الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ديوان أغاني القبة أُعيدت طباعته بعد 57 عاماًهل كان العلامة خير الدين الأسدي رائد شعر النثر؟

ديوان أغاني القبة أُعيدت طباعته بعد 57 عاماًهل كان العلامة خير الدين الأسدي رائد شعر النثر؟
8 أكتوبر 2008 23:33
بعد سبعة وخمسين عاماً من صدور طبعته الأولى أعادت وزارة الثقافة السورية إصدار ديوان ''أغاني القبة - نفحات صوفية'' للشاعر الحلبي العلامة خير الدين الأسدي، ويضم الديوان سبعاً وعشرين قصيدة، ويقع في 192 صفحة من القطع المتوسط· وكان العلامة الأسدي قد قدم لديوانه بقوله: هذه نفحات من الشعر الصوفي المنثور، ارتفعت عن دنيا اليقظة، كما ارتفع الموضوع عن دنيا الهيولى، وأرسلتها الغيبوية الغارقة نثرات في رفاه الحب وجواه إلى ساحة ما وراء الطبيعة· ونفحاتنا هذه رهيفة صميمة ناعمة، لها لغاها ومصطلحها، كما لها آفاقها وأجواؤها، مسحتها يد الفن، وفوقها إزميل الخيال، واشتجرت غمائم السر في طواياها، فهي إذاً رسالة خاصة إلى نفوس خاصة، تتنسم فيها روح الامتداد· ثم يقول: جعلت هذه النفحات مقطوعات، دعوت كلاً منها ''أغنية'' وأوردتها على لسان ''حافظ الشيرازي'': لسان الغيب - كما لقب - وزعيم الشعر الصوفي، وملهمي وأستاذي، أوردتها على لسانه - وإن كان الأكثر منها لا ينتمي إليه - وصدّرت كل أغنية بالمصادر التي تأثرت بها، فنقلت واستوحيت، وناديت موسيقا اللغة أجسد بها المعاني، وأجلو الأجواء التي أرتضيها، فلبت، ورفدت، وآذنت باستجابة غريبة سحرية في أدق أحاسيس النفس وأسماها· إن إشارة العلامة الأسدي في صدر تقديمه عام 1951 إلى أنه يقدم الشعر الصوفي المنثور يجعلنا نسأل هل هذا العلامة هو أول من ابتدع كتابة ''شعر النثر''؟· يقول في قصيدته ''المدرج'' أول قصائد الديوان: مسكين هذا السالكُ: نِضْوَ اللّغبِ، لقد جابَ الواديَ، وجابَ، ولم يتبين حَرَمَ الحبيب· جبالُ صبريَ مادَتْ، يا رباه! واشتعل بخور قلبي في نار حبي خيولُ الحادثاتِ تواصلُ الجريَ، وفارسُ عمريَ مقطوعُ العنانِ على هامشِ العمر اللاهث يحيا غريبُ مشاعري، أواهُ! أما في فصول الحياة ربيعٌ؟ إني لأعيش بغير عمرٍ، وإلا فمن يحسب أيام الضّنى في عداد الحياة؟ ويعتبر الناقد جميل منصور أن الأسدي كان رائداً عظيماً بقصيدة النثر في الأدب العربي، وأنه قدم معجزة غنائية أدبية، فهو قد تغزل بحبيبه الإلهي - كما تغزل من تأثر بهم من الشعراء الصوفيين الكبار- فكانت أغانيه أناشيد ذات صور خيالية، ومزامير صوفية أسدية، تستمد قوتها وغرابتها من صدق معاناته في تحليقه بروحه نحو الله عز وجل، وهذه القصيدة التي يطرحها هي قصيدة النثر، إذ هو يؤكد في مقدمته أن الشعر رسالة ووحي لا يهبط إلا على القلب الطاهر، إذ إنه وجد علوي ونشوة روحية وفيض اللا شعور وان له لغته الخاصة المختلفة عن لغة الشعراء التقليديين؟! وتقول وزارة الثقافة السورية: ربما كانت أغاني القبة من أوائل إرهاصات الشعر الحديث في مغمراتها البنائية واللغوية والصوفية· قصيدة النثر والصوفية هما عنوانان لديوان ''أغاني القبة''· يقول الناقد عبد الفتاح قلعجي في دراسة مطولة عن العلامة الأسدي: قال لي طبيبه وصديقه إحسان الشيط إنه كان يأخذ نفسه بصوم قاس، فيمتنع عن الطعام والشراب أياماً، يعتزل فيها الناس، وينقطع إلى التفكير متخففاً من ثيابه، حتى إذا بلغ الوهن الجسمي مبلغه، وبتأثير الجوع والظلام والسكينة رقي إلى أعلى درجات الصفاء الروحي، وأحس بأنه ينخلع من ناسوته ليغرق في غدير الحب الإلهي، وخيل إليه أنه يسمع موسيقا علوية تنحدر من مواطن النجوم، وان الغرفة تغرق في الأنوار السماوية، ويظل على هذه الحالة حتى يسمع وقع خطوات رابعة العدوية في السماء، وعلى إيقاعاتها يبدأ رحلة القصيدة في حالة بين الصحو واليقظة، بعيداً عن أسر الإحساس بالزمان والمكان، والأنا التي أضناها الشوق، والتي تفنى في الصمدية، تنهمر عليه كلمات القصيد، وتتشكل أمام عينيه: كوّتي الغيب، الرؤى الشعرية· قرأ الأسدي الفلسفة اليونانية وتأثر بها، وهو ما نجد أثره في ديوان ''أغاني القبة'' لكنه تأثر بشدة بالشعراء الصوفيين الكبار الذين سبقوه كالحلاج شيخ الشهداء المتصوفين، وابن الفارض ''سلطان العاشقين'' والشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، على أن دليله وملهمه الأعظم كان الشاعر الفارسي الكبير حافظ الشيرازي، الذي جعله نبراساً له· يرى الناقد جميل منصور أن الأسدي قسم ديوانه ''أغاني القبة'' وحدات موسيقية متساوية سماها سوراً (أي أغاني) ثم قسمها إلى وحيدات تحوي جملاً منغمة فيها ملء الإبداع والجمال، ونسبها إلى القبة السماوية، فهي أغان علوية مختارة فريدة من نوعها، وبذلك يكون قد دوّن لنا معجزته الأدبية الصوفية الخالدة· ويصف عبدالفتاح قلعجي حالات وجد الأسدي في أغاني القبة فيقول: في حالات الوجد الأعلى تنعدم الفواصل بين الأزمنة والأمكنة، بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين أقاليم الأنس والملائكة، فيا سعد من نهل خمرة المعرفة الإلهية، واغترف من العلوم اللّدُنيّةِ، واعتنق العوالم الغيبية· ويرى شارح الديوان الناقد جميل منصور: إن قصائد أو أغاني الأسدي تتسم بجمال الفكر وحرارة الوجد، وإشراق العبارة، إلى جانب موسيقا تُستمد من الشكلية اللفظية، والمعاني والصور المدهشة والحالات الروحية الجسدية، ولاسيما أن الأسدي علامة متمكن من أدواته التعبيرية، حيث ينفرد بقاموس لغوي غني، ومقدرة في الصياغة بعبارات مكثفة ذات علاقات لفظية جديدة؛ لأنه كان مدركاً لما تختزنه اللفظة من طاقات صوتية، فأطلقها ليعبّر عن حالات قد تعجز اللغة عنها· يعتبر خير الدين الأسدي عالماً موسوعياً، فقد كان يعرف عدداً من اللغات الشرقية كالتركية والسريانية وأيضاً الفرنسية واللاتينية، كما درس علوم الدين، وأتقن علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة، وكان واسع الاطلاع على الأدب العربي القديم· ولد الأسدي عام 1900 وتوفي عام 1971 تاركاً العديد من المؤلفات القيمة منها المطبوع والمخطوط، ومن مؤلفاته المطبوعة: البيان والبديع 1936م، عروج أبي العلاء ،1940 قواعد اللغة العربية 1341 هجرية، أغاني القبة 1951م، يا ليل 1957م، حلب ،1951 ثم موسوعة حلب التي تضم خمسة مجلدات كبيرة مذيلة بفهارس كاملة، وقد طبعت عام ،1987 أي بعد ستة عشر عاماً من وفاته· ولا يفوتنا أن نذكر أن الأسدي حين شعر بدنو أجله كتب وصية قال فيها: لدي مكتبة وطرائف فنية أهديها لبلادي وللعالم، وأوصى أن يقام له ضريح يكتب عليه فقط ''خير الدين الأسدي''، لكن القدر رتب له أمراً آخر، إذ يروي شارح ديوانه جميل منصور: ولما توفي عام 1971 تعجلت دار العجزة، فاتصلت بالبلدية، واتصلت البلدية بدائرة الدفن، وتهاونت دار العجزة بالاتصال بذويه، وأصدقائه من الأدباء· وحضرت سيارة ''بيك أب'' وضعت فيها الجثة بلا تابوت، واتجهت إلى مقبرة الصالحين، فدفنه حفار القبور في ممر بين قبرين· وهكذا حمل الأسدي إلى مثواه الأخير وحيداً غريباً بلا جنازة ولا مشيعين، ولا قبر معلوم، ومن المؤسف أن البلدية، والجامعة، وأهل الأسدي، شغلوا بتصفية تركته واقتسامها، ونسو مخطوطات له تنتظر الطبع، وجسداً في التربة بلا قبر!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©