الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلان.. يمتطي ظهر الجمال!

الإعلان.. يمتطي ظهر الجمال!
29 ابريل 2015 21:05
تظل العلاقة بين الإعلان (بما يحيل عليه من قيم السوق والتجارة والنفعية المرتبطة بهما) وبين الفن الذي يفترض فيه السموّ وتحقيق القيم الجمالية علاقة إشكالية.. فبين الاثنين، رغم القرابة الإبداعية المعلنة خصومة تؤكد عليها دوالّ كثيرة... ورغم أن الإعلانات، أو غالبيتها، أضحت اليوم جمالية، تسحر المستهدفين، رغم أن هناك الكثير من (الجميل) الذي يجري تشويهه (إعلانياً). بلا هوادة، اكتسح الإعلان حياة الإنسان المعاصر. دخل البيوت عن طريق التلفاز والشبكة العنكبوتية. احتل الشارع من خلال الملصقات. إنه دائم الحضور في المجال البصري للمتلقي. ولتأكيد رغبات هذا الأخير إزاء المنتوجات، ولكي يكون تأثير الإعلان ضاربا تدخّل الفن ليقوم بكل العمل، من هذا المنطلق يمكننا أن نتساءل عن الجانب الجمالي للإعلان وعن علاقته بالفن، وهل يمكن اعتباره فنا من الفنون؟ وهل جانبه الفني هو ما يمارس سحره على المستهلك؟ منذ ظهر الإعلان، في القرن التاسع عشر، ارتبط ارتباطا وثيقا بالفن، فهما ظاهرتان ثقافيتان بامتياز. وبما أن كل شيء يخضع اليوم للعملية الاقتصادية من خلال التسويق، فإن الفن يعد شريكا في الإعلان، وما يرسخ علاقتهما هو الإبداع، الفنان يقوم برسم الإعلان فيمنحه مضمونا، والمسوّق يربط هذا العمل بالموضوع فيمنح بذلك الحياة للإعلان وما يتوفر عليه من الإبداع. لا إعلان بلا إبداع إن أصل الإعلان هو الخلق الفني، والمطبوعات الإعلانية هي مزيج من الفن والإعلان، ولا يقتصر دور الفنان على تصميم الملصقات وإنجازها وإنما يتجاوز ذلك إلى تصميم شكل التعبئة والتغليف، فهما أيضا من اختصاصه، من هنا، تتأكد حاجة المنتوج إلى الفن ليستطيع التأثير على المستهلك. لا يوجد إعلان من دون إبداع، فهما مترابطان بقوة، والفن يعد مرجعا دائما للإعلان، وإذا قارنا بينهما نجد أن الفن يتم خلقه لأسباب شخصية، في حين يتم خلق الإعلان لأسباب مهنية، وهذا يفسر كون الفن له رسالته الخاصة، في حين نجد الإعلان محملاً برسالة دعائية ومحايدة تخدم المنتوج، لكن رغم ذلك تظل علاقتهما وثيقة ببعضهما البعض، وما يؤكد ذلك كون الإعلان يستمد جاذبيته من الفنون الأخرى كالموسيقى والمسرح والتشكيل، وهو أكثر شعبية من باقي الفنون وقد اكتسحها وفرض حضوره الأكيد من خلال احتلاله لمساحة معتبرة في المجلات والجرائد والتلفزيون والشارع، فاستطاع أن يصل إلى كل الشرائح الاجتماعية ومعها إلى هدفه المحدد والمتمثل في تسويق المنتوج والتشجيع على استهلاكه. ورغم أن الفن تطور وخرج من المتاحف والمعارض ليغزو الفضاءات العامة ويُقلص من نخبويّته من خلال الجداريات والغرافيك والمنحوتات، فإن الإعلان من جهته زاحم فن الشارع فاحتلت الملصقات الإعلانية الأمكنة الإستراتيجية لتكون في متناول بصر المارة. ودخل أيضا العالم الرقمي على الخط فأضحى الخادم الأول للإعلان، فهو حسب الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبرييه: «لا يبتكر حكايات لها شخصياتها وإنما يروج لمواد ومنتوجات». وبخصوص حضور الكتابة في الإعلان، فإن هذا الأخير خطاب لاحق لاختراع الكتابة حسب الدارسين، لأن ما يلاحظ على الملصقات الإعلانية هو تحالف الكتابة والصورة، لأن الإعلان يعتمد الصورة كخطاب، لكن الكتابة تكمل الخطاب وبالخصوص ما تعلق بالإعلان المطبوع، لأن المشاهدة لها تأثير أكبر مما هو للكتابة، فالمكتوب يتذكره 10% فقط من الأشخاص، في حين يتذكر الصورة 30% منهم. وما يمكن تسجيله هو أن الإعلان يعمل على تمرير رسالة تهدف إلى التأثير في المستهلك، ولا يتحقق ذلك إلا بحضور الفن في الإعلان. الفنانون في الإعلان تمنح العلامة التجارية للمنتوج بعدا رمزيا نتيجة تدخل الفن في الإعلان، فيشتري المستهلك صورة فنية ترسخت في ذهنه وليس منتوجات استهلاكية محضة، فهي محملة بصورة فنية تصبح مدعاة لسعادة محتملة في ذهن المستهلك، فيصل في تصوره إلى آفاق الحلم، لذلك يتم استخدام الفن في الإعلان كناقل لرسالة، فمثلا بعض المنتوجات تنفي كل ما هو حديث وتعلن عن نفسها من خلال وسائط تقليدية وتراثية تكرس للأصالة التي تعد مطلبا دفينا في لا شعور المستهلك، الأمر الذي يجعل الإعلان يستعيد بعض الرموز التراثية والفنية، لأن مجرد ذكر شعار أو مقطع موسيقي أو جزء من رقصة أو مشغولات تراثية ودمجها في الإعلان تجعل المنتوج محملا بالكثير من الأصالة والنبل، الأمر الذي يجعل المستهلك يحس بالانتماء له ويتواطأ على شرائه ويتماهى مع رسالته. لذلك نجد أيضا الكثير من المعلنين لا يترددون في إعادة استخدام اللوحات الشهيرة والتي تعد إرثا إنسانيا، فتطالعنا إعلانات مستوحاة من لوحات فنية أو يتم استخدام صورة العمل الأصلي لدمج المنتج معه، ومن الأعمال التي تم توظيفها في الإعلان كثيرة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: لوحة الموناليزا وصرخة مونك ولوحة العشاء الأخير وبورتريه فان جوخ وغيرها من الأعمال الفنية. أو تتم الاستعانة باسم الفنان وحده فيطلق اسمه على بعض المنتوجات وكمثال على ذلك «ستروين بيكاسو» أو يتم توظيف جزء من شخصية الفنان كاستثمار شارب ونظرة سلفادور دالي في بعض الإعلانات. وبما أن استعمال صور الأعمال الأصلية في الإعلان لها تبعات قانونية تعرض المعلنين للمتابعة القضائية إن لم يتم الحصول على ترخيص من طرف أصحاب الحقوق، ولتجنب الصعوبات يلجأ بعض المعلنين إلى المحاكاة الساخرة أو الكاريكاتورية لبعض الأعمال الفنية للتملص من المسؤولية القانونية. واستعانة المعلنين بأعمال فنية شهيرة نابعة من كونها أضحت جزءا من الذاكرة الجماعية ورمزا بصريا وتراثا إنسانيا يستغله المعلنون للترويج لمنتوجاتهم. لأن استخدام الأعمال الفنية وأسماء الفنانين المعروفين في الإعلان أمر يحقق الغاية منه والمتمثلة في التأثير على المستهلك. وما يمكن تأكيده أن للصور الإعلانية رسالة تدغدغ الوعي واللاوعي، فتجعل المتلقي يستعيد صورا ذاتية تحيله على المنتوج المعلن عنه وتدفعه لاستهلاكه. الإعلان والمستهلك للإعلان غاية تتمثل في التأثير على المستهلك من خلال رموز ودلالات جاذبة وملبية لحاجياته فيضحى طرفا في العملية الإعلانية من خلال التلقي والاستيعاب. ويعتمد الإعلان على الصورة التي تُغلّب المنحى الوجداني والعاطفي من أجل إحداث التأثير المطلوب في المتلقي، ولن يتحقق ذلك إلا إذا توفرت فيها قيمة جمالية أكيدة، فيصل التفاعل بين المستهلك وبين صورة الإعلان مداه. وفكرة الإعلان تكون مبتكرة ويتم تجسيدها بصريا فتترابط مع الوسط الذي يوجه له الإعلان، لذلك فإن صناع الإعلان لا بد أن تكون لهم معرفة مسبقة بالمستهلك، وباهتماماته وبثقافته. ويشمل الإعلان الصورة الإعلانية وشكل التعليب والتغليف، فيكون بذلك قد استطاع تحقيق جمالية قادرة على مد المنتوج بالطاقة الإقناعية الضرورية والتي تجعل المستهلك منجذبا لاستهلاكه. وهو يرتبط بالرأسمال ارتباطا وثيقا، فيتم من خلاله خلق ثقافة استهلاكية تخدم المنتوج من أجل تحقيق الربح. وبالإضافة إلى فنية الإعلان، فإنه تقنية تقترض بعض خاصياتها من الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة لأنها علوم تمكن من دراسة السوق وتحديد ما يرغب فيه المستهلك وتيسر الوصول إليه، لذلك نجد تصميمه يخضع لمعرفة واسعة بهذه العلوم، الأمر الذي يجعل الشركات الغربية تقوم بنشر قيمها وثقافتها بالأسواق التي تبيع بها منتجاتها حتى تشجع على استهلاكها، فمثلا في العالم العربي، انتشرت الكثير من القيم الاستهلاكية الدخيلة وتتعلق بالمأكل والملبس والسيارات والخدمات وغيرها من المنتوجات ويؤثر بعضها سلبا على القيم الأخلاقية والصحة أيضا، ويرى المفكر الفرنسي روجي غارودي بأن سيطرة ثقافة الاستهلاك تفرغ العالم من المعنى. ولا تقتصر الملصقات الإعلانية على المنتوجات الاستهلاكية وإنما تتجاوزها إلى عرض صور الشخصيات العمومية كالسياسيين والمغنين، فمثلا تسويق صورة شخصية من أجل الانتخابات تُرفق بكلمات ترمز للأمل وتحقيق الأحلام، وأيضا المطربون يسوّقون لأغانيهم أو لحفلاتهم الموسيقية من خلال صورهم التي تساعد على جذب الجمهور. وما يمكن قوله كخاتمة، أن الإعلان يظل أمرا واقعا، ووسيلة لترويج المنتوجات والتشجيع على استهلاكها من خلال استثمار الفن والاستعانة بالفنانين، وهو دائما في حاجة إلى القيم الفنية، لكن رغم علاقته الأكيدة بالفن فإن ارتباطه يظل أوثق بالمنتوج المعلن عنه. وهو لا يُقدّم على أساس أنه فن وإنما وسيلة إقناعية تمرر رسالة من أجل التأثير على المستهلك. أسماء وتوقيعات كثيرة هي المنتوجات التي تستوحي أسماء معروفة في عالم الفن، أو تبتكر أسماء يكون لها تأثير أكيد على المتلقي. ويظهر ذلك على نحو جلي في عالم العطور والسيارات والأحذية والخدمات وغيرها من المنتوجات. وفي بعض الأحيان يضع المنتِج اسمه على منتوجه، فيصبح التوقيع والاسم متمازجين ولا ينفصلان، وهو أمر يبرز في مجال العطور على نحو خاص.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©