الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزبداني ترتدي ثوبا أبيض شتاء وتنعم بطقس معتدل صيفاً

الزبداني ترتدي ثوبا أبيض شتاء وتنعم بطقس معتدل صيفاً
26 ديسمبر 2009 23:56
في أغلب أيام الشتاء، تلبس الزبداني أشهر مصيف سوري غلالة من الثلج، وتهجع في مسرة بانتظار الموسم القادم من التفاح والدرّاق والإجاص والعنب والخوخ والجوز والتين. وأيضاً بانتظار السياح. وتشارك الزبداني ثوبها الأبيض البهيج ضواحيها وجاراتها التي لا تقل شهرة عنها، كبلودان الأعلى ارتفاعاً ونبع (أبو زاد) ومدن كثيرة أخرى. الزبداني وأخواتها معروفة جيداً من قبل المصطافين العرب الخليجيين الذين يقصدونها للاصطياف، وكثير منهم يملك فيها فيلات وبساتين، ويرتبط بعلاقات مودة عميقة مع أهلها. لكن شهرة الزبداني السياحية كمصيف قد غلبت على عراقتها التاريخية وكنوزها الأثرية التي تدل على وجود حياة غابرة عمّرت هذه البقاع، وكتبت جزءاً من تاريخ سوريا القديم والحديث. وتبعد الزبداني عن دمشق 45 كم، واسمها الحالي ذو أصل آرامي ويعني “الخير”، وهي تقع في منخفض في سلسلة جبال لبنان الشرقية وترتفع عن سطح البحر 1250 مترا، في حين يصل ارتفاع جارتها بلودان إلى 1500 متر، لتطلا معاً على سهل الزبداني الذي ينبع منه نهر بردى. الهوية التاريخية ليس الاسم الآرامي وحده هو ما يدل على تاريخ الزبداني وهويتها التاريخية، فالمدينة الحالية تقوم على أنقاض المدينة الآرامية القديمة التي تهدمت بفعل الزلازل والحروب. بل إن أساسات بيوت المدينة الحالية تقوم على حجارة ضخمة من المدينة القديمة. وبحسب دائرة آثار ريف دمشق فإن الاكتشافات تبين وجود أكثر من موقع أثري، ففي وسط الزبداني وعند جامعها الكبير لا تزال هناك حجارة ضخمة دلت على وجود معبد وثني قديم تحول إلى كنيسة مسيحية حملت اسم “يوحنا المعمدان”. كما أن هناك آثاراً تدل على معبد آرامي قديم حمل اسم الإله “زابادوني”، وهو اسم الزبداني في الآرامية. وإلى الغرب من الزبداني توجد بقعة من الأرض تعجّ بأنقاض قديمة آرامية ويونانية، وتشير إلى وجود بلدة قديمة. كما تم اكتشاف العديد من التماثيل والقبور القديمة في مغاور وكهوف تحيط بها. واليونانيون كانوا في الزبداني أيضاً. وثمة مكان يعرف بقلعة “الكوكو”، وتدل الآثار الظاهرة للعيان فيه، بحسب دائرة الآثار، أنه ضم معبداً يونانياً وثنياً ومعصرتي عنب وزيت، إضافة إلى الأصنام. وفي خربة الدلّة بين الزبداني وبلودان، وجدت آثار يونانية وبقايا لمعمل نحاس أقامه اليونانيون، وهو يقع في موضع مصيف الفردوس الحالي. وهناك العديد من أطلال الكنائس والأديرة القديمة، والحجارة الضخمة التي تشير إلى وجود قلاع وأبنية وقصور حكومية قديمة، وتدعو المكتشفات الظاهرة للعيان إلى ضرورة التنقيب والبحث في الآثار المدفونة وإظهار حقيقتها وهويتها بالكامل. السكان الأصليون الآراميون هم من عمّر الزبداني وأقاموا حولها في بلدات وقرى مزارع وبساتين، ثم حكمها الفرس مع سيطرتهم على سوريا منذ عام 550 قبل الميلاد، ثم حل اليونانيون فيها بعد اندحار الفرس في القرن الرابع قبل الميلاد. وبعد ذلك حكمها السلوقيون، إلى أن استولى الرومان على سوريا عام 64 قبل الميلاد. ثم عاد الفرس مرة أخرى للسيطرة على المنطقة ومن ضمنها الزبداني عام 608 للميلاد، حتى دحرهم الرومان عام 629 للميلاد. ثم جاء الفتح العربي عام 636 للميلاد وتم تحرير سوريا، وخاض جيش الفتح الإسلامي معركة شرسة في ميسلون لتحريرها. وهناك كتب عديدة تتحدث عن تاريخ منطقة الزبداني، منها كتاب محمد خالد رمضان (الزبداني تاريخ وحياة) وتتفق جميعها على الخطوط العريضة لتاريخ المنطقة، وإن كانت تختلف في بعض التفاصيل. ولا يعرف عن الأمويين أنهم اهتموا كثيراً بهذه المنطقة الاصطيافية الجميلة، وكذلك العباسيون، وقد حكم الزبداني الأمير حجي بن عبد الله وبعض آل سرايا. كما أصبحت المدينة عاصمة لمملكة تولى فيها الملك محمد العال، وتلاه السلطان هلال، وما يزال قبرا هذين الملكين موجودين في الزبداني في مقامين معروفين. كما حكم هذه المدينة الأمير الشاعر المشهور أسامة بن منقذ، حيث أقطعه إياها نور الدين زنكي. وتعرضت الزبداني للدمار على أيدي الغزاة المغول عام 1400 للميلاد، حيث هدموا وأحرقوا كل شيء فيها وتركوها خراباً، وعندما حكم العثمانيون سوريا، استقرت الزبداني كبقية بلاد الشام إلى العام 1916، وقيام الحرب العالمية الأولى، ودخول الأمير فيصل بن الحسين إلى سوريا، حيث اصطاف في بلدة بلودان عام 1919. وتمتعت الزبداني منذ استقلال سوريا بالاستقرار، وبدأت تشتهر كمنطقة اصطياف أولى في البلاد، ولاسيما بعد أن شهدت جارتها بلودان انعقاد مؤتمر الجامعة العربية عام 1946 لنصرة فلسطين ودعم أهلها. قطار وتلفريك مع تطور الحياة الاقتصادية والسياحية في سوريا، ومع توافد عشرات الآلاف من المصطافين العرب إلى منطقة الزبداني وجاراتها كبلودان ومضايا وبقين والروضة حالياً، فإن المنطقة تشهد تطوراً عمرانياً كبيراً، بحيث تحولت إلى مدن وضواح حديثة ذات طابع سياحي، تغلب عليها سمات جمالية مميزة، ويلاحظ مع تطور السياحة العربية ازدهار ظهور الفنادق والمنتجعات والموتيلات والدور المفروشة التي توفر الإقامة والخدمات للسياح القادمين. ومؤخراً تم إقرار إقامة مشروعات “التلفريك” في سوريا، ومناطق بلودان ونبع أبو زاد والزبداني مرشحة لدخول هذه المشروعات إليها، ما يشجع على استخدامها صيفاً والتمتع بالمناظر الخلابة بين أعالي الجبال والسهول المنبسطة. كما أن ذلك سيؤسس لقيام رياضة التزلج على الثلوج ولاسيما أن منطقة الزبداني مهيأة لهذه الرياضة الشتوية. وهي ما تزال تحتفظ بقطارها البخاري القديم الذي يتبع لمؤسسة الخطوط الحديدية الحجازية، ويسمى حاليا بقطار النزهة. حيث كان ينطلق من محطة الحجاز في دمشق مخترقاً القرى والبلدات الاصطيافية عبر سوق وادي بردى وصولاً إلى الزبداني وإلى محطته الأخيرة في سرغايا بلدة التفاح. وتقوم المؤسسة بعملية ترميم وصيانة للخط لإعادة تشغيله في رحلات يومية في الصيف، حيث أصبح ينطلق مؤقتاً من بلدة الهامة الزراعية باتجاه الزبداني. ويشكل هذا القطار البخاري التاريخي نقطة جذب للمواطنين السوريين الراغبين في النزهة. كما أنه يصادف هوى لدى الأخوة الخليجيين الذين يؤمون المنطقة، ولاسيما أن عرباته القديمة لا تزال تحتفظ بطابعها التاريخي القديم، كما أنه يسير بسرعة متوسطة مخترقاً أجمل مناطق الاصطياف في ريف دمشق، مما يجعله فعلاً قطاراً للنزهة والمتعة. ولاسيما أن مهرجاناً للفنون والتراث أصبح يقام سنوياً في الزبداني في موسم الاصطياف.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©