الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أردوجان ··· إلى أين يسير؟

أردوجان ··· إلى أين يسير؟
11 أكتوبر 2008 02:07
لم يبتعد الأتراك الذين اتخذوا من الأراضي الألمانية موطناً ثانياً لهم منذ عقود خمسة خلت، عن تقاليدهم ودينهم وعاداتهم التي توارثوها، فالغربة والتأقلم مع المجتمع الجديد شيء، والتمسك بقيم الوطن الأم شيء آخر، وهكذا حرصوا على التواصل مع الأهل والأقارب، وعلى مستوى تركيا كانت مدخراتهم تشكل جزءاً مهماً من موارد النقد الأجنبي للبلاد، لكن البعض منهم وبعد أن فتح الله عليهم وصاروا رجال أعمال يشار إليهم بالبنان، لم يكتفوا بذلك، فشرعوا قبل سنوات بتأسيس مؤسسة خيرية مقرها الرئيسي مدينة ''بون'' أطلقوا عليها ''دنيز فناري'' هدفها الخير ومد يد المساعدة لمئات الأسر الفقيرة في عموم الأناضول وجواره· وحتى تعم الفائدة، أصبح للمؤسسة اعتباراً من عام 1998 فروع في عدد من المدن الكبرى -كاسطنبول وأنقرة وإزمير وكونيا، وكي لا يختلط نشاطها بأي دوافع سياسية- حرص القائمون عليها أن تكون مؤسستهم بعيدة كل البعد عن أي منطلقات دينية أو أيديولوجية، وأمعاناً في ذلك أطلقوا عليها اسم لا يخلو من دلالة، بيد أنه يتسق مع الوضعية الجغرافية لتركيا التي تطل على بحار ثلاثة: المتوسط والأسود وإيجه، وهكذا جاء الاسم المشار إليه وترجمته لــ(العربية) ''فنار البحر'' على مسمى، ناهيك عما يتضمنه من معانٍ نبيلة، لعل أهمها الإرشاد إلى مرفأ آمن في حال ضل السائر سبيله· لكن على حين غرة ودون سابق إنذار، هبت رياح عاصفة، وهاجت معها أمواج متلاطمة، تضرب صورة الحكومة وحزبها لدى جماهيرها في مقتل، وعلى غير عادته زعق الفنار مستغيثاً: ثمة شيء غامض مريب يبعث على التشاؤم، ما الذي حدث؟ فقد انكشف المستور عن ذمم خربها الطمع، ونزوات السلطة الزائلة، فالأموال التي خرجت من مؤسسة الخير لم تذهب إلى أهدافها المشروعة، بل استخدمت في أغراض سياسية، فحسب ما نشر وأذيع، بلغت التبرعات طوال السنوات الخمس 41 مليون يورو، كان نصيب تركيا 17 مليون يورو، لكن المبلغ الذي وصل بالفعل للأنشطة الخيرية كان 8 ملايين يورو فقط، أما الباقي 9 ملايين فقد تسربت إلى مصالح خاصة لتحقيق أهداف سياسية، من هذه المصالح، وسائل إعلام مرئية ومقروءة عرف عنهما دعمها وتأييدهما المطلق للحزب وحكومته، الأولى متمثلة في ''قناة ''7 التي سبق واعتبر ''نجم الدين أربكان'' -رئيس الحكومة الأسبق والأب الروحي للأسلمة السياسية- أن مد يد العون ماديــــاً لتـــلك القناة بمثابة ''دعوة لدخول الجنة''، والثانية صحيفة ''يني شفق'' التي توصف حال ذكرها بأنها الصحيفة المقربة من الحكومة· أمام سيل الاتهامات، أنبرت حكومة العدالة والتنمية الحاكم بالرد، إلا أن محصلته جاءت صفر اليدين، والدليل على ذلك فشله في تقديم ما يدحض الموجه ضدها، حتى ''ميديتها'' المحسوبة عليها، عجزت هي الأخرى في وضع النقاط على الحروف لدرء سيل الفضائح، بشأن الأموال التي خرجت عن مسارها الخيري، ودخلت خزائنها من أجل استمرار مسيرة دعم أيدولوجية الحكومة في مواجهة خصومها، ثم جاءت بالتزامن، ودون موعد، الأزمة الكبرى التي لم تنته تداعياتها حتى اللحظة، بل إنها مرشحة كي تظل عنوان الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة، وطرفاها هنا، ''الطيب رجب أردوجان'' رئيس الحكومة من جانب ''وايدين دوجان'' إمبراطور الإعلام المرئي والمقروء على السواء من جانب آخر· وها هي القصص تتوالى لتحكي عن وقائع فساد، وصفقات بالأمر المباشر ذهبت إلى الأقارب والأصهار دون سند من القانون، هذا ما قاله ''دوجان'' في خطاب طويل وجّهه إلى ''أردوجان''، نشر على حلقات ثلاث في صحيفة ''ميلليت'' واسعة الانتشار؛ ولأن الاتهامات أخطر من تلك التي انطلقت من ''دنيز فنار''، لم يتمالك ''أردوجان'' نفسه، وراح منفعلاً يصب جام غضبه ولعناته على الصحف و''الميديا'' المملوكة لـ''ايدين دوجان''، وليته اكتفي بذلك، بل طالب جماهيره قبل أعضاء حزبه بالامتناع فوراً عن قراءة صحف هؤلاء الذين يبثون الفتنة والتشكيك في إخلاص العدالة نحو تركيا· لكن السؤال الذي فرض نفسه: ألم يكن ''أردوجان'' صديقاً لــ''دوجان'' وإعلامه، و''دوجان'' نفسه ألم يطلب المدد والعون من رئيس الحكومة، فجاءت الاستجابة قروضاً وتسهيلات هنا وهناك، فماذا حدث إذن؟ فمنذ صعود العدالة والتنمية إلى سدة الحكم قبل ستة سنوات بدا وكأنّ هناك عقداً غير مكتوب بين الوافد السياسي الصاعد بقوة، والمجموعات الإعلامية عامة ومجموعة ''دوجان'' بوجه خاص باعتبارها الأكبر والأكثر تأثيراً، وكان ما يؤرق الحكام الجدد مشاهد العري الساخنة التي لا تتناسب مع ثقافة الأناضول، وقد كان لهم ما أرادوا، وتدريجياً أصبحت العديد من القنوات الخاصة وكأنها منبر إعلامي لحكومة العدالة والتنمية، بيد أن رموزها دائماً على شاشتها، وإمعاناً في إرضاء الحكام الجدد زادت الجرعات الدينية بشكل لافت خصوصاً في المناسبات· كل هذا كان من منطلق خذ وهات، أما المجموعات التي لم تكن لها مصالح مع الحكومة، فقد رفضت الاستجابة لمطالبها، إلا أن الثمن الذي دفعته كان باهظاً، فقد لاحقتها باستمرار إنذارات من قبل هيئة الرقابة الحكومية المشرفة على الراديو والتلفزيون وصل أحدها إلى توقف مجموعة تضم ثلاث قنوات عن البث لمدة شهر متواصل، غير أن الإذعان لهذا الترغيب والترهيب لم يستمر طويلاً، صحيح أن ''الميديا'' ظلت متحفظة حيال ما يخدش حياء الأسر التركية، إلا أنها باتت تنظر بارتياب للعدالة وحكومته، وصار ''أردوجان'' في بؤرة نقدها، وهو وضع لا يطيقه الأخير كونه شديد الحساسية تجاه أي نقد حتى ولو كان صائباً· وجاءت لحظة الانتقام، وذلك بتفويت مناقصة رأي ''دوجان'' مجموعته -التي لا تقتصر على الإعلام فحسب بل تشمل أنشطة تجارية في مجالات مختلفة- الأحق بها، لكن يبدو أن خطوة رئيس الحكومة لم يحالفها الحظ، بيد أنها انقلبت ضده خاصة بعد أن شابها فساد وتدليس، وكان لا بد من تدخل سريع يصحح المشهد الحكومي بعدما دب الاستياء في أركان الحياة السياسية، زاد على ذلك أن جماهير الحزب بدأ الضجر يصيبها من ردود الأفعال الخاطئة غير المحسوبة، ولأن التريث غاب وحل محلة الانفعال وعدم الدقة، فقد جاء المخرج الذي اقترحه مستشارو ''أردوجان'' ليزيد من تراجع أسهم الحزب والحكومة معاً لدى الرأي العام· فبعد ما كانا -الحزب والحكومة- يرفضانه، ويعتبرانه نوعاً من الرشاوى الانتخابية تارة، والابتزاز لإرضاء الجماهير خاصة في الأزمات تارة أخرى، وبعدما سبق وأعلنا قبل خمس سنوات وتحديداً في مستهل يناير عام 2004 ''أنه لا توجد دولة في العالم تعطل بالكامل لمدة ثلاثة عشر يوماً -إجازة عيد الأضحي- أو 9 أيام -إجازة عيد الفطر-، عادا ليسلكا الطريق ذاته الذي سلكته معظم الحكومات العلمانية السابقة، ولتعطل البلاد اعتباراً من مساء 26 سبتمبر وحتى 5 أكتوبر، لعل وعسى يرضى عنهما المواطنون، لكن هيهات فالحكومات التي كانت تغدق على مواطنيها بالإجازات كيف كان مصيرها، ألم يلفظها هؤلاء المواطنون أنفسهم؟! سيد عبدالمجيد - أنقرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©