الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قبرص··· إحياء الماضي من أجل المستقبل

قبرص··· إحياء الماضي من أجل المستقبل
8 أكتوبر 2008 22:48
لم يكن ''محمد أركوت'' ـ القبرصي من أصل تركي ـ يتجاوز شهره الرابع عندما خرج والده من البيت في العام 1964 ولم يعد منذ ذلك الحين؛ ولعقود لاحقة تمنى محمد لو يستطيع فقط الاجتماع مجدداً بوالده الذي يعتبر واحداً من بين ألفي شخص فقدوا خلال سنوات العنف التي اندلعت بين الأتراك واليونانيين في الجزيرة الصغيرة على امتداد ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والتي قادت في النهاية إلى تقسيم قبرص بين الطرفين· وبحلول الصيف الماضي تحققت أمنية ''محمد'' ولو بطريقة مختلفة عندما عُثر على بقايا والده إلى جانب رفاة خمسة أشخاص آخرين من القبارصة الأتراك قتلوا رميا بالرصاص وقذف بهم في إحدى الآبار؛ فكانت أول نظرة يلقيها ''محمد أركوت'' على والده، الذي لم يلتقه قط، وهو هيكل عظمي مسجى على طاولة الجراحة، وعلامة الرصاصة بادية على الجمجمة التي اخترقتها؛ ويقول ''أركوت'' الذي يعمل في قسم المالية بوزارة الزرراعة القبرصية ''إن والدتي انتظرت 44 عاما على أمل أنه سيرجع في يوم ما إلى البيت''، لكن اللقاء وإن كان قد تم بهذه الطريقة المأساوية جاء نتيجة عمل دؤوب قامت به لجنة المفقودين في قبرص التي أسست برعاية من الأمم المتحدة في العام 1981 والمكلفة بالعثور على بقايا المفقودين الذين اختفوا خلال إحدى أكثر المراحل دموية من تاريخ الجزيرة المتوسطية· وتعتبر اللجنة إحدى الفرص النادرة التي يجتمع فيها القبارصة الأتراك واليونانيون للعمل المشترك في الجزيرة، كما أن هدفها المسطر والمتمثل في إحياء الماضي، وتشجيع عائلات الضحايا على التصالح مع ذكرياتها الأليمة والخروج من شرنقة التاريخ ومشاعر الثأر، يكشف عن الانقسام التاريخي في الجزيرة من جهة والرغبة، في طي صفحـــة الماضي من جهة أخرى؛ ويصف ''ميت حتاي'' -الباحث في معهد دراسات السلام الدولي بأوسلو- أعمال اللجنة المشتركة بأنها ''أنجح مشروع يجمع القبارصة الأتراك اليونانيين لتفكيك العديد من الأساطير والتخفيف من حدة الآلام''· وبعد عقود ظلت فيها اللجنة بعيدة عن دائرة الاهتمام قامت في السنتين الأخيرتين بالعثور على بقايا أكثر من 400 مفقود سواء من الأتراك، أو اليونانيين والتعرف على العشرات من القبور الجماعية في الجزيرة وتمكين العائلات من تأمين مراسم دفن لائقة بالرفات· وحتى وقت قريب كان مصير المفقودين -1500 من اليونانيين و500 من الأتراك- من المواضيع المحظورة في قبرص ونادراً ما تتم الإشارة إلى أسماء المختفين من كلا الجانبين، وهو ما يوضحه ''إلياس جيورجياد''، أحد الأعضاء البارزين في اللجنة قائلا ''لقد كان الرأي السائد في البداية لدى الطرفين هو الامتناع عن التطرق إلى الموضوع، لكنهم عادوا لمناقشته بعد تشكل اللجنة''، ويضيف العضو البارز في اللجنة ''من الطبيعي توقع تحسن العلاقات بين الطرفين بعد أن تحل المشاكل العالقة ويغلق ملف المفقودين، لكن العكس أيضا صحيح، إذا فشلنا في حل المشكلة قد تسوء العلاقات وتتدهور بيننا''· ويذكر أن قبرص -التي حكمها العثمانيون ثم البريطانيون لاحقا- حصلت على استقلالها في العام ،1960 لكن بحلول عـــام 1963 تدهورت الأوضاع في الجزيرة -يتقاسمها الناطقون بالتركية واليونانية بعد تفشي أعمال العنف- انتهت بنشر عناصر حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؛ وقد بلغ الأمر حد تقسيم الجزيرة في العام 1974 بعد اجتياج القوات التركية للجزيرة رداً على انقلاب قادته اليونان في الجزيرة، يسعى إلى إعادة توحيد قبرص مع أثينا؛ وفي العام 1983 أعلن الجزء الشمالي الذي تسيطر عليه تركيا قيام دولة مستقلة أطلق عليها الجمهورية التركية لشمال قبرص تضم حوالي 240 ألف نسمة ولا تحظى سوى باعتراف أنقرة· وبعد عقود من المفاوضات غير المجدية، أطلق الطرفان مؤخراً مباحثات جديدة على أمل التوصل إلى تسوية تنهي الصراع وتعيد توحيد الجزيرة، وفي هذا السياق يرى ''أحمد إردينجز'' -وزير الخارجية في الجزء الشمالي من قبرص والعضو في لجنة المفقودين- أن الجهود التي تبذلها اللجنة تعد ضرورية لرأب الصدع بين الأتراك واليونانيين وتطوير العلاقات الثنائية؛ وخلافاً للجان الأخرى في البلقان -التي تقوم بعمل مماثل- تعمل لجنة المفقودين في قبرص ضمن إطار سابق على تسوية سياسية بين الأطراف المتصارعة، بحيث ينتظر السياسيون ما ستسفر عنه اللجنة للاستمرار في جهودهم؛ وتضم اللجنة فريقاً مشتركاً من الأركيولوجيين الأتراك واليونانيين للإشراف على عمليات الحفر والبحث عن الرفات، كما تم إنشاء مختبر مؤقت في المنطقة العازلــة بين الجزءين الشمالي والجنوبي تشرف عليه الأمم المتحدة لإجراء الفحوصات الضرورية والتعرف على هوية الرفات· إيجال شلايفير - نيقوسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©