الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التدريس في قرى موريتانيا النائية.. التزام اجتماعي تخفف الحوافز من وطأته

التدريس في قرى موريتانيا النائية.. التزام اجتماعي تخفف الحوافز من وطأته
12 مايو 2014 20:55
سكينة اصنيب (نواكشوط) لم تجد وزارة التعليم في موريتانيا حلا لمشكل الهدر المدرسي وتسرب الطلبة من فصولهم سوى بإقامة فصول دراسية في القرى النائية والضيعات الفلاحية المترامية في الجبال والصحراء والسهول البعيدة عن المراكز الحضرية والقروية، وتشكل الإقامة والعمل في هذا الوسط معاناة حقيقية بالنسبة للمعلمين، الذين يرحلون دوريا إلى مناطق بعيدة عن أسرهم ومدنهم، التي يملكون فيها مساكن، ويضطرون إلى التعايش مع وضع صعب غريب عليهم في قرى نائية تفتقر إلى الكهرباء والماء ومتطلبات الحياة العصرية، وبقدر ما خلق هذا الوضع حالة من التذمر والقلق لدى المعلمين بقدر ما سمح لهم بخوض تجربة فريدة لا تخلو من مفارقات طريفة وقصص درامية. حياة صعبة يقول محجوب ولد المشتاب (معلم حساب) إنه عيّن قبل ثلاث سنوات في مدرسة نائية في إطار خطة الوزارة لدعم التعلم بالوسط القروي، وتشجيع أبناء المناطق النائية على متابعة دراستهم في ظروف ملائمة. ويوضح أنه اتخاذ مجموعة من الإجراءات قبل الرحيل عن أسرته، واستلام عمله الجديد حيث قام بشراء جميع مستلزمات البيت التي تكفي لتغطية حاجات أسرته لمدة شهر، كما اشترى مستلزماته الشخصية والأشياء التي سيحتاجها خلال إقامته بالقرية، وحين استقر بالقرية واجه ظروفا صعبة بسبب المناخ الحار، وضعف الكهرباء وتغطية الهاتف، وانتشار الحشرات. ويقول ولد المشتاب، الذي أمضى ثلاث سنوات في القرية وعاد لأسرته ومدرسته بالمدينة ليتم تعويضه بمدرس لآخر “كانت تجربة لا تنسى فقد كنت ابن المدينة ولدت وترعرعت فيها، وأدمت ضجيجا وحياتها الصاخبة، وحين تم تعييني في مدرسة القرية بالصحراء الشرقية رفضت السفر وتقدمت باحتجاج رسمي للوزارة لأنني رب أسرة ومسؤول عن أطفال صغار، وكانت النتيجة اقتطاع من الراتب وإنذار بالفصل، لأن الوزارة حريصة على محاربة ظاهرة غياب الأساتذة بتطبيق القوانين الجاري بها العمل، وخاصة منها مسطرة الاقتطاع من الراتب الشهري. وجاء وقت الرحيل إلى القرية كان وضعا صعبا على أسرتي لأن القرية تبعد مسافة 580 كلم عن مدينتي”. وعن حياته في القرية، يقول المعلم “كان إجراء مكالمة هاتفية بواسطة المحمول أمرا في غاية الصعوبة لأن التغطية ضعيفة للغاية، أما إعداد الأكل فقد كان معاناة حقيقية؛ فلا وجود للمطاعم وحتى الدكاكين قليلة ولا تبيع سوى الحاجات الضرورية، وبعد عدة محاولات فاشلة لإعداد الطعام استسلمت للأمر الواقع، وأصبحت أعيش على ما تجود به حيوانات القرية من بيض وحليب وزبدة، وفي الليل يجافي النوم عيوني بسبب الحشرات الطائرة والزاحفة، وخوفي الشديد من الأفاعي والعقارب”. وعن علاقته بالطلبة، قال ولد المشتاب “كانوا مسالمين عكس طلبة المدينة المشاكسين لكنهم يعانون من ضعف مستواهم الدراسي لأن الوزارة تحارب ظاهرة الهدر المدرسي بإرجاع المفصولين، كما أن انشغالهم بالأعمال الفلاحية وعدم اهتمام محيطهم بالتعليم أثر سلبيا على مستواهم”. مكانة خاصة أما المعلم الحسين ولد الناجي فقد فضل السكن في القرية والاستقرار بشكل نهائي بها بعد أن عمل فيها في إطار خطة وزارة التعليم لمحاربة الأمية، ويقول “أعجبني جو القرية فأصبحت من مساندي مشروع الحد من ظاهرة الهدر المدرسي، وذلك بمعالجة الانقطاع والتكرار بمختلف المراحل التعليمية، وتشجيع هيئة التدريس على الاستقرار بالمناطق النائية، حيث إن تكاليف المعيشة بالقرية منخفضة والحوافز التي تمنحها الوزارة لمدرسي القرى مرتفعة، إضافة إلى الطبيعة والجو غير الملوث، والمكانة التي يحظى بها المعلم في القرية حيث الجميع يحترمه ويجله”. ويضيف ولد الناجي أنه اكتسب ثقة أبناء القرية من خلال تشجيعهم على الحضور المنتظم في الأقسام، وتعزيز الدعم التربوي لفائدة المتعثرين دراسيا منهم، ومنحهم فرصة الاستفادة من الدعم الاجتماعي الذي تقدمه الوزارة لهم، شرط المواظبة على حضور الدروس. وأكد أنه عانى كثيرا قبل أن ينال ثقة القرويين، الذين رفضوا تعليم بناتهم واضطر إلى الاجتماع بالأسر، وزيارة المنازل، والبحث عن وساطة الشيوخ وفتاوي العلماء لملء فصول المدرسة. حوافز تشجيعية سنويا تستفيد الكوادر التعليمية من الحركة الانتقالية التي تراعي الشق الخاص بالتجمع العائلي. ومنذ إنشائها تطالب النقابة التعليمية بمراعاة ظروف المعلمين في القرى النائية خلال الحركة الانتقالية الاستثنائية الخاصة بهيئة التدريس، وتضغط على وزارة التعليم ليستفيد أكبر عدد ممكن من الأساتذة بمختلف المراحل التعليمية من الحركة الانتقالية، استنادا على معايير محددة غير متأثرة بالوساطة، وتراعي حالات التجمع العائلي، وذوي الحالات المرضية المستعصية والأرامل والمطلقات. في هذا الإطار، يقول الباحث الاجتماعي محمد المختار ولد بونا إن “موريتانيا تولي أهمية كبيرة للتعليم ومحو الأمية في القرى النائية؛ فمحاربة هذه الظاهرة إحدى الأولويات الكبرى للحكومة ما دفعها إلى توجيه دعوة إلى جمهور عريض من الفاعلين للمشاركة في محاربة الأمية، شملت المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات الدينية والأحزاب السياسية والنقابات والرابطات”. ويشير إلى أن هذا الالتزام القوي ترجم بمضاعفة المبادرات الهادفة إلى القضاء على هذه الظاهرة بتوسيع شبكة الفصول في القرى النائية، ونمو أعدادها، ما اضطر المعلمين إلى العمل في ظروف صعبة مقارنة بظروف نظرائهم في المراكز الحضرية. ويطالب ولد بونا بتشجع الكبار على ارتياد فصول محو الأمية من خلال حملات دعائية وبرامج تعليمية مناسبة لهم، وتحفيز المعلمين على العمل في المراكز النائية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©