الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

القراءة الفنية المبكرة.. طوق النجاة من فوضى الثقافة الرقمية

القراءة الفنية المبكرة.. طوق النجاة من فوضى الثقافة الرقمية
12 يوليو 2017 22:50
إبراهيم الملا (الشارقة) مع انتشار الثقافة الرقمية، أخذت القراءة بمفهومها التقليدي في الانزياح نحو أشكال وأنماط تنتصر للكثافة والاختزال وسرعة تداول المعلومة ضمن منظومة حياتية متسارعة بدورها، ومنشغلة بالتعاطي البصري الأفقي مع الأحداث ومع الأنماط الكاليغرافية ــ الحروفية ــ والفنون التشكيلية والدرامية والسينمائية والموسيقية، عوضاً عن التعاطي العمودي، التحليلي، والمعمق الذي يقرأ هذه الأنماط من زاوية فردية مستقلة، ومن بعد خاص وحميمي أيضا. ومن هنا أخذ الباحثون وعلماء النفس والاجتماع في الانتباه لهذا الهوس الجماعي بالثقافة الرقمية المخادعة، المحصورة في الربحية والاستهلاك الجنوني للسلع والكماليات، وهي ثقافة باتت تعمل وبقوة على تهميش الفردانية المخلصة للتميز والانتشاء الروحي، وتعمل أيضاً على الضد من المفهوم الحقيقي والمضيء للثقافة، لكونها انشغالاً جمالياً متطوراً لدى الإنسان، ومؤهلاً لمزيد من النماء الحسي والذوقي والنقدي. يقرع هؤلاء الباحثون والعلماء والتربويون ناقوس الخطر لإنقاذ الأجيال القادمة، وانتشالها من وحل هذه الخديعة الثقافية، بما تروّج له من انحدار وانتكاسة وعودة للقطعان البشرية المؤدلجة والمتعصبة لنمطها الجماعي ذي الفكر الأحادي، برغم المظاهر المدنية اللامعة والزائفة من حولها.   ومن هنا أيضاً جاء تركيز بعض البلدان المنتبهة لهذا الخطر على تنمية القراءة النقدية والجمالية لدى طلبة في المراحل الدراسية المبكرة ومن خلال أساليب عدة ومناهج تطبيقية مبتكرة، منها «قراءة اللوحات والأعمال الفنية» ضمن آليات ذهنية تمنح الطفل قدرة خاصة على ترويض الخيال، واستلهام اللغة التعبيرية الدقيقة القابعة في الفضاء التفسيري الواسع بينه كمتلق، وبين العمل الفني كمنتج بصري وثقافي قابل للقراءة التذوقية المستقلة البعيدة عن النمطية والتعميم. وتعتمد «قراءة اللوحة» على تقنيات دراسية وسلوكية عدة، منها: الاعتماد على الرموز المبثوثة في اللوحة لتأسيس معنى ما، والعثور على قيمة خاصة تتضمنها هذه اللوحة، والخروج بدلالات واستنتاجات يكتبها ويعبر عنها كل طفل بشكل مستقل أولاً ثم من خلال مجموعات مقسمة في قاعة الدراسة، وذلك من أجل ترسيخ الفهم وخلق التنوع من خلال النقاشات المحايدة لكل مجموعة. ومن الأساليب الأخرى المعتمدة في هذه المناهج الجديدة نقل الخبرات الذاتية المتشكلة عند الطفل في محيطه الأسري والاجتماعي، ومحاولة تطويرها باتجاهات أكثر وعياً، وأكثر انتباها للتفاصيل الجمالية في الحياة والطبيعة والأعمال الفنية. ويمكن نقل هذه التجربة النقدية والتذوقية المبكّرة إلى مدى أبعد من خلال التعبير الكتابي واللفظي عن الانطباعات المتشكلة في ذهن الطفل عند تعاطيه مع اللوحة محل الفحص والمعاينة، ومع تنامي فهم الطفل للّوحة، يبدأ التعاطي مع موضوعها خارج حدود الإطار أو اللون أو الأشكال المرسومة بداخلها. يعتمد الرسام على إطار أو «فريم» واحد ليقول كل ما يريد قوله في اللوحة، ومن هنا يأتي تحدي القراءة البصرية لدى الطفل في هذه المرحلة القرائية المبكرة. عندما يقرأ الطفل كتاباً ما، فإنه يحوّل الفراغ بين بياض الورقة والكلمات السوداء إلى وسيط خيالي يحتوي عدداً لا نهائياً من الصور الملونة، وعندما يقرأ اللوحة فإن الحدود الواضحة للنص تنمحي ويذهب الخيال مباشرة إلى الشكل واللون. وفي هذه الحال، يشتبك الطفل كلياً مع الصورة المجسمة ويتقبّلها كما هي دون وسائط ذهنية وتخيلية، ويعزز هذا الاشتباك خيارات الفنان نفسه عندما يقحمنا في منطقته اللونية والتعبيرية ويتركنا في متاهة آسرة، وبالتالي فإن اشتغال الأطفال على تفكيك العلاقات البصرية داخل اللوحة سوف يساهم في تنمية علاقاتهم البصرية مع الأشياء ومع الواقع المحيط بهم الآن ومستقبلًا، وبالتالي تبني وجهات نظر نقدية عميقة واتخاذ قرارات أكثر انحيازاً للتأمل والجمال والمحبة عوضاً عن التفسيرات العاطفية العمياء، والتأويلات الجماعية العنيفة تجاه الآخر المختلف، وتجاه تاريخ وأفكار وانتماءات الشعوب القديمة، والأخرى الحيّة والحاضرة بيننا في عالم ثري ومتنوع ومتعدد الأطياف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©