الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عديمو الجنسية: عالقون بين أبواب موصدة!

عديمو الجنسية: عالقون بين أبواب موصدة!
6 يوليو 2010 22:22
حتى ذلك العام الذي تخرجتْ فيه من المدرسة الثانوية لم يكن لدى "سونيا كاميليز" أي سبب يدعوها للشك في جنسيتها، حيث ولدت وترعرعت هنا في جمهورية الدومينيكان، وهي تتحدث اللغة الإسبانية وتمارس ذات الهوايات التي تمارسها الفتيات في سنها فترقص رقصة "الميرينج" الشعبية، وتقضي جزءاً كبيراً من وقت فراغها في مراقبة الفتيان وهم يلعبون "البيسبول" في المساحة الخضراء الواقعة قبالة منزلها. ولذا فقد اعتادت دوماً القول "أنا دومينيكانية... ليس هناك شك في ذلك"، ولكن عندما ذهبت إلى مكتب السجل المدني لاعتماد شهادة ميلادها تمهيدا لتقديمها لمكتب القبول بالجامعات، اكتشفت أن الحكومة تنظر إلى المسألة من منظور مختلف، حيث أخبرها مدير المكتب بأنها هايتية وليست دومينيكانية، والسبب ببساطة أنها لم تقدم الأوراق التي تثبت أن والدها -وهو مهاجر من هايتي- كان يقيم في البلاد بصورة مشروعة عندما ولدت هي. وقد أصيبت "كاميليز" بصدمة كبيرة عندما أخبرها الرجل بذلك، لأن الناس في الدومينيكان يحتاجون إلى صورة معتمدة من شهادة الميلاد الموثقة، لإنجاز أي معاملة سواء للالتحاق بالجامعة، أو للالتحاق بوظيفة، أو السفر للخارج، أو حتى الزواج. ومما يضاعف من مشكلتها أن هايتي من ناحيتها لا تقبلها هي الأخرى، على رغم أن ملامحها هايتية بحتة، وتسكن الحي الذي يسكن فيه المهاجرون الهايتيون في الدومينيكان، ولكنها لا تملك أية أوراق ثبوتية تفيد بأنها أقامت يوماً في هايتي، علاوة على أن جميع الأوراق التي تحملها بحوزتها مستخرجة من الجهات الدومينيكانية، بل إن أمها ذاتها من مواليد الدومينيكان. والمحنة التي تجد "كاميليز" نفسها فيها لا تقتصر عليها، وإنما تنطبق على الملايين، ليس من الهايتيين فقط، وإنما من سكان بلدان أخرى تتوزع على أركان المعمورة الأربعة. وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن هناك ما يقرب من 12 مليوناً من الأشخاص الذين لا يحملون جنسية أية دولة في الوقت الراهن، وأن ذلك يشكل معضلة دولية تم تجاهلها وإساءة فهمها إلى حد كبير طوال العقود الماضية، قبل أن تلفت الأنظار ويتزايد الاهتمام بها دوليّاً في الآونة الأخيرة، مع زيادة الاهتمام بمشكلة اللاجئين من قبل منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية. تقول "مورين لينش" كبيرة المدافعين في "مبادرات عديمي الجنسية" التابعة لمنظمة اللاجئين الدولية، وهي منظمة تتصدر المنظمات الأممية الساعية لزيادة الوعي بمشكلة عديمي الجنسية: "إن الأشخاص الذين لا يحملون جنسية ليست لديهم حياة... فالشخص عديم الجنسية هو شخص يقف ثابتاً بينما العالم كله يتحرك من حوله، وهو ما يقود إلى سلسلة من حالات عدم الأمان الإنساني للأفراد وخاصة النساء والأطفال وللمجتمعات المحلية والمجتمعات ككل". وعديمو الجنسية يعيشون في مختلف أنحاء المعمورة من أوروبا إلى جنوب شرق آسيا إلى منطقة الكاريبي بل وحتى في الولايات المتحدة نفسها. وعلى رغم أن الخلفيات التاريخية لظهور تلك المشكلة في كل بلد من البلدان تختلف في التفاصيل عنها في غيره إلا أنها تتفق عموماً في الأسباب العامة وهي الحروب التي تؤدي لنزوح سكان من مكان إلى آخر، أو الهجرة -وبالذات غير الشرعية- وعادة ما تكون قد وقعت في أزمان بعيدة نسبيّاً. وفي الوقت الراهن تدق جماعات حقوق الإنسان، والجماعات الحقوقية على وجه العموم، جرس الإنذار داعية إلى مواجهة الآثار المترتبة على تلك الظاهرة التي تشمل الفقر، والصراع، ونقص التعليم، وضعف الرعاية الصحية، وغير ذلك من أنواع الحرمان والانتهاكات. وفي تاريخ سابق من هذا العام، أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنها بصدد "مضاعفة" جهودها الرامية لمعالجة المشكلة قائلة إن هذه المحنة "لا تؤثر فحسب على الشخص المعني، وإنما تطال المجتمعات بأسرها لأن استبعاد قطاع كامل من السكان وحرمانه من حقوق الجنسية يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوتر، وإعاقة الجهود الرامية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف الدول". وعلاوة على ذلك اتخذت دول عديدة تدابير متنوعة لتقليل النتائج السلبية المترتبة على ظاهرة عديمي الجنسية. فدولة مثل "نيبال" على سبيل المثال قدمت وثائق جنسية لمئات الآلاف من سكانها ممن كانوا لا يحملون جنسيتها. وبنجلاديش شرعت في منح الجنسية لأفراد شعب "البيهاري" الذين ظلوا لسنوات طويلة مرفوضين من قبلها ومن قبل باكستان بعد أن تحولوا إلى ضحايا لتقسيم باكستان عام 1971. وفي مايو الماضي عقدت اللجنة القانونية بمجلس الشيوخ الأميركي جلسة لمناقشة مشروع قانون بتقديم المساعدة لتجنيس قرابة 4000 شخص يعيشون بدون جنسية داخل الولايات المتحدة. ولا تقتصر ظاهرة عديمي الجنسية على الدول المشار إليها وحدها وإنما توجد أيضاً في دول أخرى في مختلف قارات العالم. ففي أوروبا، وعلى وجه الخصوص في رومانيا والمجر، يعيش شعب الـ"روما" أو "الغجر" الذين ترفض السلطات منحهم وثائق هوية. وفي كينيا يوجد حوالي 100 ألف شخص من أصول نوبية محرومون من حقوق الجنسية. ونظراً لأن أوضاع عديمي الجنسية تتقاطع في حالات كثيرة مع وضع اللاجئين في العالم، فإن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، هي الجهة المنوط بها علاج مشكلتهم، ولهذا تقوم في هذا الإطار بجمع المعلومات عن هذه الفئة من السكان من الحكومات المختلفة، وهي معلومات يكون بعضها صحيحاً أحياناً وبعضها الآخر -باعتراف مصادر المفوضية- يفتقر إلى الدقة. وتقول تلك المصادر أيضاً إنها لا تكتفي فحسب بطلب الحصول على أسماء الأشخاص الذين يعاملون على أنهم بدون جنسية، أو عددهم، وإنما المناطق التي يقيمون فيها، وتاريخهم العائلي، والكيفية التي نشأت بها مشكلتهم، وهي معلومات ستستخدم فيما بعد، كمكون رئيسي من مكونات استراتيجية شاملة للأمم المتحدة تهدف لزيادة الاهتمام بهذه المشكلة والعمل على إيجاد الحلول لها بالتعاون مع العديد من المنظمات الدولية، والجماعات الحقوقية، والدول المانحة. ستيفاني هينز سانتو دومينجو - جمهورية الدومينيكان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©