الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوليفيا على صفيح ساخن

بوليفيا على صفيح ساخن
8 أكتوبر 2008 22:48
بينما يتركز النقاش في مجال السياسة الخارجية على الشرق الأوسط وروسيا، يتصاعد التوتر والاضطراب في أميركا الجنوبية؛ حيث تترنح بوليفيا على شفير حرب أهلية، مما يهدد بزعزعة استقرار منطقة هي أكثر قربا من الولايات المتحدة وبإلحاق ضرر كبير باقتصادنا المنكوب؛ والواقع أن هذه الأزمة تمثل ما قد تواجهه واشنطن بشكل متزايد في المقبل من الأعوام، تقلص القوة وانتشار مشاعر معاداة الولايات المتحدة، مما يقلص خيارات ''واشنطن'' في البؤر المضطربة؛ غير أن أفضل شيء تستطيع الولايات المتحدة فعله في هذه الحالة هو المساعدة على دعم الجهود التي تتزعمها البرازيل ودول أخرى من أميركا الجنوبية· الواقع أن اسم ''بوليفيا'' يقترن بالصراع السياسي والاجتماعي؛ غير أن هذا البلد ذا الـ9 ملايين نسمة، والذي طالما عُرف بانعدام المساواة الاجتماعية والاضطراب السياسي، يزداد انقساما جغرافيا واقتصاديا وحتى ثقافيا؛ حيث تتنافس مجموعتان اليوم على السيطرة على الدولة، السكان الموجودون في الأراضي المنخفضة، ومعظمهم من الرأسماليين الذين ينحدرون من أصول أوروبية مختلطة، والذين يؤيدون العولمة ويستفيدون من الطفرة الاقتصادية للبرازيل، مقابل مجموعات السكان الأصليين في جبال الأنديز ـ الأيمارا والكويتشوا المناوئين للولايات المتحدة ـ الذين يفضلون سيطرة الدولة على الاقتصاد· وتساهم موارد ''بوليفيا'' المعدنية في تعقيد هذه الصورة؛ فإذا كانت الاحتياطيات الكبيرة من المحروقات التي تمتلكها الدولة تتركز في الأقاليم الأربعـــــة الغنيـــــــة مـــــن الأراضي المنخفضة، فإن قرونا من الاستغلال على يد النخبة جعلت مجموعات السكان الأصليين ترتاب كثيرا في أي مخطط قد يحرمها من هذه الثروات؛ وقد عمل الرئيس ''إيفو موراليس'' على تأجيج هذه الانقسامات منذ قدومه إلى السلطة في 2005؛ ذلك أنه بالرغم من قلقه المبرر بشأن عدم استفادة أنصاره من السكان الأصليين من عائدات الغاز الطبيعي، إلا أنه أثار عداوة خصومه عبر سعيه إلى مركزة السلطة ومصادرة الملكية وتمرير دستور جديد· ونتيجة لذلك، فقد ازداد خطر اندلاع حرب أهلية كثيرا خلال الأسابيع الأخيرة؛ حيث قام الجيش باحتلال إقليم تنشط فيه المعارضة، وأعلن فيه حالة الطوارئ، وسجن حاكمه بتهمة ارتكاب ''جريمة إبادة جماعية''؛ وحتى الآن، أسفر الاقتال عن موت 30 شخصا؛ ومن جانبهم، قام المحتجون المعارضون لموراليس باحتلال مكاتب الحكومة المركزية في العاصمة التجارية للبلاد ''سانتا كروز''، وعرقلوا صادرات الغاز الطبيعي المتوجهة إلى البرازيل· حاول ''موراليس'' إلقاء اللوم على الولايات المتحدة وتحميلها المسؤولية عن متاعب ''بوليفيا''، و قام بطرد السفير الأميركي بعد أن اتهمه بالتحريض على التمرد؛ وبذلك، كان تصرفه شبيها بتصرف حليفه المقرب، الرئيس الفنزويلي ''هوجو شافيز''، الذي قام أيضا بطرد السفير الأميركي المعتمد في بلاده قصد صرف الانتباه عن المشاكل التي يتخبط فيها· ينبغي على الحكومة الأميركية أن تدعم المبادرة التي أطلقها الشهر الماضي ''اتحاد دول أميركا الجنوبية'' الفتي، المعروف اختصارا بـ''أوناسور''؛ حيث اتفق هذا الاتحاد ـ رغم قلة خبرته ومرور أربعة أشهر فقط على ولادته ـ على تشكيل لجان توكل إليها مهمة التحقيق في عمليات القتل والبحث عن توافق بين الحكومة البوليفية وخصومها؛ كما ينبغي على واشنطن أن تقنع البرازيل بلعب دور أكبر في هذا النزاع، وتستعمل مساعداتها الخارجية وسياساتها التجارية لدعم الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة؛ ذلك لأن البرازيل هي أهم مستثمر خارجي في ''بوليفيا''، ورئيسها ''لويس إينياسيو لولا دا سيلفا'' هو الزعيم الدولي البارز الوحيد الذي يثق فيه كلا الطرفين المتناحرين في البلاد؛ ثم إن للبرازيل الكثير لتخسره في حال استمرار الاضطراب في بوليفيا· إذا نجح الـ''أوناسور'' أو ''لولا'' في حمل ''موراليس'' على العدول عن مواقفه المتشددة، فلا شك أنه سيتسنى التوصل لاتفاق؛ حيث يستطيع كلا الجانبين إعلان الانتصار إذا منح الدستور الجديد سلطة أكبر للأقاليم، ونقل مزيدا من عائدات المحروقات إلى المناطق الفقيرة؛ كما من شأن هذا التوافق أن يسمح للنخبة التجارية في الأراضي المنخفضة بحماية نموذجها الاقتصادي وحقوق الملكية؛ ويستطيع موراليس الشعور بالرضا لأنه وزع أموالا أكثر على أنصاره في الوقت نفسه الذي قام فيه بإدخال إصلاحات تخدم مصلحة المجموعات السكانية الأصلية في الأراضي المرتفعة· كما يتعين على واشنطن أن تعمل بحذر على تعديل سياساتها على نحو يفضي إلى هذه النتيجة؛ فإلى جانب العمل على إقناع ''لولا'' بالتوسط في هذه الأزمة، ينبغي عليها أن تربط الاتفاق بالـ100 مليون دولار من المساعدات الأجنبية السنوية التي تعطيها واشنطن لبوليفيا، إضافة إلى استمرار مشاركتها في ''قانون تشجيع التجارة للقضاء على المخدرات في الأنديز''؛ يذكر هنا أن عشرات الآلاف من وظائف التصنيع البوليفية تعتمد على دخولها الأسواق الأميركية، مثلما ينص على ذلك هذا القانون؛ وعلاوة على ذلك، يمكن استخدام أموال ''حساب تحدي الألفية'' كمحفز؛ كما يمكن أن يكون اقتراح تغيير السفير الأميركي مؤشرا على حسن النوايا· إن لدى واشنطن دورا صعبا لتلعبه في بلد حيث تلقي التظلمات والشكاوى السابقة -سواء الحقيقية أو الخيالية- بظلالها على أي تحرك اليوم· وعليها ألا تمنح شيكا أبيض لنظام أهان الولايات المتحدة مرارا وسعى جاهدا لقلب الديمقراطية· سيث كابلان كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©