الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أساليب الشعوب

25 ديسمبر 2009 22:46
كثير من المتعلمين العرب لا يثقون في شعوبهم وينطلقون وفق ذلك الفهم الخاطئ في تصرفاتهم وسلوكهم لاسيما في المجال السياسي. وكنتيجة لهذه القناعة نجد أن أعدادا ليست قليلة من المتعلمين أو المثقفين العرب يشاركون بحماسة ويتعاونون مع أنظمة حكم فردية فرضت نفسها على الشعب عبر انقلاب عسكري وبأسلوب غير ديمقراطي. وقد شهد السودان تجارب متعددة تؤكد هذه الحقيقة، حدث ذلك مع الانقلاب العسكري الأول الذي حكم في الفترة من 1958 إلى 1964. وحدث كذلك مع الحكم العسكري الثاني في الفترة من 1969 إلى 1985. وهو ماثل الآن مع الحكم الشمولي الذي بدأ في منتصف عام 1989 وما زال باقيا. لقد انتشر داء الاستخفاف بالشعب في بلادنا حتى وصل مجتمع طلاب الجامعات. وما زلنا نذكر أن شعارا يعكس ذلك الاستخفاف وعدم الثقة إذ كانوا يرددون في مظاهراتهم قولهم: "الشعب جيعان لكنه جبان". ومن يتأمل تاريخ الشعوب بصورة عامة يكتشف خطأ ذلك النهج ويدرك أن الشعوب إذا كانت تصبر على الضيم وتسكت على القهر فإن ذلك لا يعني الجبن أو الخوف أو اليأس. إنها تصبر كثيرا، لكنها تختزن رفضها لما هو مفروض عليها فيتراكم ويتراكم حتى يأتي الوقت المناسب فتنفجر بصورة لم يتوقعها كثيرون. ولنا في السودان كذلك تجارب كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، ففي أكتوبر عام 1964 أبدع الشعب السوداني الذي صبر لمدة ست سنوات، أبدع أسلوب الإضراب السياسي الذي أطاح بالحكم العسكري في أيام معدودات. ثم تكرر نفس السيناريو تقريباً عام 1985 وأنهى حكماً عسكريا آخر بقي ممسكا بالسلطة منذ عام 1969. شاهد القول هنا أن الشعوب يمكن أن تصبر على القهر، لكنها في الوقت المناسب تبتدع طريقا أو طرقا للخلاص. واستنادا الى هذه الرؤية نلاحظ واحداً من الأساليب غير المعتادة التي أعلنت عن ذاتها في شكل مجموعة من الشبان والشابات أطلقت على تنظيمها اسم "قرفـنا"، والقرف في معناه لغة هو الرفض التام وعدم القبول بما هو جار. والإشارة واضحة والمرفوض هنا من جانب هؤلاء إنما هو الحكم القائم. ولعل ذلك النفر من الشباب السوداني استوحى هذه التسمية من مجموعة نشأت في جارتنا مصر وتطورت وكبرت باسم "كفاية". تقول هذه المجموعة في إيضاح لأهدافها أُذيع على محطة "بي بي سي" البريطانية هذا الأسبوع إنها لا تنتمي لأي حزب وإن هدفها الأول والأخير هو رفض النظام السياسي القائم والعمل بكل الأساليب الممكنة ضد نجاح مرشحيه في الانتخابات القادمة، والمقرر لها حتى الآن أن تجري في شهر أبريل من السنة المقبلة. إن هذه المنظمة المسماة "قرفنا" قد تتطور في مقبل الأيام ويلتف حولها جمهور كبير حتى تشكل خطراً على السلطة القائمة، وقد لا يحدث ذلك وينتهي أمرها في حدود ضيقة وتصبح مجرد تجربة أو محاولة لم يكتب لها النجاح. إن بعض القوى السياسية المعارضة رحبت بهذا التنظيم شبه السري الجديد، وأبدى عدد من قادة نظام الحكم استخفافهم بهذا التحرك وشجبوه وهو في مراحله الأولى. لكن باب النمو والتطور أمام هذه المجموعة مفتوح لأن رفض سياسات حكم "المؤتمر الوطني" يغطي مساحات معتبرة من الجماهير. لقد أغلق الحزب الحاكم كل الأبواب في وجه الحراك الجماهيري السلمي واتضح ذلك جليا في التجربتين الأخيرتين (يوم الاثنين 7 ديسمبر، ويوم الاثنين 14 ديسمبر) حيث واجههما حزب الحكومة بعنف لم يكن له ما يبرره. ومن شأن ذلك الأسلوب أن يدفع المعارضين لابتداع وسائل أخرى للمعارضة والرفض. وكانت مجموعة "قرفنا" واحدة من ظواهر وانعكاسات ذلك الواقع بأساليبه وممارساته. وتظل الشعوب قادرة على ابتداع أساليب قد لا تخطر لأحد على بال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©