الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الحرب غير المقيدة»... التجسس الصيني على أميركا

6 يوليو 2010 22:23
جاء اعتقال أحد عشر شخصاً بتهم التجسس لصالح الحكومة الروسية ليذكرنا بمثال آخر على صيغ التجسس القديمة التي ترجع إلى فترة الحرب الباردة مثل تبادل المعلومات دون التقاء العميلين، وزرع جواسيس داخل المؤسسات، والاتصال عبر رسائل مشفرة، وغيرها من وسائل الاستخبار المعروفة لدى الجواسيس. ولكن الأمر لا يقتصر على روسيا في سعيها إلى كشف الأسرار الأميركية والوصول إلى المعلومات السرية، فالصين منخرطة هي أيضاً، وعلى نحو واسع، في عمليات التجسس ضد الولايات المتحدة تفوق بكثير الجهود الروسية، لاسيما فيما يتعلق بأحد جوانب التجسس الأكثر خطورة المتمثل في اختراق منظومات الإنترنت؛ فقد كان الجيش الصيني المعروف باسم "جيش التحرير الشعبي" وراء العديد من محاولات اختراق شبكات الكمبيوتر التابعة للحكومة والشركات الأميركية وذلك كجزء من مساعيه الرامية إلى سرقة معلومات تكنولوجية وعسكرية وسياسية، وهذه المساعي تكلف الحكومة الأميركية مبالغ هائلة للتصدي لها تصل إلى مليارات الدولارات في السنة، هذا بالإضافة إلى ما تطرحه من تهديدات خطيرة على الأمن القومي الأميركي. وفي هذا السياق أشارت التقارير القادمة من واشنطن في مطلع عام 2010 إلى تعرض "جوجل" ومعها بعض الشركات الأميركية الأخرى لعمليات اختراق واسعة قامت بها جهات صينية غير معروفة، وهو ما حدا بمنظمة سياسية تقدمية تدعى "باتريوت ماجوريتي" إلى توجيه طلب إليَّ وإلى بعض الصحفيين والباحثين للتحقيق في المصدر المحتمل لهجمات الإنترنت على الشركات الأميركية. وبعد مراجعة وتدقيق عدد كبير من الوثائق الحكومية والعسكرية والتقنية وصلنا إلى خلاصة مفادها أن الجيش الصيني هو من يقف على الأرجح وراء تلك الهجمات ضد الولايات المتحدة. والسؤال هو: لماذا تقوم الصين بهذه العمليات التي تستهدف الشركات الأميركية؟ الجواب يرجع بنا إلى عام 1995 عندما تعرض الجيش الصيني إلى إهانة كبيرة على يد البحرية الأميركية خلال أزمة مضيق تايوان عندما مر الأسطول الأميركي من الممر المائي الضيق قبالة السواحل الصينية دون أن تستطيع بكين القيام بشيء في استعراض أميركي واضح للقوة على حساب ضعف الصين الذي تبدى واضحاً حينها عندما عجزت عن تحريك ساكن، بحيث أكدت تلك الأزمة التفوق التكنولوجي الهائل للجيش الأميركي مقابل تأخر صيني في المجال التكنولوجي. وهذا الإدراك المحفز بالنسبة للصينيين دفعهم إلى التحرك بسرعة لتحديث ترسانتهم العسكرية المتقادمة عبر الرفع من النفقات العسكرية وتحسين القدرات التكنولوجية في مجالات حرب الفضاء والإنترنت، فضلا عن المجالات التقليدية مثل تطوير قدرة الجيش في توجيه ضربات دقيقة إلى الخصم. وقد جاءت تفاصيل هذه الجهود في كتاب صدر عام 1999 سمي "الحرب غير المقيدة" الذي ألفه عقيدان في الجيش الصيني، واعتبر أحد المراجع الأساسية بين الضباط. والكتاب يقول "إن القاعدة الأولى في الحرب غير المقيدة هي عدم وجود أية قاعدة ليصبح كل شيء مباحاً"، ونتيجة لهذا التطوير الذي سعت إليه الصين وتحت توجيهات مباشرة من الرئيس "هو جينتاو" انخرط الجيش الصيني في عمليات حرب إنترنتية تهدف إلى التجسس وجمع المعلومات خلال فترات السلام، وهكذا ذكر دليل خاص بالجيش الصيني في عام 2004 أن الهدف الأساسي من تحديث الجيش "هو بناء قوة معلوماتية وكسب الحرب الإلكترونية"، كما تخفف الجيش من جزء من عديد قواته الضخم بتخليه عن 200 ألف من جنوده في حين رفع استثماراته العسكرية التي تراوحت بين 50 و100 مليار دولار في العام الواحد. بل إن الحكومة الصينية ضمت إليها العديد من الشركات المدنية المتخصصة في الإنترنت وحولتها إلى وحدات تابعة للجيش الصيني. ومن بين المراكز الأساسية في حرب الصين الإنترنتية على الولايات المتحدة مجمع عسكري في جزيرة "هينان" الواقعة جنوب بحر الصين، حيث يضم المجتمع منصة فضائية، وقاعدة تحت الأرض خاصة بالغواصات الحربية، كما يشمل أيضاً وحدة لالتقاط الإشارات الاستخبارية التي تجمع من عمليات التنصت والرصد عبر الأقمار الاصطناعية، فضلا عن اختراقات الإنترنت. وقد كانت جزيرة "هينان" على مدى سنوات مسرحاً للمواجهة بين المساعي الأميركية للتجسس وبين محاولات الصين الدفاع عن أسرارها، وفي عام 2001 على سبيل المثال وقعت مواجهة بين طائرة تجسس أميركية ومقاتلة صينية فوق سماء الجزيرة ما اضطرها إلى النزول على سطحها، وفي عام 2009 اعترضت سفينة صينية بارجة أميركية على بعد 75 ميلاً من الجزيرة وأمعنت في مضايقتها، وأكثر من ذلك أشارت مجموعة من الباحثين الكنديين في أحد المراكز البحثية أن الهجمات التي تعرضت لها مواقع الإنترنت والشركات العالمية ترجع إلى جزيرة "هينان". ومع أن أحد الباحثين وهو "لاري وورتزل" قال إنه لم يرَ ما يكفي من أدلة تورط الجزيرة في عمليات الاختراق التي شهدتها بعض الشركات، إلا أنه أكد مسؤولية الجيش الصيني في محاولات التجسس، ومن اللافت أن هذه المحاولات التي تبذلها الصين لكشف الأسرار الأميركية في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية لا تقتصر على الإنترنت وشبكات الكمبيوتر، بل تشمل موجة واسعة من محاولات التجسس التي باتت تعتمد على تقنيات أكثر تعقيداً مثل تجنيد جواسيس أميركيين، بالإضافة إلى دراسة وتحليل كميات هائلة من المعلومات، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أنه خلال الربع الأول من عام 2009 قامت وزارة العدل الأميركية بمقاضاة تسع حالات تجسس تورطت فيها الصين، بالإضافة إلى تحقيق دائرة الجمارك الأميركية في 540 قضية حول عمليات نقل غير قانونية للتكنولوجيا الأميركية إلى الصين. ريتشارد باركر كاتب وصحفي أميركي مهتم بالتجسس الصيني على أميركا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©