الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أضواء على رحلة الإسراء

أضواء على رحلة الإسراء
8 يوليو 2010 19:53
قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(سورة الإسراء، الآية1). لقد افتتح الله سبحانه وتعالى هذه السورة بهذه الآية الكريمة: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}، فسبحان الله الذي لا يعجزه شيء، فأمره بين الكاف والنون، إذا قال لشيء كن فيكون، فالسورة تبتدئ بتمجيد الله وتنزيهه عن صفات النقص، فالله تعالى لا يعجزه شيء، فقد أكرم رسوله بالإسراء، وليس ذلك عجيباً على قدرة الله، ولا بعيداً عن مقام الرسول المكرم عند ربه، فحادثة الإسراء من المعجزات، (والمعجزات هي أمر خارق للعادة)، ومن المعلوم أن المعجزات جزء من العقيدة الإسلامية، فالإسراء والمعراج آية من آيات الله ومعجزة من معجزاته. ولهذه السورة اسمان هما: سورة الإسراء، وسورة بني إسرائيل. وقد سميت السورة الكريمة بسورة الإسراء تخليداً لتلك المعجزة الربانية، التي أكرم الله بها سيّدنا محمداً- صلى الله عليه وسلم- حيث خصَّه الله بالإسراء والمعراج دون سائر الأنبياء، ليطلعه على ملكوت السموات والأرض، ويريه من آياته الكبرى، فقد أيّد الله تعالى رسولنا محمداً عليه الصلاة والسلام بمعجزات كثيرة، وكان من أظهر معجزاته عليه الصلاة والسلام “معجزة الإسراء”، وهي السفر ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم العروج به إلى السموات العلى، حيث رأى من آيات ربه الكبرى ما رأى: “ما زاغ البصر وما طغى”، وكانت معجزة الإسراء والمعراج مظهراً من مظاهر التكريم الربانيّ للرسول محمد عليه الصلاة والسلام. إن معجزات نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- ثابتة بالقرآن والسنة الصحيحة، وقد بلغت حدَّ التواتر، فالإيمان بها لازم، والتصديق بها واجب، فلا مجال لإنكارها أو الشك فيها بأيّ حال من الأحوال، وليس محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- بدعاً من الرسل، وقد ثبتت لغيره من الرسل معجزات، ولما كان هو آخرهم وأفضلهم، فقد اختصَّه الله بخصائص لم ينلها أحد من البشر، ولن يصل إليها أحد ممن تقدم أو تأخر، ولله در القائل: سريتَ من حرم ليلاً إلى حرم كما سرى البدر في داج من الظلم وبت ترقى إلى أن نلت منزلة من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم إنَّ دلائل قدرة الله في هذه الرحلة الجسدية الروحية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليرى عجائب صنع الله في ملكه، ذلك أنَّ الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم يطلب جزاءً على ما لقي في سبيل الدعوة من عنت وإرهاق، وما أصابه من ضر وأذى في نفسه وأهله وصحبه، فهذه الرحلة الميمونة جاءت بعد أن فقد الحبيب- صلى الله عليه وسلم- نصيريه في البيت والمجتمع، فقد زوجه خديجة، كما فقد أبا طالب، وقد جاءت بعد رحلة قاسية إلى الطائف واجه فيها - عليه الصلاة والسلام- الشدائد والمتاعب، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- زاهد في كل ما على الأرض من مال ومتاع، أليس هو القائل: (يا عماه، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى ينفذه الله، أو أهلك دونه؟)، (سيرة ابن كثير/474، وسيرة ابن هشام 2/101)، إذاً فليكن الجزاء هو رحلة في عالم النور، ليحظى بالقرب من مواطن الرحمة واللطف، ولتكن السماء فيها حفل تكريم يناسب النبي العظيم الذي لم تغره الدنيا، ولم يفتنه متاعها لأن قلبه تعلق بالله، وهو اللطيف الرحمن الرحيم، فأسرى به الله ليلاً وأطلعه على آياته، وعاين ما عاين من أمر الله وسلطانه العظيم، وقدرته التي يصنع بها ما يشاء، وبدأ الإسراء من مكة وانتهى عند بيت المقدس، وهذه المسافة يقطعها تجار مكة في شهر ذهاباً، وفي شهر آخر للعودة، لذلك لمّا حدثهم محمد بخبر الإسراء، كذبوا وبهتوا وأطلقوا ألسنتهم بالقول السيّئ في النبي العظيم -عليه الصلاة والسلام. ومما لا شك فيه أن الكفار غاب عنهم أن مشيئة الله قادرة على كل شيء، والكفار شلّ تفكيرهم، فلم يفكروا في قدرة الله، ثم كان حديث الإسراء اختباراً عملياً لإيمان المؤمنين، فضعاف الإيمان كذّبوا بهذا الحدث وأنكروا وارتدّوا إلى الكفر. أما أقوياء الإيمان ويتزعمهم أبوبكر، فعندما قال له الناس: إن “صاحبك يزعم أنه جاء الليلة، فذهب إلى بيت المقدس وصلى فيه ورجع من ليلته”، رَدَّ أبوبكر، وقال: “ لئن كان قال ذلك فقد صدق، فو الله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه..”، هذا هو الإسراء، حدث عظيم، وتكريم لرسول كريم، تحّمل ما تحمّل في سبيل إرضاء الله، الذي يتفضل على عباده المؤمنين. الإسراء إذاً رحلة أرضيّة شاهد فيها الرسول ما شاهد ورأى ما رأى من آيات ربه الكبرى، أما المعراج فهو عروج النبي –صلى الله عليه وسلم- من بيت المقدس نهاية الرحلة الأرضية إلى السموات العلى، وقد رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث عن المعراج، تحدث فيها إلى بعض أصحابه في بعض ما رأى من آيات ربه، وبهذه الأحاديث تنشرح صدور المؤمنين، ويزداد إيمانهم، ويقوى يقينهم. وهذان الحدثان الإسراء والمعراج من دلائل قدرة الله سبحانه، ويكفي أن نقرأ عن الإسراء قول الحق سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (سورة الإسراء، الآية1). ولهذا كان لبيت المقدس منزلة عظيمة في الإسلام، فهو ثاني مسجد وضع على الأرض، فالمسجد الأول بمكة، والثاني المسجد الأقصى، فعن أبي ذر -رضى الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أيّ مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: وكم بينهما؟ قال: أربعون عاماً”،(أخرجه البخاري). والمسلمون اليوم وهم يحتفلون بهذه الذكرى يتذكرون بيت المقدس الذي أصبح أسيراً في يد المحتلين، الذين حفروا الأنفاق أسفله، وبنوا الكنس وآخرها كنيس الخراب بجواره، وهدموا البيوت من حوله، وصادروا الأراضي المحيطة به كي يقيموا ما يسمى بالحدائق التوراتية، كما ويقومون باقتحام ساحاته وتدنيسها بصورة مستمرة، كما أشعلوا النار في سقفه، وينتهكون الحرمات حوله، ويمنعون الأوقاف من ترميمه، ويحولون بين المسلمين وبين الوصول إليه لتكتحل عيونهم بالصلاة فيه، ويعملون على تقويض بنيانه، وزعزعة أركانه، ليهدم، حتى يقيموا ما يُسمى بهيكلهم المزعوم بدلاً منه. فماذا ينتظر العالم الإسلامي أمام هذه المأساة المروّعة الدامية؟ وفلسطين ضحية المؤامرة التي تواطأت فيها الدول الاستعمارية، ذات المطامع والمصالح، وأملنا كبير في الله ثم في أمتنا العربية والإسلامية أن يأتي اليوم القريب الذي تعود فيه للأقصى مكانته ولأهل فلسطين حريتهم، ويسألونك متى هو؟! قل عسى أن يكون قريباً. بقلم الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة خطيب المسـجد الأقصـــى المبـــارك www.yo sefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©