الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحيل حامد نجيب أحد أبرز فناني الكاريكاتير السياسي «الريشة الذهبية››

رحيل حامد نجيب أحد أبرز فناني الكاريكاتير السياسي «الريشة الذهبية››
29 ابريل 2013 15:30
فقدت الصحافة العربية أمس الأول زميلاً عزيزاً، وفناناً رائداً، ارتبط اسمه وفنه وإبداعاته الساخرة لسنوات طويلة بصحيفة «الاتحاد» التي عمل بها على امتداد 35 عاماً، وبحسب قوله ـ رحمة الله عليه ـ يوم أن ودعه الزملاء في احتفالية بمقر الجريدة في أبوظبي قبيل رحيله: «عندما شرفت بالعمل في «الاتحاد» قبل ما يقرب من أربعة عقود، لم أكن أتخيل يوماً أن تصبح رسوماتي جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الصحيفة التي دخلت عامها الأربعين، هذا شرف لا أدعيه، وشرف لي أن يقترن اسم حامد نجيب بـ«الاتحاد» طيلة هذه السنوات». رحل عنا الفنان حامد نجيب، وما زلنا نستعيد كلماته: «يجب أن يكون رسام الكاريكاتير مثقفا سياسياً واجتماعياً وعلمياً، وعندما يرسم عليه أن يرتكز على خلفية ثقافية بهدف خلق فكرة». ظل حامد نجيب صاحب «الريشة الذهبية»، طوال ما يُقارب العقود الأربعة، نموذجاً للفنان الملتزم قضايا الوطن، وبكل شؤونه وشجونه، معبراً عنها بفن راقٍ ورشاقة في التعبير حتى باتت - لقارئ «الاتحاد» - أشبه بقهوة الصباح التي لا يمكن أن يستغني عنها. كان ـ رحمة الله عليه - صاحب حالة متفردة بين فناني الكاريكاتير على مستوى الوطن العربي. فهو صاحب الفكرة والرسم في آن واحد. فرسام الكاريكاتير في نظره يجب أن يكون صاحب موقف ورأي، لا منفذاً لأفكار وآراء ومواقف الآخرين. كان الفقيد يؤمن إيماناً راسخاً بأن الكاريكاتير الناجح عبارة عن فكرة أولاً، وفكرة ثانياً، وفكرة ثالثاً، ورسم رابعاً، ولم يكتف بالجمع بين الفكرة والرسم، بل أطلّ على قراء «الاتحاد» بصفحة أسبوعية تحمل اسم «ابتسامات الجمعة»، وهنا ظهرت براعته أيضاً في الأسلوب الساخر الذي يشرّح الواقع، بكل حلوه ومره، إلى أن كان غزو العراق للكويت عام 1990، فأوقف تلك الصفحة الأسبوعية تمشياً وانسجاماً مع الظرف العربي الراهن ـ في آنها ـ بما لا يسمح بمجرد الابتسام! حظي الزميل الراحل حامد نجيب طيلة مسيرته الطويلة مع «الاتحاد» بالعديد من أشكال التقدير والتكريم، من بينها جائزة الصحافة العربية التي ينظمها نادي دبي للصحافة، فضلاً عن مشاركته في العديد من الندوات باعتباره أحد خبراء هذا الفن الجميل، وأحد أهم فرسانه، وكان ضيفاً دائماً على معظم الفضائيات العربية التي كانت تتسابق وتحرص على عرض رسوماته التي تتناول البعدين الاجتماعي والسياسي، وتستضيفه للتعليق والتحليل. كان بحق مدرسة قائمة بذاتها في فن الكاريكاتير وبصمة واضحة في مسيرة «الاتحاد». بداياته عن بداياته المبكرة مع فن الكاريكاتير، ومع انطلاقة ثورة يوليو 1952، بدأ الفنان نجيب رحلته الإبداعية مستلهماً نبض الجماهير العربية، ومعبراً عن آرائها ومواقفها من مختلف القضايا السياسية والاجتماعية التي حفلت بها الحياة العربية طوال نصف قرن، برؤيته الجادة، وأسلوبه الساخر. عن هذه البداية قال: «حاولت في بداياتي المبكرة جداً تقليد الرسامين، وكنت أميل إلى رسم الشخصيات بخطوط بسيطة وساخرة، ومن ثم تناولت بعض الموضوعات الاجتماعية البسيطة في رسوماتي المدرسية، ثم طرقت أبواب «دار الهلال» و«روزاليوسف» المصريتين، وكم كانت فرحتي وقد نُشرت رسوماتي قبل تخرجي››. ويضيف: «الكاريكاتير نوعان، اجتماعي وسياسي، والكاريكاتير الذي بدأت به كان اجتماعياً، وكنت أنتظر الفرصة التي أصنع فيها كاريكاتيراً سياسياً، وأول رسم سياسي لي كان قد نشر في الصفحة الأولى من جريدة «الجمهور المصري» عام 1948. وفي تقديري للكاريكاتير يجب أن يبقى ثابتاً في مكانه، وأن يكون باستمرار الركيزة التي يعتمد إليها القارئ». كان لدى الراحل حامد نجيب قناعة راسخة بأن الكاريكاتير الناجح لابد أن يحقق أهدافاً ثلاثة، أولاً إثارة التفكير، ثانياً التحريض بعد التفكير، ثالثاً أن تقود تلك الإثارة إلى الإضحاك، بمعنى الإضحاك المنطلق من مبدأ «شر البلية ما يُضحك». ومن واقع تجربته، قال حامد نجيب: «عندما كانت الرقابة في مصر تجيز الكاريكاتير كان هذا أفضل بالنسبة لي، من تحكم رئيس التحرير، وهنا كنت أرسم نموذجين، أحدهما مستفز، وهو الذي أريد أبعاده، والآخر هو الذي أريده وأقدمه بعد رفض الأول، كما كنت أمرر النقد على ثلاث مراحل، لأجل ألا أتنازل عن رأيي من أجل ألا تتوقف علاقتي بالجمهور، فأخطر شيء قد يمر به رسام الكاريكاتير أن تقطع علاقته بالجمهور». ويعبر نجيب عن اعتزازه بهذا الفن كونه صانع رأي- بحسب وصفه - والرأي يأتي في مقدمة الأشياء، حيث يعتبره أثمن ما لدى الإنسان المعاصر. فالكاريكاتير هو المعني في الرسم، وإن هذا الفن ارتبط بالصحافة، وفي الصفحة الأخيرة منه التي لابد أن تحتويه مع أعمدة ثابتة، ولابد أيضاً لها جميعاً أن تبقى ثابتة في مكانها، أما تغييرها فبين آونة وأخرى، فإن ذلك يحيلها إلى عدم التأثير، كون الصحيفة تقرأ من صفحتها الأخيرة، لذا وجدنا الكاريكاتير قد تسيّد هذه الصفحة في كل الصحف العربية››. أسى.. وذكريات بمزيد من الحزن والأسى، يتذكر الزملاء في «الاتحاد» ممن عملوا لفترات متباينة، زاملوا فيها الراحل حامد نجيب، وعايشوه عن قرب، ولا تفارقهم ذكرياتهم معه. الزميلة الصحفية أمينة عوض، رئيس قسم النشر الإلكتروني، تستجمع كلماتها بمرارة ، وتقول: «ما زلت أتذكر الأيام التي كنت آتي فيها إلى مقر «الاتحاد» في زيارات مدرسية وجامعية، وأراه في استقبالنا، ليشرح لنا انطباعاته الساخرة في عمل منشور له، وعندما عملت في «الاتحاد» كان مكتبه قريباً مني، وألاحظ حضوره المبكر، وكثيراً ما كانت تجمعني به لقاءاته الصباحية مع فرشاته وفنجان قهوته، ليحكي كثيراً من الذكريات والمواقف والطرائف. كان- رحمه الله عليه- صاحب قلب كبير، محباً للناس، فناناً حساساً مبدعاً، يشعر بالناس من حوله، وصاحب عقلية فنية فاحصة. كان لديه سمات الفنان الحقيقي. لقد ارتبطت أعماله ورسوماته لسنوات طويلة بـ»الاتحاد»، وكان يعتبر الجريدة هي كل حياته واهتماماته، ولا أشعر برحيله، على الرغم من الفقدان، لأن إبداعاته وفنه لاتزال حية بيننا». أما الزميل الصحفي علي العمودي، فيقول:» الفقيد كان يتمتع بروح وشخصية ساخرة مهما كانت مرارة الأحداث، فكان يسخر من الأحداث الأليمة، ويعتبرها بمثابة تحدٍ وإلهام له، ويتغلب عليها بالابتسامة الساخرة والروح المرحة. وأتذكر مرة أن زار الجريدة شخصية أجنبية مهمة، وطلب في إصرار رؤيته ومقابلته، وحرصت أن أعرف سر هذا الإصرار، وكان يتحدث العربية بطلاقة، وقال: «رسومات حامد نجيب تختصر المشهد العربي بإيجاز وتركيز وسخرية». من جانب آخر، يسترجع الزميل إبراهيم العسم، مساعد مدير التحرير، مواقف وأعمال الفنان الراحل، ويقول «كان بحق جزءاً من تاريخ «الاتحاد»، وواحداً من الفنانين القادرين على إيصال الفكرة من أقصر الطرق، وأتذكر أبان الحرب اليمنية - اليمنية أن رسم يمنيين يتقاتلان وكل منهما يمسك بخنجر، وكتب: «إذا كانت الوحدة اليمنية قد خلفت مائة ألف قتيل، فكم قتيل يمكن أن تكلف الوحدة العربية؟» صفحات وتاريخ ? الراحل حامد نجيب من مواليد 7 فبراير 1929 بالقاهرة. ? مع انطلاقة ثورة يوليو 1952 بدأ الفنان نجيب رحلته الإبداعية برؤيته الجادة، وأسلوبه الساخر، وتصدرت أعماله من خلال الكاريكاتير السياسي مجلات «المصور» و«الإذاعة والتلفزيون»، و«الكواكب» و«الاثنين» و«الدنيا»، وفي بيروت مجلتي «الموعد» و«الصياد». ? بعد رحلة إبداعية في مصر استمرت عشرين عاماً، بدأ برسم الكاريكاتير السياسي والاجتماعي بجريدة «الاتحاد» الإماراتية في أبوظبي زهاء الـ35عاماً، ما بين عام 1973 وحتى بداية عام 2009، وساهم بشكل كبير في إثراء العمل الفني، وتوسيع آفاق التعبير الإبداعي عن هموم وقضايا المجتمع والأمة. ? حظي حامد نجيب بالعديد من أشكال التقدير والتكريم، من بينها جائزة الصحافة العربية التي ينظمها نادي دبي للصحافة، وجائزة الكاريكاتير الصحفي في «الملتقى الثاني للكاريكاتير العربي» كأحسن رسام كاريكاتير لعام 2002. ? صدرت له ثلاثة كتب للكاريكاتير والكتابات الساخرة وهي : ابتسامات حامد 1981، وكاريكاتير حامد، 1989، وابتسامات الجمعة 1990 . نجيب والرقابة عن علاقة فنه بالرقابة الصحفية، في إحدى ندواته مع طلاب كلية الإعلام بجامعة الإمارات، قال نجيب: «إن الرقابة شيء مهم بل ذات فائدة كبيرة، كونها تجنب رئيس التحرير تحمل المسؤولية، وعليه فإنني كنت أتعمد أن أرسم في وسط الكاريكاتير ما يستفز الرقيب، فيعترض الأخير، ويرفض الرسمة، لذا فإنني أجلب له رسمة أخرى أريد تمريرها فيوافق عليها». فالكاريكاتير حسب ما أفهمه لا يحمل نقداً %100 بل بنسب معقولة. ولابد لرسام الكاريكاتير أن يكون مثقفاً وسياسياً وعلمياً، إنه أسير الفكرة أولاً، وثانياً، وثالثاً، ثم الرسمة مع توخي الخفة بالرسم، المعبر عن الفكرة. لن ننساك كُثر هم من يعبرون، وقلة من نتذكر ملامحهم، أما النادرون فهم من يلمسون براحة أيديهم قلوبنا، فنستغرق في تفاصيلهم ونغرقهم في تفاصيلنا، يبثون فيها الدفء والوجود، فتصبح نبضاتها أكثر عمقاً، وضخها مختلفاً، يبعث الرونق في أوصالنا».. كتبت هذه الكلمات عندما قرر المبدع حامد نجيب ترك العمل والعودة إلى مصر بعد سنوات جميلة وطويلة قضاها في الإمارات، كتبت تلك الكلمات بحزن شديد لأنه قرر تركنا، وعنونّتها بـ»عندما يغادرون»، والآن أعود لكتابتها لأنه غادر دار الدنيا إلى دار الحق. عندما قرر ترك العمل أخذتُ عهداً على نفسي ألا أقطعه، وبالفعل تواصلت معه عبر الهاتف، وتحدثت طويلا مع زوجته عن أحواله وعن صحته، حتى كانت المكالمة الأخيرة منذ شهور تقريباً، أردت أن أزف إليه نبأ ترقيتي، ولأبلغه بما توقعه لي دوماً من مستقبل مشرق، فأخبرتني زوجته بأنه قد لا يتذكرني بسبب الزهايمر الذي أصابه مؤخراً، وطلبت مني ألا أحزن لذلك، ولكني أصررت على مكالمته، وبالفعل تذكرني، واسترجع مكان مكتبي، وهنأني بكلماته المليئة بالضحك والفرح. لن أنسى ما حييت جملته التي كان يكررها: (أنا شفتك فين قبل كده؟ إنتي اسمك إيه؟) في إشارة عتب على تقصيري في التواصل معه؛ سأتذكر دوماً قدرته على إخضاعي للصمت أمام كل ما يتفوه به، لن أنسى أبداً انبهاره بحفيدته واكتشافاتها الصغيرة للعالم، وانزعاجه المغلف بالفخر من عبثها المستمر بأقلامه وألوانه. غادرنا حامد وهو يحمل جزءاً من أعمار جميلة لأناس قضوا بقربه أوقاتاً شكلت جزءاً من تركيبتهم الفكرية والعاطفية، ستظل تفاصيل خطوطه وفكره حاضرة أبداً، وستظل الذاكرة مجددة لابتسامات ودموع لن تنتهي برحيله؛ وستبقى ذكرى ابتساماته راحة حانية تلامس قلبي ما حييت. السعد المنهالي مساعد مدير تحرير جريدة الاتحاد
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©