الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العنوسة رمز الاحلام الضائعة

العنوسة رمز الاحلام الضائعة
7 يوليو 2010 20:48
السيناريست والمخرج السينمائي محمد أمين مهموم بمشاكل الشباب، وللمرة الثالثة تحتل مشكلة تأخر سن الزواج او عدم القدرة عليه اهتمامه، ولكنه يطرحها في فيلمه السينمائي الجديد “بنتين من مصر” بحرفية وبراعة جراح ليقدم تشريحاً للمجتمع بكل أحواله وقيمه وملامحه. وجاءت رؤيته مغزولة بنبرة يائسة يتخللها بعض الأمل مايكاد يلوح حتى يخبو تحت سطوة الظروف القاسية التي تضافرت لاغتياله، ورغم ذلك يشع الشريط السينمائي بصدق فني متوهج وإبداع مجموعة من الممثلين الموهوبين قادهم مخرج يعرف كيف يجعل الصورة المليئة بالألوان الداكنة جذابة ولا تخلو من الجمال. عادة تحمل سينما المخرج المؤلف رسائل ذات علاقة وثيقة بما يشغله من أفكار وهو ما يظهر في فيلم “بنتين من مصر” تأليف واخراج محمد امين وبطولة زينة والاردنية صبا مبارك واحمد وفيق وإياد نصار وطارق لطفي وعمر حسن يوسف وسميرة عبدالعزيز وسلوى محمد علي. يتناول الفيلم بشكل أساسي مشكلة العنوسة من خلال بنتين هما “حنان” (زينة) و”داليا” (صبا مبارك) تخرجتا في كلية الطب والاولى أتمت الثلاثين وتعمل موظفة في مكتبة الجامعة والثانية تمارس عملها في مستشفى حكومي وتسعى للحصول على الماجستير وهي في الثانية والثلاثين، وتجمعهما صداقة وصلة قرابة ونجد “حنان” تحصل على لقب الموظفة المثالية وهما تنتميان الى الشريحة المتوسطة، التي تكاتفت كل الظروف لسحقها فمثلاً نجد “عمرو” (عمر حسن يوسف) شقيق “داليا” عمره 25 عاماً وتخرج في الجامعة ولا يجد فرصة عمل ويفضل ان يعتكف في حجرته وأحياناً يقوم بتنظيف المنزل ومسح الارضية حتى تعود شقيقته الطبيبة التي تشتري له الملابس وتمنحه ما تستطيع من نقود بينما “حنان” تسرع لشراء قميص نوم أنيق وتضع عليه تاريخ الشراء لينضم الى مجموعة اخرى تحتفظ بها في دولاب ملابسها. ورغم انشغالها بالإعداد للماجستير فإن “داليا” هي الأخرى لا تخفي قلقها من العنوسة ولا تنكر أن عدم الزواج يشكل عبئاً نفسياً يأخذ من تركيزها وتفكيرها ويستعرض السيناريو مشكلة العنوسة من خلال شريحة اكبر هي الصديقات وزميلات العمل فأغلبهن يواجهن المشكلة نفسها لنجد (جيهان سلامة) طبيبة تجاوزت الثلاثين ولا تجد حلاً لمشكلتها إلا من خلال ممارسة الحب مع زميلها بشكل غير كامل وحتى لا تشعر بالذنب في مجتمع متدين اتفقت معه على كتابة ورقة زواج عرفية رغم أنها تدرك ان ما تفعله حرام، وتكتشف “داليا” ما تفعله زميلتها وتشعر بالتعاطف والتسامح معها، فهي الأخرى تعاني الحرمان لكنها ترفض تلك الممارسات التي تتعارض مع القيم والعادات التي تربت عليها، ولكنها ترحب بعلاقة عاطفية مع شاب لا تعرفه هو “جمال” احمد وفيق الذي اختار له المؤلف والمخرج اسماً حركياً على النت “اللامنتمي” اما “داليا” فمنحها اسم “زهرة الصبار” وهكذا تتوطد العلاقة عبر الشات وتقبل أن يتم التواصل عن طريق الصوت وتكتشف أنه يعمل مترجماً ويدون آراءه السياسية في مدونات على النت ويرفض الزواج والارتباط حتى لا يجلب للعالم ابناء يتعرضون للتعذيب والقتل كما حدث لأحد اصدقائه، وتمضي الأحداث فتجد “حنان” لديها بعض المشاكل الصحية الخاصة بالهضم ولا يوجد لها سبب سوى الحالة النفسية وتذهب لطبيبة علاج نفسي نهال عنبر التي تنصحها بالانضمام إلى جلسات العلاج الجماعي لنتعرف إلى مخاوف الفتيات من العنوسة. وهنا تترك “حنان” البرنامج وتنصرف فهي ترفض التخلي عن ذلك الحلم وتلجأ الى مكتب للزواج وبعد أن تسجل بياناتها تعيد الاتصال لتقديم مزيد من التنازلات وتقبل ان يرتفع سن العريس إلى 40 ثم 42 وتضحي بالشبكة الرمزية والفرح، وتسجل كذلك بيانات ابنة خالتها “داليا” وتكون المفاجأة ظهور عريس لداليا هو مهندس زراعي شاب اسمه “جمال” (طارق لطفي) ويعرض عليها الزواج في حدود إمكاناته الضئيلة ويطلب منها مشاركته الحياة في الصحراء بلا كهرباء او صرف صحي ومنزل متواضع بسيط تحيط به بعض الأحماض لطرد العقارب والثعابين وتوافق “داليا” وتتم الخطبة على ان يكون الزواج عقب حصولها على الماجستير لكن سرعان ما يتبخر الحلم بسبب صدور حكم على المهندس الشاب لتعثره في سداد مديونيات تراكمت عليه فيهرب للخارج. اما “حنان” فيتقدم لها شاب وسيم يبدو مظهره عصرياً لكنه يحمل بداخله كل العقد ويصر على ان يصحبها الى طبيبة امراض نساء ليتأكد من عذريتها ورغم ما يحمله الطلب من صدمة وإهانة تقبل “حنان” وتكون الصدمة التالية انه يقرر عدم الارتباط بها رغم تأكده من عفتها لأنه لا يستطيع الثقة بالنساء. ويستعرض الفيلم الوسائل التي تلجأ اليها “حنان” و”داليا” للتخلص من العنوسة فنجد “حنان” تقوم بوضع خطط لا تخلو من خفة الظل للإيقاع بزميل لها في الجامعة لكنه يفضل الارتباط بفتاة صغيرة حتى يستعيد معها شبابه اما “داليا” فهي تقبل الانخراط في جماعة معارضة من الاطباء لعلها تجد فارس الاحلام وبالفعل يظهر طبيب يبدو ثورياً ومعارضاً هو “رامي وحيد” ورغم عدم اهتمامها بأي امور سياسية فإنها تصاب بصدمة عندما تكتشف انه مدسوس من أجهزة الأمن للإبلاغ عن زملائه. ويلقي السيناريو الضوء على جانب آخر لا يقل مرارة عندما نرى شباباً في العشرينيات يتمثلون في “عمرو” شقيق “داليا” و”محمد” شقيق “حنان” و”طارق” ابن خالتهم وهم يفضلون الهجرة والسفر سواء كانت هجرة شرعية او غير شرعية تعيد بعضهم جثثاً مشوهة. وتتعالى النبرة الميلودرامية بصورة حادة عندما تصاب “حنان” بنزيف عدة مرات لتكتشف أنها مصابة بأورام حميدة في الرحم وينصحها الطبيب باستئصال الرحم حتى لا تتحول لأورام خبيثة لكنها تطلب مهلة لمدة عام او عامين لعلها تحقق حلمها في الزواج والأمومة، ولكنه يحذرها بأن اقصى مدة متاحة لها هي عام ونصف العام على الأكثر وهكذا أراد محمد أمين ان يصعد الاحساس بالمشكلة والزمن وتنتهي الأحداث بمشهد في المطار حيث احضرت “الحاجة خيرية” عريساً يريد رؤية فتاة ليتزوجها وليس لديه سوى ساعات قليلة في المطار قبل ان يسافر وتجلس “حنان” و”داليا” في انتظار العريس الذي جاءوه بفتاة ثالثة ليشاهدها هي الأخرى. وتميز السيناريو والحوار باقتحام المشكلة بشكل مباشر واستعراض كافة جوانبها بلغة صادقة، وجاء اداء الممثلين متميزاً يكشف عن مواهب تستحق الاهتمام فقدمت زينة واحداً من أفضل أدوارها وجاء اداء صبا مبارك عذباً صادقاً ولفت احمد وفيق الانظار الى قدراته كممثل يجيد التعبير الجسدي والصوتي، ويحسب للمخرج ظهور طارق لطفي في دور لا ينسى رغم مساحته المحدودة على الشاشة وعزفت الموسيقى التصويرية للسوري رعد خلف نغمات حزينة لتزيد الاحساس بالمرارة وعكست لمسات سامح الخولي براعته في اختيار الديكور ونجحت المونتيرة مها رشدي في تحقيق الإيقاع المتوازن ولا أعرف السبب الذي جعل المخرج يلجأ للاستعانة بمديري تصويرهما ايهاب محمد علي وجلال التركي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©