الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نصف نهائي المونديال: حالة الكبرياء الألماني

نصف نهائي المونديال: حالة الكبرياء الألماني
9 يوليو 2010 20:27
بيل جلوكروفت - برلين معلم إنجليزية مقيم في برلين يوم الأربعاء الماضي، قابلت ألمانيا إسبانيا في نصف نهائي كأس العالم. وهنا في برلين، كانت ألوان الأسود والذهبي والأحمر -ألوان العلم الألماني- منتشرة في كل مكان: الأعلام الصغيرة تتدلى من نوافذ المنازل، والأعلام الكبيرة العملاقة التي يصل علو الأعمدة التي تحملها إلى أربعة طوابق نُصبت أمام واجهات المباني. هذا في حين عُلقت أعلام أخرى على الدراجات الهوائية، والسيارات، بل وحتى الهوائيات. وبدأت اكسسوارات الجمال والموضة السوداء والذهبية والحمراء، من حقائب اليد النسائية إلى الأساور البلاستيكية، تظهر أيضاً على المعاصم والأصابع والأعناق. ففي نهاية المطاف، المناسبة غير عادية: إنه المونديال، حدث عالمي أعظم من الألعاب الأولمبية، والكبرياء الوطني على المحك. المشاعر تهيج وتهدأ مع حركة الكرة، ومظاهر الفخر الوطني منتشرة في كل مكان. لكن ألمانيا حالة مختلفة. فتدفق الشعور القومي لا يمكن إلا أن يكون مرفوقاً بقلق واضح ومحسوس، لأنه داخل الطبيعة الألمانية توجد معرفة عميقة بتاريخ مريع. فعلى غرار "الخطيئة الأصلية"، يولد الألمان ولديهم شعور بالذنب. كيف لا والتعليم العام لا يهدر فرصة ليلقن الأطفال منذ نعومة أظفارهم التدمير الذي كان أجدادهم طرفاً فيه. لذلك، ففي المسائل التي تتعلق باليهود أو إسرائيل، تتوخى ألمانيا حذراً كبيراً؛ لكن في التجمعات العامة الكبيرة لابد أن شخصا في الحشد قد يقوم بتلميح إلى عظمة الرايخ الثالث. صحيح أن ذلك قد يكون مجرد مزاح، لكن في المزاح بعض الحقيقة. لا أحد يقول إن حب كرة القدم هو قمة منحدر زلق، لكن الجرح الكبير الذي تركته الاشتراكية الوطنية في بشرة الألمان يكفي ليجعل الألمان يرفضون الرموز الوطنية، أو على الأقل لجعلهم يقتربون منها مع إحساس بالعار. وضمن هذا الإطار، أفادت وسائل الإعلام الألمانية بقيام أفراد من اليسار بتخريب ممتلكات المهاجرين الذين يدعمون بوضوح فريق وطنهم بالتبني؛ والحال أن المعتاد أكثر هو أن يشجع معظمُ الألمان فرقَ كأس العالم الأخرى غير ألمانيا. غير أنه وسط حالة الارتياب هذه التي تتغذى على التشاؤم الذي يميز الألمان... أخذت كأس العالم تخلق مساحة لبعض الأجواء العادية. فقد حان الأوان! ومما لا شك فيه أن هذا قد يثير بعض التعجب داخل البلد وخارجه، لكن أن تحرم الألمان من متعة الشعور بالفخر الوطني، يعني التلميح إلى أن 65 عاماً وأكثر من ثلاثة أجيال لا تعني شيئا. والحال أنه من المهم جدا الاعتراف بتلك الفترة المؤلمة والانتقالية في تاريخ ألمانيا خلال مرحلة ما بعد الحرب. عندما انتشرت الحركاتُ المناوئة للمؤسسة العامة في عقد الستينيات بين الشباب الألماني، مما أدى إلى إشعال صحوة ألمانية، أدرك عندها الألمان ما صنعه آباؤهم وأستاذتهم وسياسيوهم، وتملكهم الغضب. وظهرت المطالبة بالتغيير على نحو عنيف أحياناً، مثلما حدث مع "فصيل الجيش الأحمر"، وهي مليشيا خاضت المئات من الهجمات "المناوئة للفاشيين". واليوم ومع احتضار آخر الشهود على الرعب النازي، تلتزم ألمانيا بمسؤوليتها عن ماضيها، حتى في وقت تحاول فيه بلدان أخرى خطأ إعادة تحديد مسؤولياتها. إن معظم البلدان لديها في تاريخها أشياء تبعث على الشعور بالعار والخزي، لكن ألمانيا تعد من البلدان القليلة التي كشفت عنها وأخرجتها للعلن. وعلى سبيل المثال، فالنمسا لم تكن ضحية؛ واليابان ارتكبت مذبحة نانكينج؛ وإراقة الدماء في الكونجو اليوم يمكن تعقب بدايتها إلى فظاعات الملك البلجيكي ليوبولد؛ والولايات المتحدة قلصت العبيد السود إلى ثلاثة أخماس الشخص؛ لكن هذه الجرائم بالكاد تحظى بأكثر من صفحتين في كتب التاريخ. وبالتالي، فبتناول ماضيها الأسود، بدلا من إعادة تعريفه، تكون ألمانيا قد خلقت مثالا يجدر بالآخرين اتباعه. وبالطبع، فالعنصرية لم تختف من العالم. ففي الشتاء الماضي، وفي نفس الوقت الذي كانت تقيم فيه الجالية اليهودية الفتية في برلين احتفالات "حانوكا" أو عيد الأنوار اليهودي أمام بوابة براندنبرج، تميز الحدث نفسه في مدينتي بظهور ثلاثة رجال مقنعين يحملون أعلاماً نازية. غير أنه عندما تنظم هذه المجموعات مظاهرات، فإن مجموعات أكبر بكثير تتجمع للتصدي لها. ففي شهر مايو الأخير مثلا، اضطر 500 من النازيين الجدد إلى وقف مسيرتهم عبر برلين عندما خرج ما لا يقل عن 10 آلاف من سكان بريلن لقطع الطريق عليهم. وهذه الأمور جديدة بالنسبة لألمانيا؛ إذ لم يبدأ الألمان القطع مع التقليد وإظهار مشاعر الفخر والاعتزاز للخارج إلا في عام 2006 عندما استضافوا كأس العالم الأخيرة. واليوم، بات الألمان يفعلون مثلما يفعل الآخرون، باحتفالات كبيرة وعلنية. وبالنسبة لبقية العالم، ينبغي أن يكون ذلك نقطة تحول مرحبا بها لأنه تحديداً ما أراده المنتصرون في الحرب: قارة مزدهرة في سلام مع نفسها، وألمانيا جديدة تشكل جزءاً من النظام العالمي، ناضجة بما يكفي للتمييز بين القوة السياسية والروح الوطنية. وإذا انتُقدت ألمانيا لأنها أصبحت عادية، فليس ثمة أحد لنلومه غير أنفسنا. أما بخصوص ماضيها، فالأكيد أن ألمانيا لن تنسى أبداً، لأنها لا تستطيع أن تنسى. فالماضي موجود في كل مكان، مثل "مركز أوروبا" في برلين الذي يأوي تجمعات نصر تشبه الكرنفالات و"كنيسة الذاكرة"، التي قُصفت خلال الحرب وتركت كما هي. وبعد فوز ألمانيا في ربع النهاية، لم يستطع الألمان الذين يتطلعون إلى كأس العالم تجنب الظلال الطويلة للكنيسة ولتاريخهم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©