرية الذي كان شعاراً أميركياً لمئات السنين· يرى الباحث أن هوليوود قد تخلت بعد أيام قليلة من 11 سبتمبر عن مشاهد العنف البالغ الذي عمت التيار السائد في سينما تسعينيات القرن العشرين، فقد وضعت الأفلام مؤقتاً على الرف، وبدأت الأفلام العائلية توفر مهرباً عاماً من رعب 9/11 لكن - بحسب قوله - انقلاب المقادير هذا لم يدم طويلاً، فسرعان ما عادت هوليوود الى العمل على سلسلة من أفلام ''الكسر والحرق'' التي حققت نجاحاً باهراً· غير أن ديكسون يؤكد: أن الحقيقة البارزة التي تبقى هي أن ذكرى 9/11 لا يمكن قط أن تمحي من الوعي القومي الأميركي بصرف النظر عن بشاعة استغلالها من أجل مكاسب شخصية· يرى ديكسون أن مأساة 9/11 الإنسانية الواضحة تم تحويلها الى سلعة وأعيد توضيبها وبيعت بأثمان بخسة على هيئة لوحات وأفلام فيديو· ويشير إلى أن إنتاج الأفلام والبرامج التليفزيونية يتواصل بلا كلل سواء على مستوى المشروعات السائدة أو الهامشية· واعتبر العمل الجماعي 9/11-1 ''''2002 واحداً من الأفلام الاستثنائية التي تناولت 9/11 حيث أخرجه كل من سميرة مخملباف وكلود لولوش ويوسف شاهين ودينس تانوفيتش وادريسه اودراغو وكين لوتش واليخاندرو جوزنزاليس وعاموس غيتاي وميرانير وشن ين وايهوهي ايمامورا· وهذا الفيلم الذي أدانته مجلة VARIETY بوصفه مناهضاً لأميركا على نمو صارخ مؤلف من 11 فيلماً قصيراً أخرجها 11 مخرجاً سينمائياً وطول كل منها 11 دقيقة و9 ثوان وإطار واحد ويقدم يوسف شاهين وكين لوتش مشاهد تنتقد السياسة الأميركية الخارجية بصورة مباشرة· ويتحدث عن سميرة مخملباف وشن بن اللذين ينسجان حكايتين شخصيتين أكثر رهافة، متصوراً أن الفيلم يجلب الى الخطاب السينمائي السائد حول هجمات 9/11 نفساً مستحباً يحمل رأياً معارضاً، كما وصف آلن رايدنج بأنه يذكر بالفيلم الفرنسي الجماعي ''اسد فيتنام'' ذلك العمل الذي أبدعه في العام 1967 كل من جاك لوك جودار ومجموعة من المخرجين من بينهم كلود لولوش وكريس ماركر بوصفه فعلاً من أفعال الضمير ضد الحرب في فيتنام· يتطرق ديكسو الى الأفلام الأقرب الى التقليدية المنتجة في أميركا وتتناول موضوع 9/11 وكما يطرح بنجامين نوغينت سؤاله ''أين فيلم 9/''11 ويقدم جوابه أن هذا الفيلم على الطريق، لكن لا أحد يريد التجمل في دفع مثل هذا الموضوع الخلافي والمؤلم الى شاشة سينماك المحلية التي تعرض عدداً من الأفلام في وقت واحد· يقرأ الباحث في مقدمته علاقة الحقيقة، الواقع بالخيال، فمجرد دخولنا صالة السينما ذلك الميدان العام للتخيل البصري هو تأكيد على أن ما نريد أن نراه أمر مبني ومصطنع ومتخيل كلياً، غير أننا في أفلام 9/11 نرى مجزرة حقيقية لا مجال للخيال أن يلعب فيها·· هنا ينتقي الخيال الذي هو عمق مهم في السينما·· غير أن ما ينهض حقاً هو كيفية خلق الخيال من الواقع الذي نعرفه، وكأن الباحث ديكسون يحاول أن يقرأ النص المنتج - كون السينما نصاً إبداعياً بالصورة - في إطار تغريبي وهو جعل ما هو مألوف غير مألوف بالرغم من أنك تعرف أنه مألوف· ويناقش أهم الأفلام التي تناولت هذا الحدث الذي هز العالم من مثل ''المتهور'' و''كولد ماونتن'' و''آلهة وجنرالات'' و''لب الموضوع'' التي أنتجت جميعها في عام ·2003 ولم يكتف ديكسون بمناقشة تلك الأفلام، بل تطرق الى ما عرض على التليفزيون الأميركي وخاصة برنامج ''خط المواجهة: FRONT LINE، الذي قدم فيلم ''حملة على الإرهاب''· وضمن مقالات عديدة نقرأ في الكتاب ما سطره ستيفن جاي شنيدر عن ''الحنين المعماري وصورة مدينة نيويورك في السينما'' و''ظل مركز التجارة العالمي يتسلق ذاكرتي الحضارية'' لموراي بوميرانس و''تمثيل الفظائع من الهولوكوست إلى 11 سبتمبر'' لديفيد ستيريت و''أميركا تتعرض لهجوم: بيرل هاربر 9/11 والتاريخ في الإعلام'' لميرسيا لاندي و''أفلام المدينة، المكان الحديث ونهاية مركز التجارة العالمي'' لخوان سواريز و''اليوم هو أطول يوم في حياتي: 24 بوصفة مرآة سردية لـ''119 لإينا راي هارك و''الدليل والتمهيد، والتتمة في سينما ما بعد 9/''11 لربيكابل ميتيرو و''فتنة الاستهجان: صور 9/11 الخاضعة للرقابة'' لميكينا بروتمان و''قندهار محسن مخملباف: رفع الحجاب عن أفغانستان'' لفيليب موسلي و''بكرات الإرهاب بعد 9/''11 لجوناثان ماركوفيتش و''ناجون في الجناح الغربي: 9/11 وولايات الطوارئ المتحدة'' لايزابيل فريدا· شارك في الكتاب أساتذة في فن السينما من جامعات أميركية ونقاد سينمائيون وصحفيون يشرفون على ملاحق خصصت لهذا الفن استطاعوا أن يقدموا رؤاهم النقدية الفاحصة ببراعة ودهشة استطعنا أن نتعرف على كل ما يفكرون به إزاء ما حصل في هذا الكتاب المهم·
المصدر: سلمان كاصد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©