الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«قزازون» ينفخون في الزجاج لتشكيل آنية بديعة

«قزازون» ينفخون في الزجاج لتشكيل آنية بديعة
9 يوليو 2010 19:35
تحظى منتجات الزجاج اليدوي في منطقة خان الخليلي بالقاهرة بشهرة واسعة عربيا وعالميا فهي معروفة بجودتها ومتانتها ودقة تصميمها ونقوشها التي تعكس إتقان العاملين بها لأسرارها جيلا بعد جيل، لاسيما أنهم يبدعون بنفس طريقة التصنيع منذ عهد الفراعنة ويرفضون اللجوء إلى التكنولوجيا والآلات الحديثة، مما يزيد قيمة منتجاتهم والإقبال عليها. “تغير الزمان ولم يعد الناس يهتمون بالصناعات اليدوية فإن منتجاتنا من الزجاج اليدوي لها زبون خاص يقدرها ويعرف قيمتها”، يقول محمود الشافعي، أحد العاملين في مهنة صناعة الزجاج يدويا، موضحا أن القرى السياحية والفنادق الكبرى والبازارات هي الجهات التي يكثر تعاملها مع “القزازين” لما تحتاج إليه من ديكورات تعد من عناصر الجذب السياحي. ويقول إن محال خان الخليلي هي جهة عرض، بينما ورش تصنيع تنتشر بمناطق مصر القديمة وتحت الربع والسيدة زينب والخليفة والجمالية والدرب الأحمر بالقاهرة الفاطمية. أسرار المهنة يجلس الشافعي (51 سنة) يومياً ما لا يقل عن 12 ساعة خلف موقد النار ينفخ في عجينة الزجاج ليصنع منها قطعا أقرب إلى اللوحات الفنية. ويقول إن رحلته مع المهنة بدأت قبل 40 عاما عندما نال قسطا بسيطا من التعليم في المدرسة الابتدائية قبل أن يغادرها بعد رسوبه في الصف الرابع ليصطحبه والده إلى الورشة ومنذ ذلك التاريخ بدأت علاقته بنفخ الزجاج والرسم عليه. يقول “بعد ثلاثة أعوام من العمل بالورشة بدأت أنجذب إلى تعلم أسرار تلك المهنة وأحبها وأجد متعة كبيرة في تأمل مراحل تصنيعها فتعلمت كيفية النفخ وتشكيل الزجاج وصرت صانعا يعتمد عليه وهي مهنة صعبة لا يستطيع احد الاستمرار بها وتعلمها في يوم وليلة وتحتاج إلى وقت وصبر وقوة تحمل للعمل أمام الفرن ومواجهة درجات حرارة عالية ولا أحد يقدر على تحمل أعباء المهنة إلا من يحبها وهي مهنة عائلية فغالبية من يعملون بها ورثوها عن آبائهم وأجدادهم”. ويضيف “تعلمت أسرارها من أبي الذي تعلمها من جدي وحاولت تعليمها لأولادي الثلاثة إلا أن اثنين منهما لم يستطيعا وفضلا استكمال الدراسة والعمل بالمحاماة والتجارة. بينما الثالث ظل بها وأتقنها لأنه يحبها ويمتلك ذوقا فنيا عاليا لدرجة أنه بات يفوقني في تشكيل قطع متميزة تحظى بإعجاب التجار الكبار وهو الأمر الذي يسعدني”، موضحا أن أجمل لحظة يمر بها الصانع هي تلك التي يستمع فيها إلى كلمات إشادة ويرى نظرات الإعجاب بما قدمه في عيون من حوله. من جهته، يقول خالد محمود (26 سنة)، أحد الشباب العاملين في تلك المهنة “أعمل بها منذ كان عمري 9 سنوات وأول درس تعلمته من والدي هو الصبر ودقة الملاحظة فبدونهما لا يكتمل تشكيل عجينة الزجاج ونفخها وخروجها من النار على أكمل وجه إلى جانب مهارة في الخط العربي لكتابة آيات قرآنية وكذلك إتقان الرسم بالريشة لعمل رسوم شرقية وزخارف إسلامية على قطع الزجاج”. يشير جمال الربع (29 سنة) إلى أن صناعة الزجاج اليدوي لا تحتاج إلى مساحة كبيرة لإنتاجها ومن الممكن أن يتم ذلك داخل ورشة صغيرة بها موقد من الحجر الناري وأنبوب حديدي ذي مبسم خشبي للنفخ، ويقول إن عجينة الزجاج تتكون من كميات بنسب مختلفة من رمال محددة يتم جلبها من صحراء سيناء والبحر الأحمر ويضاف إليها الحجر الكلسي وبعض الصودا والجير وتصهر هذه المواد معا في درجة حرارة تزيد على 1000 درجة مئوية ليصبح كل ذلك عجينة لينة، يتم تشكيلها وفقا لرغبة الصانع، فيضيف إليها الألوان المناسبة ثم يأخذ قطعة من العجين وينفخ فيها بواسطة الأنبوب الحديدي بقوة تارة وبهدوء تارة أخرى فتتحول إلى فقاعة مملوءة بالهواء تشكل حسب ذوق الصانع وحرفيته إلى أكواب وشمعدانات وأطباق، ثم تترك لتجف قبل أن تعبأ ويتم عرضها في البازارات للبيع أو توريدها إلى القرى السياحية. خطوات العمل ويؤكد أنه يعتمد في تقدير كل هذه النسب والمقاسات على خبرته التي تعلمها ممن سبقوه إلى جانب مهاراته الخاصة، مشيرا إلى أن تلك الطريقة في الصناعة لا يدخل بها أي نوع من الآلات الحديثة وهي نفسها التي تستعمل منذ عهد الفراعنة وانه يتحصل في الأسبوع على أجر يتراوح بين 300 – 500 جنيه وفقا لمقدار ما ينتجه. ويقول إن غالبية “القزازين” لا يعملون طوال العام فمن الممكن وفقا للعرض والطلب أن تمضى فترات لا يعملون فيها مما أدى إلى ابتعاد البعض عنها بحثا عن مورد رزق ثابت. ويدعو مختار عبدالسلام (65 سنة)، وأحد شيوخ المهنة، جميع المهتمين بالتراث والسياحة إلى مزيد من الاهتمام بهذه الحرفة وتوفير الدعم لأبنائها اقتصاديا واجتماعيا بإنشاء كيان نقابي يوفر لهم ولأسرهم الحماية والرعاية في حالة المرض أو العجز عن العمل وكذلك فتح أسواق جديدة لتسويق منتجاتهم محليا وعالميا وعدم ترك الصناع تحت رحمة سماسرة الشرقيات والمحال السياحية التي تشتري منهم بأثمان زهيدة وتبيـع بأضعافهـا. ويقول “نفخ الزجاج اليدوي يحتاج إلى جهد كبير وصحة ونتيجة لضعف المقابل المادي وغلاء الأسعار يهمل الصناع صحتهم وما يحتاجون إليه من غذاء ويصابون بالأمراض المختلفة وأخطرها أمراض الصدر والجهاز التنفسي لتعرضهم الدائم للحرارة المرتفعة واستنشاقهم الغبار، نتج عن ذلك تناقص مستمر في أعداد من يعملون بالمهنة”.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©