الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

إنما الأعمال بالنيات

إنما الأعمال بالنيات
30 ابريل 2015 22:45
أخرج الشيخان في صحيحيهما عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»، (أخرجه الشيخان). هذا حديث صحيح أخرجه الشيخان «البخاري ومسلم» في صحيحيهما. اهتمام كبير إن هذا الحديث الشريف المتفق عليه قدْ حظيَ باهتمام كبير من علماء الحديث، حيث اشتمل على قواعد أساسية من قواعد ديننا الإسلامي الحنيف، فقد ذكر الإمام ابن حجر في كتابه «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» قال: «وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث: قال أبو عبد الله: ليس في أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث، واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله البويطي عنه، وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام، ومنهم من قال ربعه، واختلفوا في تعيين الباقي. وقال ابن مهدي أيضاً: يدخل في ثلاثين باباً من العلم، وقال الشافعي: يدخل في سبعين باباً... وكلام الإمام أحمد يدُلُّ على أنه بكونه ثلث العلم أنه أراد أحد القواعد الثلاث، التي تُرَدُّ إليها جميع الأحكام عنده، وهي هذا الحديث و«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» و«الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ»الحديث»، (فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 1/17). أعلى الدرجات ومن المعلوم أن النية المخلصة ترفع صاحبها إلى أعلى الدرجات، كما أن النية السيئة تهوي بصاحبها إلى أسفل الدركات، ومن فضل الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين أنه يُجرى الثواب ويمنح الحسنات والدرجات لأناسٍ لم يستطيعوا المشاركة في أعمال الخير والبر، لأن الأعذار منعتهم، وكان في نياتهم لو استطاعوا ذلك لفعلوا، وقد ورد ذلك في أحاديث عديدة. مفتاح الأجر والثواب كان «جندب بن ضمرة» أحد مسلمي مكة المكرمة الذين لم يغادروها مع المهاجرين إلى المدينة المنورة، وعندما نزلت الآية الكريمة: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً)، «سورة النساء: الآية 97». عندئذ ضاق صدر جندب بالبقاء في مكة، مع أنه مريض، وكان شيخاً كبيراً: فقال لأهله: والله مالي من عذرٍ! إني لدليل في الطريق، وإني لموسر، فاحملوني على سرير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أنا ببائت ليلتي هذه بمكة! وصدقت عزيمة جندب، فلم يبت ليلته بمكة، ولكنه أيضاً لم يبت أية ليلة بالمدينة، فقد كان له الموت السعيد بالمرصاد ينتظره في الطريق قريباً من مكة، في موضع يقال له حتى اليوم «التنعيم». وكان جندب وهو يحتضر.. يُصفق بيمينه على شماله، ويقول : اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك! فأدركه الموت في الطريق، ومات جندب قبل أن يُدرك أربه ظاهراً-، فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم-: لو بلغ إلينا لتمَّ أجره فقد مات - رحمه الله- بالتنعيم، كما كان ذلك مثار سخرية عليه من قومه الهازئين، الذين قالوا عندما بلغهم خبره: «ويح جندب لا هو بلغ الذي يريد، ولا هو أقام في أهله فمات بينهم فجهزوه ودفنوه». ولكنه - رضي الله عنه - أدرك إربه وحقق رغبته حقيقة وواقعاً، ، وكتب الله له ثوابها كاملاً وإن لم تتحقق، حيث جاء بنوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه بالقصة، فأنزل الله سبحانه من قرآنه ما يغيظ الهازئين من جندب «الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/349»: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)، «سورة النساء: الآية 100». ويظهر من خلال ذلك أهمية النية في قبول العمل، فعلينا أن نجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم حتى يرضى الله عنا، ولنكون من الفائزين في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إن المخلصين هم أعظم الناس قدراً وأرفعهم عند الله منزلة، ولن يستقيم أمر الحياة ولن يعتدل ميزانها، إلا إذا كانت أعمال الناس نابعة من نوايا خالصة وتحركها بواعث طيبة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©