الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحلام ومصائر في عالم غريب

أحلام ومصائر في عالم غريب
7 يوليو 2010 20:42
تخطو سعاد العريمي في مجموعتها الأخيرة “رأس ذي يزن”، خطوة مهمة على مستوى لغة السرد وبنيته الفنية والتعبيرية وعلاقة خواتم السرد بمقدماته. وفي حين تشي ملامح السرد بواقعيته، فإن النهايات المأساوية التي تنتهي إليها مصائر شخصيات قصصها تكشف عن قسوة العالم الذي تعيش فيه وعن المعاناة الشاقة التي تعيشها في عالم غريب يغتال أحلام حياتها التي جاءت تحملها إليه. تتألف المجموعة من ست عشرة قصة تتخذ جميعها من المكان الأميركي الذي عاشت فيه القاصة أثناء دراستها هناك مسرحا لأحداث قصصها وحركة أبطالها وشخصياتها. وقد حملت المجموعة عنوانا فرعيا اختارته القاصة عن مقصد دلالي لكي تجعله عنوانا رئيسا للمجموعة، هو الذي جعلها تضع القصة التي تحمل العنوان نفسه في بداية قصص المجموعة؛ نظرا لما تنطوي عليه أحداثها، على المستوى الاجتماعي، من مفارقات بين عالمين مختلفين، وما يستدعيه السرد من شخصيات ورموز تاريخية، تحاول الكاتبة توظيفها للتعبير عن الواقع الاجتماعي المحكوم بالثأر، والذي لم يستطع بعد المسافة وغرابة العالم الآخر أن تنقذ البطل ذي يزن من الموت. تحاول القاصة من خلال استدعاء الشخصيات التاريخية أن توحي بطبيعة العلاقات التي ما تزال تحكم الواقع بقوة وتعيد إنتاج علاقاته وقيمه، خاصة وأن الاسم يحمل دلالات تاريخية وأسطورية قديمة. واقعية السرد في هذا العالم الأميركي الغريب الذي يشكل حلم الثراء والمال أو العلم أو الرفاه دافعا قويا لشخوص قصصها، للوصول إليه تكون المصائر المأساوية الفاجعة بمثابة خاتمة لحياة تلك الشخصيات تكشف فيه عن طبيعة العلاقات المادية التي تحكم ذلك العالم أو عن صعوبة الاندماج فيه ونيل بركة الاعتراف بوجودها فيه. تنتمي شخصيات قصصها إلى بلدان وقارات مختلفة جمعتها الصدفة في هذا العالم المؤلف أصلا من حشد كبير من الغرباء يكشف عنه أسماء الأماكن والأحياء التي تحمل هوية سكانها. تحاول قصص المجموعة أن توحي بواقعية أحداثها سواء من خلال استخدام الأسماء الحقيقية للأماكن والتواريخ المحددة التي ترد في سياق السرد، أو العتبة المكانية أو الزمانية المكانية التي تشكل فاتحة السرد، والتي تقدم القاصة فيها وصفها للمكان الذي ستجري فيه أحداث القصة وتتحرك شخوصها أو وصف الزمان والمكان معا لإيحاء بواقعية القص. ويظهر الراوي الشاهد الذي يقدم أحداث القصة وشخصياتها مستخدما ضمير المفرد المتكلم، حيث ينشغل السرد بوصف الأحداث التي تواجهها شخصية البطلة والنهاية الحزينة التي تنتهي إليها. ويتخذ المكان الذي تجري فيه الأحداث دلالة جمالية باهرة على المستوى الطبيعي الخلاب، في حين يتميز على مستوى علاقاته الاجتماعية بالقسوة والغربة، لاسيما على مستوى الذاكرة المكانية الحافلة بمشاهد العنف الجماعي والتصفية لسكان البلاد الأصليين، ما يدل على المفارقة التي يحملها هذا العالم في تكوينه وعلاقاته السائدة. تنتمي شخصياتها إلى جنسيات مختلفة فبطلة القصة الثانية مغربية وبطلة القصة الثالثة والتي يحمل عنوانها دلالة مكانية تشير إلى الهوية الإفريقية لبطلتها وبطلة القصة الرابعة التي هي القاصة نفسها من دبي والخامسة من فلسطين، وهكذا في باقي القصص الأخرى. عالم الغرباء يحفل العالم السردي لقصص المجموعة بشخصيات كثيرة هي في مجموعها شخصيات من الغرباء الوافدين للدراسة أو للوصول إلى حلم الثروة والحياة المرفهة أو للبحث عن الدفء والحب، لكن النهايات التراجيدية الحزينة التي تنتهي إليها أغلب تلك الشخصيات يكشف عن استحالة اختراق هذا العالم وإيجاد متسع لتحقيق تلك الأحلام فيه. إنه عالم من الغرباء الذين يجمعهم الشعور بالتقارب والتعاطف على مستوى تلك التجربة الإنسانية القاسية. ورغم تقارب المصائر وأشكال المعاناة لشخوص القص، فإن تلك القصص تتناول موضوعات مختلفة تضيء جوانب مختلفة من تلك التجربة مثل مأساة المتسللين من المكسيك وعلاقة الوافدات الأفريقيات بتاريخ المكان والظلم الذي واقع عليهم في عهد الأقنان والرقيق وانحياز الرأي العام الأميركي لإسرائيل رغم المذابح التي ترتكبها الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة والعلاقات الجنسية بين الشباب ونتائجها على حياة الفتيات ومشكلة الحصول على الإقامة في أميركا سنوات طويلة وتبدلات المجتمع الخليجي الطارئة، وما تفرضه من شعور بالغربة على مستوى العلاقة مع المكان وعلاقة ابن الصحراء بالطبيعة الخضراء والماء والموقف من تاريخ الثورات والحقائق التي تسجلها كتب التاريخ، وعلاقة المشابهة بين الوضع الذي واجهه الهنود الحمر على يد المغامرين البيض والفلسطينيين على يد الإسرائيليين. تتميز لغة السرد بشاعريتها ورشاقتها من خلال الجمل القصيرة المتلاحقة والموحية. وتحمل بعض القصص بنية سردية مركبة تظهر من خلال الانتقال بين زمنين مختلفين، تتداخل أحداثهما ووقائعهما، حيث ينتمي أحدهما إلى الماضي، والثاني إلى زمن السرد الحاضر كما في قصص “لقاط الدود” التي يتنقل فيها بطل القصة بين تجربته السابقة أثناء طفولته في التقاط دود القطن، والتي تظل تلاحقه في مناماته، وبين عمله الراهن في محطة للقطارات بائعا للبسطرمة، وفي قصة “مفتاح الباستيل” التي تتداخل أحداث ثورة الباستيل مع أحداث زيارة منزل جورج واشنطن. وتقوم قصة “رفح” على التخييل الكامل لوقائع مفترضة عن امرأة فلسطينية تتظاهر ضد جرائم إسرائيل في جنين ثم تقوم بإلقاء محاضرة موثقة عن تلك الجرائم، لكن لا أحد يعير ما تقوله اهتماما بسبب انحياز الرأي العام المعبأ مسبقا إلى جانب إسرائيل، ليظهر في نهاية القصة أن الشخصية والوقائع هي من صنع خيال الراوي. تتميز عناوين القصص، وكذلك العنوان الرئيس على المستوى اللغوي بالتكثيف الشديد، فهو يتألف غالبا من كلمة واحدة أو جملة اسمية تنطوي على الحذف، وهو يعبر عن فكرة العمل التي تهيمن عليه، بينما يتميز على المستوى النحوي بأنه يتألف من اسم أو جملة اسمية في حين تغيب الجملة الفعلية عن العنوان الذي يحمل دلالة كلية توحي بكلية تمثيله للنص الذي يحيل عليه كما يحيل النص عليه أيضا. صدرت مجموعة سعاد العريمي “رأس ذي يزن” عن منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©