الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكلمة جعلتني عصياً وأقسى من الصوّان

الكلمة جعلتني عصياً وأقسى من الصوّان
12 يوليو 2017 19:52
كان من المنفيين ومعهم، قاسمهم معاناة الهجرة ودافع عن حقه وعن حقهم في وجود طبيعي لا يقبل المساومة، واجه شقاء المنفى والوجود بالكتابة، مرتكناً إلى سلاح بسيط قوامه كلمات الروح والتجربة، فكانت كلماته مسامير للذاكرة، وحوافز لوعي جديد فتح نوافذ عريضة في أفق المشهد الأدبي والروائي العربي، جعلت منه إماماً للرواية العربية في القرن العشرين، وأحد أغنى الروائيين العرب موهبة وإبداعاً وانتشاراً.
أعاد الروائي السعودي- العربي المرموق عبد الرحمن منيف (1933-2004م) تأسيس الرواية العربية بمنظور جديد برهن على قدرتها على النفاذ في بنية المجتمعات العربية، وتحليل عناصر إخفاقاتها وتخلفها، واستكشاف آفاقها ومآلاتها المستقبلية، متخذاً من العالم الداخلي للإنسان محور مشروعه الروائي الضخم، وبؤرة اهتمامه في خطاب مفتوح لا يتفق مع اليقين، والأحكام الجاهزة، مدافعاً عن قيم العدالة الإنسانية، مؤمناً بالحداثة الاجتماعية في مجتمع عربي يتسيده الإنسان الحر. ذلك «النجدي الأصيل» صاحب السداسية الروائية الرائعة «مدن الملح» و«الأشجار واغتيال مرزوق» و«حين تركنا الجسر» و«شرق المتوسط» و«سباق المسافات الطويلة» و«أرض السواد»، وغيرها من الأعمال الرائدة، رحل في 24 يناير في دمشق، إثر نوبة قلبية مفاجئة ناتجة عن فشل كلوي... ولسان حاله يقول: «سعيد هو من يختفي قبل أن تستفحل الكارثة، والقادم أعظم».
هذه الشذريات مستمدة من كتب «عبدالرحمن منيف 2008» و «القراءة والنسيان» حوارات وتقديم إسكندر حبش و«رسائل عبدالرحمن منيف إلى فيصل دراج» و«الثقافة والسياسة» وسواها من أعماله الأدبية.

كيف يمكن أن نحوِّل الكلمة من جديد، إلى طلقة، إلى قوة محاربة؟ بالتأكيد ليس هناك وصفة جاهزة، وليس من السهل الوصول. لكن الإصرار، وتقديم النموذج الحقيقي القوي والمتألق الصادق، يساعد في خلق وعي وذائقة، وبالتالي قدرة على التمييز. ومن هنا ودون أن نقصد فإن شيئاً ما يتراكم في وجدان الناس، ويخلق لديهم حساً ملعوناً في اكتشاف الكذب. هل يمكن المراهنة على هذا الشيء الغامض؟؟
«رسائل»
***
بعد أن جربت العمل السياسي، وبعد أن حرثت في أراضي الآخرين تبين لي أن مكاني المناسب أن أكون روائياً، وأن أحرث في الأرض التي أعرفها، خاصة أن الرواية بالتحديد في منطقة مثل منطقتنا لا تزال بكراً، ويمكن أن تساهم في خلق الفرق، وفي اكتشاف احتمالات غير تلك التي قدمها المنظرون سابقاً.
«حوار»
***
لا أريد أن أكون فيلسوفاً، لكي أفسر أو أبرر مواقف البشر، وأعتقد أن لا ضرورة لذلك أبداً. كل ما كنتُ أبحثُ عنه نقطة ارتكاز، ولقد وجدتها. يمكن أن لا أسميها العناد، ويمكن أن يسميها غيري القناعة، أو التحدي. المهم أنني وجدتُ تلك النقطة، وهي التي حمتني، جعلتني عصياً على كل قِوى الأرض.. وأقسى من الصوّان.
«حوار»
***
مثل كثير من الفقراء الحالمين كنت أرسم على وجه السماء خيولاً راكضة باستمرار، كنت أفعل هذا عندما تكون السماء شديدة الزرقة وليس فيها غيمة واحدة، وكانت هذه الخيول شديدة الجموح وشديدة القوة، وكانت تسافر دائماً، وكنت أمتطيها باستمرار وأسافر، لكني في هذا السفر لم أكن أبحث عن شيء، أو أعرف شيئاً، حتى جاء يوم مللت فيه أن أسافر ببلاهة هكذا، فبدأت أبحث عن أهداف لهذا السفر، لكن بحثي كله ضاع، وانتهى بلا جدوى، فقررت أن أتعلم القراءة، وكانت تلك هي البداية لرحلة عذابي الحقيقية على الأرض.
«مقالة»
***
الدفاع عن القيم الإنسانية الإيجابية. هذا الهم الكبير يقضي الإنسان عمره كله ولا يعرف إذا استطاع أن يضيف، أو أن يفعل شيئاً في هذا الاتجاه. لكن مع ذلك، لا يتوقف من يشغله هذا الهم لحظة واحدة. ولا ينتظر اعترافاً أو شكراً، بل يجب أن يفعله دون توقع النتائج. هل هذا وجه من وجوه البطولة التي نبحث عنها؟ هل هذا تبرير للمرور فوق هذه الأرض؟ إن شيئاً مثل الوهم أو مثلما يتراءى للإنسان بين اليقظة والنوم هو ما يدفع للقيام بهذه المغامرة.
«رسائل»
***
كتابة رواية، بالنسبة لي، نوع من المرض أو الجنون: يجب أن أعيش معها في كل لحظة، في كل تفصيل صغير، يجب أن أستمر كذلك. الانقطاع، لأي سبب، لأية مدة، يخلق فجوة من الصعب ترميمها، وربما يخلق حالة جديدة لم تكن في البال، لكنه بالتأكيد يفوت حالات كثيرة كانت في البال وكانت جاهزة.
«مغامرات»

الإبداع لا يعرف حداً، ولا تقاس نتائجه بمظاهر حسية، وإنما هو تطلع دائم نحو الأفضل وعدم الرضى بما هو قائم.
«رحلة ضوء»
***
الجسر.. ألا يعني شيئاً؟ - يمكن دائماً بناء الجسور... الصعب هو بناء الإنسان. - بناء الإنسان؟ - نعم بناء إنسان من نوع جديد! - تقصد إنساناً لا يترك الجسر؟ أقصد إنساناً لا يترك الجسر، ويعرف كيف يتصرف.

«حين تركنا الجسر»
***
انغرز في الأرض كوتد ميت، اقرأ حتى تتعب، ثم اذهب للنوم فوراً، وإذا ذهبت للنوم يجب أن تنام. افعل كل شيء في وقته، لأن فعل شيئين في وقت واحد، سيؤدّي إلى خسارة الشيئين معاً.
«حين تركنا الجسر»
***
في أعماق الصحراء، حيث يجد الإنسان نفسه في هذا المدى اللامتناهي مع الصمت ومع الطبيعة في حالتها البدائية البكر، لا تتاح الفرصة فقط من أجل أن يعيد الإنسان تقييم ما جرى، وإنما تتم عملية شاقة تمارس بهدوء وصمت من أجل أن يتشكل الإنسان على نحو جيد.
«التيه» - مدن الملح»
***
الثقافة الشفوية، والحذر، والبساطة في الأكل والمظهر، الصراحة والصبر، وقبل كل شيء الوفاء. هذه جملة ما تعلمه الصحراء لأبنائها.
«عروة الزمان الباهي»
***
الصحراء كالمرأة بمقدار ما تبدو هادئة، بسيطة، لينة وجميلة، فإنها بحاجة إلى الفهم والتعاطف، لأن لها وجوهاً لا حصر لها. حين تغضب أو تجن تبدو وكأن ليس لها علاقة بما كانت من قبل. وهي في الليل غيرها في النهار. وفي الشتاء تختلف عن الصيف، وعن باقي الفصول. إنها أكثر من ذلك، إنها هي ذاتها ولا تشبه نفسها أبداً. تتغير كل لحظة، تتكون في كل لحظة، عالم في مرحلة التكوين المستمر.
«مدن الملح – تقاسيم الليل والنهار»
***
قد لا تكون بلادنا أجمل البلاد، لأن هناك بالتأكيد بلداناً أجمل، ولكن في الأماكن الأخرى أنت غريب وزائد، أما هنا فإن كل ما تفعله ينبع من القلب ويصب في قلوب الآخرين، وهذا الذي يقيم العلاقة بينك وبين كل ما حولك، لأن كل شيء هنا لك.. التفاصيل الصغيرة التي تجعل الإنسان يحس بالانتماء والارتباط والتواصل.
«الآن هنا.. أو شرق المتوسط مرة أخرى».
***
الشرق أمر خطير للغاية، يا أيها السادة. هكذا كان وهكذا سيعود مرة أخرى.. ولأن الحضارة بدأت من الشرق، لابد أن تعود إلى الشرق مرة أخرى، فالحضارة كالدائرة تماماً، فمن أي نقطة بدأت لا بد أن تنتهي عند تلك النقطة... لكن عيب الشرق وأهله أنهم كالشهب سريعو التألق ثم الاحتراق.. ومع ذلك فإن بعض الشهب لا يحترق بسهولة.
«الآن هنا.. أو شرق المتوسط مرة أخرى»
***
الذاكرة، لعنة الإنسان المشتهاة ولعبته الخطرة، إذ بمقدار ما تتيح له دائماً سفراً نحو الحرية، فإنها تصبح سجنه. وفى هذا السفر الدائم يعيد تشكيل العالم والرغبات والأوهام. وإذا كانت في حياة كل إنسان لحظات ومواقف تأبى أن تغادر الذاكرة، فليس لأنها الأهم، أو لأنها أعطت لحياته مساراً ومعنى، إذ ربما لم تقع بنفس الدقة أو بالتفاصيل التي يتخيلها أو يفترضها، وإنما لفرط ما استعادها في ذاكرته بشكل معين، ربما الذي يتمناه، يوماً بعد آخر، فقد أصبحت وحدها الحقيقة، أو وهم الحقيقة.
«بادية الظلمات»
***
صحيح أن الإنسان هو من يختنق في هذا الركام الهائل من الكلمات وأغلبها «كاذب»، لكن مع ذلك فإن الكلمة الصادقة كالنجمة في السماء تميز ولا يمكن أن تحجب...
«حوارات»

 
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©