الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثلاثيّة الحبّ والماء والتراب

ثلاثيّة الحبّ والماء والتراب
8 أكتوبر 2008 23:32
سبق لنا أن كتبنا فعن أنّ عصرنا هذا الأدبيّ هو لا ريبَ في أنّه عصر الرواية· ونوَكّد اليوم ذلك توكيداً، إن كان مفتقراً، حقّاً، إلى هذا التوكيد من خلال عرْض قصير نقدّمه عن عمل الروائيّ الإماراتيّ الكبير علي أبو الريش، وهو ''ثلاثيّة الحبّ والماء والتراب''؛ ذلك بأنّ هذا العمل الروائيّ هو، حقّاً، رواية كبيرة مثيرة معاً، بالمعنى الدقيق للكلمة· فقد استطاع الروائيّ أن يجمع بين رهافة الشعريّة في التصوير، وحُسن التعليق الحدثيّ في سرديّة العرض، كما أبدع في التشويق في الحكْي· ذلك بأنّه وُفِّق في المزْج الرائع بين الأسطورة والواقع، والخيال والتاريخ، فاستطاع أن يُنشئ عالَما روائيّأً لم يُفلح كثير من الروائيّين العرب المعاصرين في إنشائه· وظاهرَه على ذلك تحكّم استثنائيّ في اللّغة السرديّة، وقدرة مرموقة على بناء ملامح الشخصيّات، ومَناكب الفضاء الروائيّ، وممارسة القهر والاضطهاد على التسلسل الزمنيّ الذي كان يستقدم تارة، ويستأخر تارة أخرى، لتطويعه للتّنوع السرديّ؛ دون أن يُحسّ القارئ بتراً أو انقطاعاً في نفَس الخيط السرديّ الذي كانت تتفرّع عنه طائفة أخرى من الخيوط السرديّة، فكانت تتّجه في كلّ المتّجَهات دون أن يُفْضيَ ذلك إلى نشازٍ في البناء السرديّ العامّ؛ بل كانت الحكاية الفرعيّة تتفرّع عن الحكاية الأصليّة، لترتبطَ بحكاية جديدة لا تلبث أن تَنشأ في ثناياها حكاية أخرى قد ترتبط، عَوداً على بدءٍ، بالحكاية الأولى، لتتكوّن شبكةٌ متلاحمة متلازمة من الحكايات التي تكوّن النسيج السرديّ العامّ··· وهي سيرة استكشفها طودوروف في السرد الحكائيّ في ألف ليلة وليلة حيث اختصّت بها من بين الأدب السرديّ العالميّ· ثمّ نلاحظ شجاعةً كبيرة لدى الروائيّ في تعرية أنفس الشخصيّات وهواجسها وعواطفها وآمالها وغرائزها من الداخل، جعلتْ هذه الشخصيّاتِ مكشوفةً أمام القارئ بحيث لا يفوتها من أمر مكامنها النفسيّة شيء· ولعلّ الذي أضفى على هذا العمل ميزة العمل الروائيّ الكبير، أنّه أفلح في المزج بين الأسطورة والواقع، والخيال والتاريخ، في حين استطاع الروائيّ أن يُحِيلَ الحيز المكانيّ الجغرافيّ في أصله، إلى حيز أسطوريّ مَنْشَؤُهُ متطلِّباتُ البناء الروائي الدراميّ الذي لا تحدّه حدود؛ إذْ كان المكان الجغرافيّ محتوماً عليه أن يتحدّد بالمساحة والحدود فيضيق مهما اتّسع، ويدنو مهما شَسَعَ· وأهمّ ما كان يميّز حيّزَه الروائيَّ عُذريّتُه ووحشيّتُه، وهاتان الميزتان تجعلان منه نصّاً روائيّاً استثنائيّاً يشدّ القارئ إليه شدّاً، لأنّه يخوض في الحياة الطبيعيّة الأولى للإنسان قبل أن يرمِّمَها الإنسان المعاصرُ نفسُه ترميماً اصطناعيّاً مفتعلاً فيَعمِدَ إلى تزيينها بزِينات الحضارة الشكليّةِ· إنّ بمثل علي تفتخر الإماراتُ، وتفتخر الرواية العربيّة التي لا نرى كيف لا تغتدي أدباً عالميّاً، ندّاً لندٍّ، مع أيّ أدب روائيّ عالميّ آخر هنا وهناك· ولا ينقص مثل هذا العمل لِكيما يكونَ كذلك إلاّ ترجمته إلى اللّغات الإنسانيّة الكبيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©