السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا تعيد اكتشاف دورها في الشرق الأوسط!

تركيا تعيد اكتشاف دورها في الشرق الأوسط!
31 يناير 2009 23:57
فيما العرب غائبون ومهمشون إلى درجة العجز عن القيام بأي دور استراتيجي في منطقةٍ هي أصلاً منطقتهم، ويفترض فيها أن تكون المسرح الأساسي لكل تحركاتهم السياسية، ومجال نفوذ حيوي يسمح لهم بحرية الحركة والمناورة؛ تتولى قوى إقليمية ودولية أخرى القيام بهذه المهمة، وهي التي تشكل التفاعلات وترسم الخريطة السياسية في المنطقة العربية، وتفرض الحلول والتسويات على أهلها· بالأمس القريب كنا نتابع -في مشهد لا يتكرر كثيراً في التاريخ- كيف أن دولتين غير عربيتين (أميركا وإيران) تجلسان على طاولة مباحثات واحدة، وبند النقاش الأول على الطاولة هو تقرير مصير ومستقبل بلد عربي اسمه العراق، والآن ها هي تركيا، القوة الإقليمية الأخرى المجاورة للعرب، تدخل بقوة إلى دهاليز الأزمات الشرق أوسطية، وذلك في محاولة لاستعادة دور تخلت عنه كرهاً أو طوعاً منذ أكثر من ثمانية عقود مضت· والراهن أن تركيا تعمل الآن على ملء ما تبقى من فراغ قوة استراتيجي خلفته استقالة العرب الجماعية عن تأدية واجبهم وحقهم الطبيعي في ممارسة دور سياسي، إيجابي وبناء، يُراعي بالدرجة الأولى مصالحهم، وينصرف فيما بعد إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة ككل· وبفعل الأحداث والتطورات السياسية التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر ،2001 وفي إطار الحرب على ما يسمى بالإرهاب، وما نتج عنها من تغير حاد في مشهد التفاعلات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، وجدت الحكومة التركية الجديدة -التي تشكلت في عام 2002 بقيادة حزب العدالة والتنمية- نفسها أمام تحديات حقيقية، وأمام اختبار جاد لموقعها ودورها في المنطقة، وخصوصاً أن احتلال العراق من قبل أميركا خلق واقعاً جديداً على حدودها الجنوبية الشرقيــــة، وما يترتـــب على ذلــك من خطورة بالنسبـــة لتنامي النزعة الانفصالية لأكراد تركيا· وحيال ذلك، بدا وكأن تركيا في ظل حكومة ذات توجه إسلامي تنتهز الفرصة لتعيد رسم وصياغة توجهات السياسة الخارجيـــة، بل أكثر من ذلك تعيد تموضعهــــا الجغرافي والسياسي باتجــــاه ما يمكن تسميته بعمقها الحضاري والتاريخي في الشرق الأوسط· وتدرك تركيا تمام الإدراك أنه كلما زاد تأثيرها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط التي تعد بؤرة ساخنة للصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية، كلما عززت مكانتها في النظام العالمي الجديد طور التشكل· وفي السنوات القليلة الماضية، وعلى رغم الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي أجرتها حكومة رجب طيب أردوغان مسايرةً للشروط الأوروبية من أجل نيل عضوية الاتحاد، إلا أن أوروبا بدت وكأنها تماطل بشكل واضح· ومما عزز شعور الأتراك بعدم رغبة الأوروبيين في انضمامهم، وأصابهم بالإحباط واليأس، قبول أعضاء جدد من دول أوروبا الشرقية في الاتحاد، مقابل استمرار التعنت تجاه الطلب التركي القديم· والحال أن مماطلة أوروبا لتركيا في مسألة الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي جعل القادة الأتراك يفقدون شيئاً فشيئاً الأمل في الدخول إلى النادي الأوروبي، ولكنها في نفس الوقت دفعت تركيا إلى الاعتماد على ذاتها ومواردها الخاصة بدرجة أكبر؛ فتركيا اليوم هي أكبر اقتصادات الشرق الأوسط، وهي الدولة رقم 17 في العالم من حيث كبر حجم الاقتصاد· وفضلاً عن ذلك، تحاول عبر تزايد انغماسها في أزمات المنطقة وقضاياها أن توصل رسالة إلى الأوروبيين والأميركيين على حدٍ سواء، بأنها قادرة على ممارسة دور سياسي واقتصادي قوي ومستقل في المنطقة· وبالتالي فعلى الغرب أن يعلم أنه لا يمكن استبعاد تركيا من أية معادلة أو تسوية تخص الشرق الأوسط؛ فهي إن لم تكن قادرة وحدها على تكريس ورسم تفاعلات سياسية من نوعٍ جديدٍ في المنطقة، فإنها على الأقل قادرة على عرقلة أي ترتيبات أو مشاريع غربية تتم بمعزل عنها· وثمة عامل آخر يدفع تركيا إلى التحرك صوب الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديداً وهو محاولة ملء الفراغ الاستراتيجي في المنطقة الذي أشرنا إليه آنفاً؛ فالمتغيرات الإقليمية الراهنة التي يعيشها النظام العربي الرسمي من انقسام حاد في المواقف والرؤى، وهشاشة التحالفات العربية- العربية، وانكشاف النظام الرسمي العربي أمام التدخلات الخارجية، وعجزه عن التعامل بحيادية مع الأزمات الداخلية وخصوصاً مع الأزمة الفلسطينية؛ كل ذلك أعطى تركيا، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف العربية وأيضاً مع إسرائيل وأميركا، دفعة قوية للتغلغل في الشرق الأوسط والانغماس في قضاياه المصيرية، ورسم استراتيجية مختلفة تجاه العالم العربي على خلاف سياساتها القديمة أثناء الحرب الباردة، وذلك من خلال مد الجسور مع العالم العربي ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية المتنازعة· وفي هذا الإطار، سعت تركيا مؤخراً إلى إحياء مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل، كما حاولت ردم هوة الخلاف المحتدم على الساحة الفلسطينية بين حركتي ''فتح'' و''حماس''، وهي تقف الآن على حياد كامل فيمـــا يخص الانقسام العربي وسياسة المحاور التي تزداد اتساعـــاً مــع مرور الوقت· وإذن فمن الواضح أن تركيا تمارس دورها كقوة إقليمية كبرى في المنطقة، ولديها مصالح سياسية واقتصادية واسعة تريد تحقيقها ومن ثمّ الحفاظ عليها، وذلك من خلال نسج شبكة من العلاقات والتحالفات الدولية والإقليمية· وعلى هذا الأساس، ينبغي النظر إلى تركيا التي تعيد رسم توجهاتها الخارجية، وترسيخ نفوذهـــا في المنطقـــة ليس من خلال كونها عضواً في محاور وأحلاف مــع دول أخرى فقــط، ولكــــن من خلال تعزيز موقعهـــا كقطبٍ إقليمي مستقل ومؤثر، ويحتفظ لنفسه بمسافة واحدة من الجميع وفي الوقت نفسه يتواصل مـــع الجميـــع· والحقيقة أن مواقف تركيا الأخيرة إزاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وإيقافها جهود الوساطة بين سوريا وإسرائيل إلى أجلٍ غير مُسمّى؛ كلها مواقف قوية تعطي دروساً سياسية ودبلوماسية في كيفية إدارة العلاقات والتحالفات مع الغرب· فعلاقات تركيا القوية بإسرائيل وعضويتها في حلف ''الناتو'' الغربي لم يمنعاها من اتخاذ مواقف مغايرة لمواقف الأطراف التي تتحالف معها· ذلك أنها تستمد قوتهــــا اليوم من قدراتهـــا الذاتية، وتصنع بذلك لها مكانـــاً وموقعاً متميزاً في الشرق الأوسط· سقاف عمر السقاف باحث وكاتب يمني ينشر بترتيب خاص مع مشروع منبر الحرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©