الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شراهة الحس

شراهة الحس
24 ديسمبر 2009 00:47
عتاد المؤرخون ربط الغزل الحسي في الأدب العربي بعمر بن ربيعة، لأنه الأسبق، لكننا بشيء من التدبر ندرك أن نوعية غزل بشار تختلف عن سابقيه، لأنها مفعمة بالشراهة الحسية، والإشارات التي تتجاوز الحب إلى الجنس، وربما تبلغ من البذاءة ما يجعل القلم المعاصر يعف عن إيرادها، وإن لم يستنكرها الأقدمون، وحسبنا أن نورد قطعة واحدة تمثل هذا الشعر عند بشار لما فيه من طرافة وصراحة، وإن كنا لا نظن أنه السبب الثاني في هلاكه بعد رقة دينه، فكلاهما مجرد تعلة تذرع بها الحكام للقضاء عليه عندما أطلق لسانه في أعراضهم وهدد شرعية حكمهم بإثارة العوالم عليهم، مما جعلهم يتربصون ويقعون به، ولذلك قلنا إن رقة الدين وفحش الغزل سببان ظاهران للنقمة عليه، يتراءى خلفهما السبب السياسي الحاسم في مقتله. سنكتفي بمقطوعة طريفة يسمي نفسه فيها “المغازل الأشر” يقول فيها: حسبي وحسب الذي كلفتُ به مني ومنه الحديث والنظرُ أو قبلة في خلال ذاك وما بأس إذا لم تُحلّ لي الأُزُرُ أو عضة في ذراعها، ولها فوق ذراعي من عضها أثرُ أو لمسة دون مرطها بيدي والباب قد حال دونه السترُ والساق برّاق مُخملها أو مصُّ ريق وقدد علا البهرُ واسترخت الكف للعراك وقالت: إيه عني والدمع منحدرُ انهض فما أنت كالذي زعموا أنت وربي مغازل أشرُ قد غابت اليوم عنك حاضنتي والله منك فيك ينتصرُ ألصق بي لحية خشيت ذات سواء كأنه الابرُ حتى علاني وأسرتي غُيّبٌ ويلي عليهم لو أنهم حضروا أقسم بالله لا نجوت بها فاذهب فأنت المساور الظفِرُ كيف بأمي إذا رأت شفتي أم كيف إن شاع منك ذا الخبرُ قد كنت أخشى الذي ابتليت به منك فماذا أقول يا عبرُ قلت لها عند ذاك يا سكنى لا بأس إني مجرِّب خَبِرُ قولي لها بقّة لها ظفر إن كان في البق ماله ظفر ولقد آثرنا إيراد الأبيات التي تخلو من الفحش الفاضح، لأنها تقدم قصة شعرية طريفة، يصف فيها الشاعر حكايته مع واحدة من بنات العشرين ربيعا اللائي كان مفتونا بهن. وفي تقديري أن الرواة لم يكن بوسعهم ابتكار هذه القصة، لما تتطلبه من قدرات في التخييل والتصوير، ولكن جهدهم تمثل في حفظها وتداولها في المجالس وتدوينها في الكتب، ولم تكن لتبقى لو لم تجسد حالة مجتمعية لما انتشر في الدولة العباسية من مجالس الشرب والجواري والغناء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©