الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

بوادر تعافي القطاع السياحي في تونس بعد عام من الاضطرابات

بوادر تعافي القطاع السياحي في تونس بعد عام من الاضطرابات
29 ابريل 2012
جربة (تونس) (رويترز) - في قاعة الاستقبال الرخامية لفندق فاخر بجزيرة جربة التونسية، يتهادى أوروبيون في أردية الحمام البيضاء جاؤوا لينعموا بالاسترخاء في المنتجع الصحي أو ليستمتعوا ببضع ساعات من أشعة الشمس على الشاطئ. وعلى الإفطار يجد القائمون على الخدمة صعوبة في ملاحقة طلبات زبائن المطعم. وفي كل مكان يمكن وسط الثرثرة سماع كلمات فرنسية وألمانية وانجليزية بل وعربية لليبيين فارين من أجواء عدم التيقن السياسي في بلدهم. وبعد عام من الاضطرابات الثورية التي دفعت السياح للنزوح عن المقصد المتوسطي الرائج، تأمل تونس أن يكون عام 2012 ايذانا ببدء تعافي القطاع الذي كان يسهم بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف 500 ألف شخص وهو ثاني أكبر عدد بعد القطاع الزراعي. وقالت مونيكا وهي سائحة فرنسية زارت تونس مرارا من قبل “سمعت الكثير عن عدم استقرار الوضع الأمني لكن الواقع مختلف تماما والوضع آمن. نسهر في الخارج كل ليلة ولا شيء يخيفنا”، لكنها رفضت الإدلاء باسمها الكامل. وقالت “أنا هنا مع صديقتي هذه المرة لكن في الصيف سأعود مع الأسرة وسأقول للجميع إن تونس لم تتغير. بل إنها ازدادت سحرا عن ذي قبل”. وفي 2011 زار أقل من خمسة ملايين شخص البلد الذي شهد فجر الربيع العربي عندما أطاحت ثورة بالرئيس زين العابدين بن علي في يناير 2011، ما أوقد شرارة موجة من الانتفاضات في أنحاء المنطقة. وتراجعت أعداد الزائرين في 2010 في حين انخفض دخل السياحة وهي أكبر مصدر للعملة الصعبة لتونس بمقدار الثلث في 2011 أي ما يعادل مليار دينار تونسي (653 مليون دولار). وأغلق 25 فندقا مما تسبب في إلغاء 3500 وظيفة. وفي العام الحالي يأمل القطاع في تعويض نصف خسائره وجذب ستة ملايين زائر وزيادة الإيرادات 500 مليون دينار عن العام الماضي. وفي حين شهد البلد انتقالا سلسا نسبيا إلى الديمقراطية إلا أن حرب العام الماضي في ليبيا المجاورة دفعت بعشرات الآلاف من اللاجئين عبر الحدود مما أثار المخاوف من امتداد الصراع وتأخر التعافي الاقتصادي. ومما تسبب في عزوف السياح أيضا بعض الاحتجاجات من حين لآخر والمخاوف من أن حزب النهضة الإسلامي الذي فاز بأول انتخابات بعد الثورة في أكتوبر قد يسعى لأسلمة المجتمع إضافة إلى الأزمة الاقتصادية في أوروبا. كانت نسبة الإشغال بفندق راديسون بلو ذي الخمس نجوم في جربة التي اجتذبت 1?2 مليون زائر قبل الانتفاضة قد تجاوزت 75% في 2010 الذي كان عاما قياسيا. وفي العام الحالي يأمل سامي عونالي مدير المبيعات والتسويق في بارك إن وراديسون بلو بجزيرة جربة أن يسترد الفندق 90% من حجم الأعمال المفقود. وقال “توقعنا عودة السياحة في أبريل-مايو 2011. كان الأمر ممكنا لكن عندما يسافر السياح فإنهم يفكرون بالوضع الأمني وقد تسببت الثورة الليبية ومخيمات اللاجئين في تباطؤ التعافي”. وقال إن الحكومة الجديدة التي تخوض سجالا سياسيا بشأن دور الإسلام في الدستور كانت بطيئة أيضا في تطمين السائحين. وقال “في الأشهر الأربعة الأولى من 2012 لاحظنا نمو السياحة في جربة 200% مقارنة مع 2011 لكن تلك كانت سنة أساس متدنية. أمامنا 20% أخرى لتحقيق مستويات 2010 ... في 2013 نأمل أن نعادل مستويات 2010 أو نتجاوزها نظرا لما تتمتع به جربة من إمكانيات”. والاقتصاد التونسي صغير نسبيا فحجم الناتج المحلي الإجمالي لا يختلف كثيرا عن نظيره لجمهورية الدومنيكان. لكنه يصلح مؤشرا لأداء الاقتصادات الأكبر غير النفطية في التعافي من تداعيات الربيع العربي ولاسيما مصر. وقفزت أعداد السائحين 53% في الربع الأول قياسا إلى الفترة ذاتها من العام الماضي. وبالمقارنة تراجعت أعداد السائحين في مصر 28% في يناير. وتجري مصر انتخابات رئاسية الشهر المقبل أي بعد أكثر من عام من الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك. ومع فوز الإسلاميين بأكثر من ثلثي مقاعد البرلمان المصري الجديد ودعوة أحد قادة السلفيين لتغطية الأهرام فإن شركات السياحة تنتظر عودة الهدوء ووضوح الرؤية. وفي المقابل فإن الحكومة الجديدة في تونس التي يقودها الإسلاميون تبذل جهودا مضنية للتأكيد على ترحيبها بالسياح والشركات بعد اضطرابات تسببت في انكماش الاقتصاد 1?8% وارتفاع البطالة من 13 إلى 18% العام الماضي. وقال رئيس الوزراء حمادي الجبالي للصحفيين خلال مؤتمر للسياحة المتوسطية هذا الشهر شاركت في رعايته منظمة السياحة العالمية “سنحترم تقاليد ضيوفنا في المأكل والملبس ونمط الحياة”. وبعث المؤتمر الذي عقد في ملهى ومواقع أخرى تطل على شواطئ يرتادها السياح بلباس البحر وتقدم فيها الخمور برسالة واضحة: الحكومة التي يقودها الإسلاميون لن تمنع الخمور ولن تفرض قيودا تتعلق بالزي على الزائرين كما كان يخشى كثيرون من التونسيين والأجانب بادئ الأمر. وقال الجبالي “البعض يريد أن يظهر تونس بمظهر الغابة وأن يزرع الخوف من حكومة النهضة لكن هذا لا يعكس الواقع”. وحتى بالنسبة للقادمين من ليبيا والذين شكلوا جانبا كبيرا من السياح في تونس على مدى الربع الأول فإن جارتهم الهادئة تتيح متنفسا ليس فقط من عدم الاستقرار بل من بلد يحظر الخمور ولا تتوافر فيه وسائل التسلية. وقالت تونسية كانت ذاهبة لمقابلة توظيف في منتجع جربة “يقولون لا يوجد سياح لكن الفنادق مزدحمة .. يقومون بالتوظيف خلال الموسم حتى إذا كنت تفتقر للخبرة”. لكن في حين يعد تحسن السياحة علامة مشجعة فإن التوقعات غير أكيدة. ويرجع ذلك إلى أن الزائرين القادمين من منطقة اليورو والذين كانوا قبل الثورة يشكلون معظم السياح في تونس يكابدون ضغوطا على قدرتهم الإنفاقية جراء أزمة ديون المنطقة. كما أن انتعاش السياحة لن يفيد إلا المنتجعات الساحلية وهي المناطق الأكثر ازدهارا بالفعل ولن يفيد كثيرا مدن وسط البلاد حيث الصناعة محدودة والبطالة مرتفعة وحيث ماتزال أعمال الشغب حدثا متكررا. وتتوقع وزارة المالية نمو اقتصاد تونس 2?2% في الربع الأول من العام الحالي وهو ما سيكون تحسنا كبيرا عن العام الماضي لكنه يظل أقل من نسبة النمو المستهدفة للعام وهي 3?5%. وبغية تعزيز الدور الاقتصادي للسياحة تعترف الحكومة بضرورة التنويع بدلا من الاعتماد على سياحة الشواطئ التي تجتذب أصحاب الميزانيات المحدودة وأن تستقطب زائرين من مناطق بعيدة مثل آسيا وأميركا. وهي تسعى أيضا لتنشيط السياحة الثقافية لمواقع أثرية مثل المسرح الروماني في الجم والحي القديم بالعاصمة تونس ومتحف الفسيفساء في باردو إلى جانب تطوير السياحة في صحراء وسط البلاد التي كانت كهوفها وطبيعتها الموحشة موقعا لتصوير أفلام حرب النجوم. ومن شأن تلك المبادرات أن توسع نطاق إيرادات السياحة لتشمل المناطق الداخلية الفقيرة التي انطلقت منها شرارة الاحتجاج على البطالة والاستبداد السياسي في البلد الذي كان حتى العام الماضي دولة بوليسية. وحتى الثورة نفسها تعتبر عامل جذب حيث تعتزم الحكومة تنظيم رحلة سياحية عبر مدن وسط البلاد التي انطلقت منها الانتفاضة إلى شارع الحبيب بورقيبة والحي القديم حيث نقاط الصدام الأخيرة في احتجاجات العام الماضي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©