السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليهود في السينما التونسية

اليهود في السينما التونسية
12 يوليو 2017 19:50
لكي نقترب من وضعية اليهود في السينما التونسية، ننحي اللطف جانبا ونتكلم بحرية، بما أننا -باستدعاء التمزقات وحالات التمييز بين طائفتين تونسيتين، مسلمة ويهودية - نعمل على تجاوزها. منفى، فصل، حنين، وجراح أخرى لم تندمل بعد -بالمعنى الدقيق للكلمة- لدى كثير من اليهود التونسيين الذين غادروا تونس. ها قد مضى عليهم عشرون أو ثلاثون عاما، وأصبح نصفهم فرنسيين. غير أن هذه الجراح لم تصبهم فقط. يشعر كثير من التونسيين المسلمين، المثقفين ورجال الثقافة، وإن كانوا يقولون نصف الحقيقة، بكونهم يتامى منذ هذا الفصل. أنا أيضا يتيم هذه الـ«تونس المتعددة»، ليس فقط لأنني تلميذ ثانوية كارنو بالعاصمة التي احتفلت هذا العام بمئويتها، وحيث اختلط أطفال الديانات والطوائف المتعددة. بل لأن في هذه المرحلة، مرحلة الستينيات، قام قوميو البلاد العربية بترحيل أقلياتهم ومارسوا الطرد. ما جرى في تونس، أسماه الكاتب التونسي هيلي بيجي (1) «بالقوموية»، أي أن تقتات القومية على الطرد، بحيث تقذف خارجا كل ما هو غير قومي، بدقة وبأورثوذوكسية، حسب ثوابت وثيقة الصلة بالأمة. قبالة الظاهرة القوموية، رأى المثقف التونسي - باعترافات - هذا الطرد ورأي أيضا أنه ينزع إلى معاداة السامية، كما أنه ينزع إلى معاداة اليسارية، إلى معاداة الماركسية، إلى معاداة أي توجه لا ينتمي إلى الأغلبية. أنا فخور بكون تونس، اليوم، بهذه الإرادة، بصدق وعلى المستوى الرسمي، تداوي هذه الجروح. من الجميل للغاية أن يجري ما سبق سريعا، بعد خمسة وعشرين عاما من نكسة يونيو 1967، مع كل مشاكل «الهناك» التي انعكست علينا. من المسلي معرفة أن الاتصال استؤنف ثانية رغم المسافة بيننا، قبل أن يأتي جيل جديد من اليهود التونسيين المولودين في الخارج، والذين يجهلون كل شيء عن تونس. هذه اللحظة التي نعيشها لأننا بصدد إعادة كتابة جزء من تاريخنا، التاريخ التونسي الحقيقي - تتمثل الدراما في الدول ذات الحزب الواحد في أن التاريخ معاد كتابته دوما بطريقة ما، مع استثناءات قليلة، ليس فقط بصدد الطائفة اليهودية، وإنما غالبا حسب الكوارث الجارية. يتعلق الأمر بأن يكون المرء قادرا، في لحظة ما أو في أخرى، على إعادة الحقيقة. أشعر بأن هذا ما نفعله اليوم. «ساماما» الاستثنائي عن موضوع اليهود في السينما التونسية، أبدأ بذكر شخصية آلبير ساماما، الملقب بـ«ساماما شيكلي»، أول سينمائي تونسي. قال البعض إن هذا اللقب أتاه من جمعية خيرية: «أطفائيو جزيرة شيكلي»، هذه الجزيرة الصغيرة الموجودة في بحيرة تونس، حيث كان آلبير ساماما ينظم حفلاته. هذه الشخصية الاستثنائية كانت أول من أدخل أشياء عديدة إلى تونس، من بينها السينما. قبل أن يجلب السينما، كان أول من جلب الدراجة، التلغراف من دون أسلاك، أول جهاز أشعة (إكس) إلى مستشفى تونس... بما أنه كان شغوفا بالتصوير الفوتوغرافي، اتجه، بصورة طبيعية، نحو السينما، في عام 1895، لما ابتكرت السينما. بعد عامين، نظم آلبير ساماما شيكلي عرض أفلام في تونس. لم يكن مكتفيا بالتصوير على الأرض، هذا المبتكر التونسي، من لمس كل شيء، حقق أول تصوير من المنطاد بين الحمامات وغرومباليا ثم أول تصوير تحت الماء. ثم صور زلزال ميسين، صيد أسماك التونة لفائدة أمير موناكو، وخلال حرب 14 - 18 صور «خنادق فردان». بعد هذه المحاولات التجريبية، قرر أن يحقق أول أفلامه الروائية القصيرة. في عام 1922، صور «زهرة»، حكاية فتاة فرنسية هبطت من طائرة فرنسية واستقبلتها قبيلة بدوية تونسية. وصف الفيلم حياة هذه القبيلة في أدق تفاصيلها. منح الدور الرئيسي لابنته هايديه (عاشت دوما في تونس، تحديدا في شارع مارسيليا بتونس العاصمة). سوف أدفع غاليا لكي أجد هذه الأفلام التي أبحث عنها طويلا. طلب مخرج كبير في هوليوود، ركس انغرام، مؤلف فيلم «بن هور» من هايديه شيكلي أن تؤدي دورا في أحد أفلامه، غير أن والدها اعترض وهكذا بدلا من أن يدع ابنته تذهب إلى هوليوود، قرر ساماما شيكلي أن يأتي بهوليوود إلى ابنته. وبالتالي حقق «عين الغزال» (أو فتاة قرطاج، بالفرنسية)، أول فيلم روائي تونسي طويل حققه تونسي.  بعد هذا الفيلم الروائي الطويل لساماما شيكلي، صور عديدا من الأفلام الكولونيالية في تونس، ولم يعد أحد يتكلم عن ما قدمه أبو السينما التونسية. على قبر ساماما شيكلي، من الممكن أن نقرأ هذه الجملة: «لم يكل عن الفضول، جسور شجاع، مقدام في عمله، عنيد في تجربته، مستسلم للعذاب، خلف وراءه أصحابا».  خلال الاستقلال، كان هناك مخرجون تونسيون محترفون، أحدهم يهودي والآخر مسلم. اليهودي هو آندريه بيسيس الذي حقق أول الإخباريات التونسية المصورة تحت عنوان «الأحد الجديد»، والآخر هو محمد قويدي، الذي حقق أول أفلامه في عام 1956 عن الرابطة التأسيسية التونسية. ثم، انضم الجيل الأول من السينمائيين الذين تعلموا في «الايديك» بباريس إلى الجمعية التونسية للإنتاج والاستغلال السينمائي (ساتبيك) أو الإذاعة والتلفزة التونسية. وبعد عشر سنوات، مر عمر خليفي من سينما الهواة إلى السينما الاحترافية بتحقيق، في عام 1966، فيلم «الفجر»، ليكون أول فيلم روائي حققه تونسي بعد الاستقلال. في عام 1986، بعد مرحلة طويلة حيث لم يحدث أي شيء ذي أهمية، حقق فيلم «رجل الرماد»، الفيلم الصاعقة، الذي حققه نوري بوزيد. هنا، إذا كنا نبحث عن صورة اليهودي التونسي في السينما التونسية، لا نجده البتة. شخصية اليهودي التونسي، بالتأكيد، حاضرة، وإن كانت نادرة في «الاسكتشات» الإذاعية، مثل التي كتبها أستاذ الإنجليزية السابق آلبير حيون، ومنجي بن يعيش. نجده أيضا في بعض المسرحيات المتلفزة. أذكر على وجه الخصوص مسرحية كوميدية «ضقت ذرعا بالمصيف»، التي نرى فيها عائلة مسلمة تستعد لإجازاتها، ترحل بحثا عن مسكن للإيجار في ضاحية شمالية بتونس، من ناحية «حلق الوادي» و«خير الدين». كانت المفاوضات التي دارت بينها وبين ديديه، التونسي اليهودي، بالنسبة لثمن الإيجار، شاقة، غير أنهم انتهوا إلى الاتفاق. «رجل الرماد» يمثل «رجل الرماد» حدثا جوهريا في السينما التونسية. هذا الفيلم يحكي مأساة شاب تونسي يعمل نحاتا على الخشب، علمه معلم نجارة يهودي يدعى ليفي. بلغ الفيلم موضوعات محرمة في المجتمع التونسي، حيث أحدها مرير: اغتصاب الفتية الذي يتأتى من الانفصال الحاد بين الجنسين. في هذا الفيلم، يستعد الشاب الذي خضع للاغتصاب صغيرا للزواج. يتعلق الأمر بالزواج المرتب بين أباء عروسي المستقبل. في لحظة الزواج، أصاب الشاب قلق شديد إذ تساءل هل من الممكن أن يستطيع الزواج. بما أنه لا يتجاسر أن يتكلم مع والده، يتجه إلى معلمه الجوز ليفي، ذاك الذي لقنه مهنته، لكي يسر له بسره الثقيل. حينما عرض الفيلم في مهرجان كان 1986، وخلال مناخ هذا العصر، أعد كثير من النقاد تحديدا من الشرق أوسطيين الفيلم بأنه صهيوني لأن به شخصية اليهودي ليفي. حتى أن الفيلم لما عرض بأيام قرطاج السينمائية (2)، وزع بعض الشباب منشورات أمام دار السينما «الكوليزيه» حيث عرض الفيلم، بتصنيفه صهيونيا وطالبوا بمقاطعته. ومع ذلك عرض الفيلم وعلى مدى النقاش، نادى البعض بمنعه. أجاب نوري بوزيد: «هل تريدون أن تمحوا جزءا من ذاكرتي! لن أسمح لكم بقطع جزء من ثقافتي». أضاف أن «من يريدون بأي ثمن أن يخلطوا بين يهودي وصهيوني لديهم نفس منطق الذين يخلطون في أوروبا بين»عرب«و»إرهاب«أو بين»مسلم«و»متعصب«. هذا النقاش كله سيبقى في إطار المناظرة الإيديولوجية التي جرت في نوادي السينما زمن الثقافة الغارقة في التسييس، خلال السبعينيات. ممثلة مصرية، فردوس عبد الحميد، التي أدت دورا في فيلم مشارك في المسابقة، والتي أرادت أن تحوز على دور التمثيل النسائي، بحثت عن جذب الانتباه، لم تجد سوى أن تفيض في الحوارات اللاذعة طالبة سحب»رجل الرماد«من المسابقة الرسمية مع وصفه بأنه مشايع لإسرائيل، ومضاد للعرب، إلخ. دعوى باطلة، لأن لجنة التحكيم قررت أن تمنح الفيلم التانيت الذهبي. الممثلة المجروحة، صعدت إلى الخشبة وصرحت»لم تمنحني لجنة تحكيم هذا المهرجان الجائزة، وانما لجنة التحكيم الحقيقية تظل الجمهور التونسي الشغوف بالنتاجات المصرية«. لم يتأخر إثبات الحقيقة عن إنكار هذا الحكم. ففي الواقع، لما عرض»رجل الرماد«في تونس، لوحظ أن هذه العدوانية لم تترك أثرا، وإنما حدث العكس. حقق الفيلم نصرا شعبيا وحقق الرقم القياسي في الإيرادات في تونس منذ وجود السينما بها، ضاربا عرض الحائط بأفلام عدة مثل»روكي«و»رامبو«. بعد ذاك تجاوزته أفلام تونسية أخرى. مع استقبال الجمهور الرائع لفيلم»رجل الرماد«، انفتح المجال للاطمئنان... رغم كل ما حدث، بلور الاعتدال والتسامح التونسيين. هناك أفلام أخرى ذات علاقة وثيقة مع هذا الموضوع:»ياسمين الشرفة«لـ»سيرج معطي«، الذي ثبت اللحظة المحملة بالمشاعر لما رجع السينمائي إلى تونس، وطنه الأصلي، بعد سنوات من الغياب، و»سرة العالم«لآرييل زيتوني، الذي حققه في تونس 1993، الفيلم الأوتوبيوغرافي - تاريخ والده - حيث قام بالدور الرئيسي ميشال بو جناح، والفيلم الدوكمنتاري لمنير بعزيز عن»حج الغريبة«الذي حققه هو الآخر في 1993.  الحوار المشترك المتبادل والطائفي المتبادل في تونس يتحرك دلاليا بفضل السينما. هناك أفلام أخرى، أفلام سلمى بكار عن حبيبة مسيكة، المطربة التونسية اليهودية، وفيلمي عن الطائفة اليهودية»صيف حلق الوادي«. لم أسمع أن هناك ضوءا أخضر للاهتمام بهذا البعد الجوهري في هويتنا التونسية. ولم أسمع أبدا أن الموضوع أصبح في مهب الرياح. من دون كياسة ولا الغوص في الفصل ولا التمييز، أعتقد أن تونس ذات عبقرية نوعية تتبدى لدى أطفالها وكيف ساهموا فيها. لذا يعد حذف الذاكرة أو البنية السوسيو - الثقافية، وإن كانت وقتية، غير مبرر.  بما أننا، اليوم، بصدد ترقيع هذه القطع من الذاكرة، أفخر بالقول بالتجربة إن»رجل الرماد«، رأى أن» في تونس، ممكن أن تعمل«. إذا لنعمل معا لكي، بدءا من اليوم ودوما، تكون كافة الأيام ممكنة. «شيكلي».. الأول آلبير ساماما، الملقب بساماما شيكلي، أول سينمائي تونسي. قال البعض إن هذا اللقب أتاه من جمعية خيرية: «إطفائيو جزيرة شيكلي»، هذه الجزيرة الصغيرة الموجودة في بحيرة تونس، حيث كان آلبير ساماما ينظم حفلاته. هذه الشخصية الاستثنائية كانت أول من أدخل أشياء عديدة إلى تونس، من بينها السينما. قبل أن يجلب السينما، كان أول من جلب الدراجة، التلغراف من دون أسلاك، أول جهاز أشعة (إكس) إلى مستشفى تونس. ............................................( * ) عن: *Ferid Boughedir, la communaute juive dans le cinema tunisien, confluences mediterranee, Nr. 10. ( * * ) فريد بوغدير المولود بحمام الأنف سنة 1944 مخرج تونسي وهو أيضا ناقد ومؤرخ سينمائي. يعد أول عمل روائي طويل له»عصفور سطح«(أو الحلفاوين) أشهر الأفلام التونسية في العالم العربي والغربي على حد سواء. عمل فريد بوغدير كذلك صحفيا بمجلة»جون أفريك«(أفريقيا الفتاة) منذ سنة 1971 إلى جانب كونه أستاذا بجامعة تونس. اشتهر بوغدير كناقد سينمائي، لاسيما بإصداراته عن السينما الإفريقية والعربية، ومن ضمنها»السنما الافريقية من الألف إلى الياء«و»السينما في افريقيا والعالم«. فاز أول عمل روائي طويل له»عصفور سطح(1990) بعدة جوائز من بينها التانيت الذهبي في أيام قرطاج السينمائية سنة 1990. ومن أفلامه: «نزهة رائقة» (1972)، «كاميرا افريقية» (1983، شريط وثائقي طويل)، «كاميرا قرطاج» (1985، شريط وثائقي طويل)، «كاميرا عربية» (1987، شريط وثائقي متوسط الطول)، «عصفور السطح أو الحلفاوين» (1990، شريط روائي طويل)، «صيف حلق الوادي» (1996، شريط روائي طويل). 1) Tunis au 17 siecle, une cite barbaresque au temps de la course, Editions L Harmattan, Paris, 1989, et Histoire des juifs de Tunisie, des origines a nos jours, Editions L Harmattan, Paris, 1991. 2) E. Pellisier, Description de la regence de Tunisie, Paris, 1853, P. 1986.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©