الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرحّالة.. سُعاةٌ بين الدُّروب

الرحّالة.. سُعاةٌ بين الدُّروب
12 يوليو 2017 19:48
معينة سواء كانت مادية كالتجارة وكسب الرزق أو معنوية كطلب العلم والاستجمام والترويح عن النفس.. وبين التواصل الذي يؤدي دوره بحثاً عن لغة عالمية تسدّ تلك الفجوة بين الحضارات، لغة تحتفظ بهوية الفرد وخصوصيته وترفض الانصهار في الآخر.. ظهر فن مشترك بين الشعوب يصوّر فيه الإنسان الرّحال ما جرى له من أحداث، وعن طريقها يوثق كل ما يحدث له من أمور أثناء رحلته، إنه أدب الرّحلات، ذلك الأدب الذي يسطّر لنا فضول الإنسان ورغبته الجامحة نحو الاستطلاع.. أدب يصوّر فيه الكاتب ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور أثناء رحلته الاستكشافية التي قام بها لأحد البلدان، أدب يدرس طباع الشعوب ليتعرف على عاداتهم وتقاليدهم فيسبر أغوار الأمكنة ليتعرف على خفاياها. يندرج فن الرحلة اليوم تحت سقف الأدب بعد أن ظهر في بداياته التأريخية على أيدي الجغرافيين والمستكشفين، الذين ركزوا اهتمامهم على تسجيل كل ما يقع أمام أعينهم أو كل ما يصل إلى آذانهم من أخبار حتى ولو كان خارج نطاق المعقول.. ولأسباب كثيرة تُعتبر الكتب التي ألّفت في الرحلات من أهم المصادر الثقافية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية، لأن الكاتب فيها أقرب ما يكون من أرض الواقع، فالحقائق التي يعرضها والمعلومات المختلفة التي يدوّنها تكون منقولة من المشاهدة الحية والتصوير المباشر للعيان، وهذا هو السّر وراء المتعة التي نستشعرها وروح التسلية التي تلفّنا عند قراءتنا لرحلة من الرحلات، إضافة إلى التأثير الوجداني ونقل الأحاسيس والعواطف التي يجدها الرحّالة في نفسه ليصبغ بها المشاهد والآثار والصّور، مما يجعل قراءتها غنية وذات قيمة، وبناء عليها توسم الرّحلة بسمة أدبية بدلاً من أن تقف عند حدود التسجيل والتدوين والجمود.. وحتى ترقى المعرفة إلى هذا المستوى من القيمة والغنى الثقافي بين الشعوب فتزدهر وتؤتي ثمارها لا بد أن تنمو في جو من السّلام والودّ والرّغبة في التقارب والحوار لتوثيق التّاريخ.. آليات تواصل لقد دفع الفضول بني البشر - منذ قديم الزّمان - إلى ضرورة التّعرف على الآخر (المتطابق والمختلف في ذات الوقت)، وهذا جعلهم يستحدثون مراكز تهيّئ لهم أدوات السفر وتساعدهم على تقريب وجهات النّظر بين الأفراد والشّعوب على المستوى الضّيق.. وبالتالي الحضارات والدّول على المستوى الواسع ضماناً لإرساء ثقافة إنسانيّة فعّالة لا هيمنة فيها، ورغبة منهم بولادة لغة يفهمها كل العالم.. هي لغة التّواصل بين الألسنة المختلفة، والأجناس المتنوعة، والثّقافات المتعددة والأديان، إنّها لغة التسامح والمحبة. إنّ السّعي لابتكار أداة تواصليّة وإيجاد مراكز تسهّل وتهيّئ السّفر على بني البشر كان من منطلق رغبتهم في المثاقفة والتعرف على الآخر وفتح نافذة التّحاور الإنسانيّ معه، وهذا أثّر وبشكل كبير على أدب الرّحلات، حيث تراجع هذا اللّون من الأدب ليس فقط على مستوى الدول العربية، بل على مستوى العالم على الرغم من أنّنا نعيش حالياً عصر الرّحلات وبجدارة لكن بأدوات مختلفة.. لقد أصبح السّفر اليوم متاحاً لأغلب النّاس والرّحلات (السياحية أصبحت مُجَدْولة) جاهزة وتامة لا وجود فيها لطعم المغامرة والبحث والاستكشاف، فالمسافر بذلك مسيّر لأنّه يذهب إلى مكان أو بلد محدّد يختاره ليجد بعدها كلّ شيء جاهزاً ومخطّطاً له مسبقاً، يبدأ رحلته وكأنها رحلة دبلوماسية لا يزور ولا يرى مما يزور من بلدان سوى ما أريد له أن يرى من أماكن ليعود إلى وطنه بثقافة أضْعَفت بمحتواها أدب الرحلات، والسبب الأكبر هو حرمان المسافر من تجربة عيش الرحلة الحقيقية بكل ما فيها من (تفاصيل وعمق وإثارة واكتشاف) بعد أن فقد الرحّال خصوصيته وأصبح السفر متاحاً وبيُسر للجميع، فبعد أن كان الرّحالة هو من يمسك زمام الأمور ويتأنّى في إصدار الأحكام أصبح اليوم منقاداً بيد منسّقي ومنظمي الرّحلة ليرى كلّ شيء بأعينهم لا بعينه، هذه الثقافة لا تعكس لنا عن السفر سوى أنه أداة للتّسوق أوالترفيه أو الاستجمام، وهذا ما لا نريده، فأدب الرّحلات كالواجهة لأي بلد، أدب يمثّل الثقافة القومية ويسعى بتفاصيله المرصودة إلى وضع الحدود ومعرفة القواسم المشتركة والمختلفة بين الثقافات المتنوعة، فلا أحد ينكر أن ضعف الاتصال الثقافي بين الشعوب قد يؤدي إلى تباغضهم وزيادة النّعرات بينهم، هنا تبرز أهمية أدب الرّحلات، والذي ساهم وكان له الدّور البارز في وضع أولى لبِنات بناء العقل الجمعي العالمي بين الأمم رغم وجود الفجوات بين الدول الغنية والفقيرة إلاّ أن ذلك لم يلْغِ نظام الحوار وشفافية المثاقفة لفهم الآخر والتفاعل معه، فـ«جميل أن أفتح نافذتي كل صباح لأتنشق نسائم عليلة من أجواء بعيدة مختلفة شرط ألا تقتلعني من جذوري»، وهذا لن يتأتّى بسهولة، بل يتطلب من الفرد أن يكون على درجة عالية من القدرة على الملاحظة والتحليل. إنّ المطّلع على أدب الرحلات وبعمق سيعرف أن هناك العديد من الكتب نشرت بل وأدرجت تحت مظلة أدب الرحلات رغم اختلافها في المنهجية والأسلوب والغرض من كتابتها وحتى الجمهور الموجّه له، قد يتساءل أحدهم إذن ما الذي يربط هذه الكتابات رغم اختلافها ليجعلها تحت أدب الرّحلات؟ هناك عامل مشترك يربط بينها وهو أنها كتابات لأشخاص يصفوا رحلاتهم التي قاموا بها لسببٍ ما وفي بلدٍ ما، وقد تخضع هذه الكتابات في بعض الأحيان لعنصر المبالغة في الوصف مما يغرقها في الخيال والخرافة مثل: رحلة السّندباد البحري (قصص خيالية شعبية)، ملحمة جلجامش البابليّة - أقدم الأعمال الأدبية في التاريخ وقد ترجمت إلى لغات عدّة &ndash، وملحمة الأوديسا الإغريقية... وغيرها من الأعمال الأدبية الملحمية التي صنّفت تحت أدب الرحلات، لأنّ البطل فيها هو الذي يسافر ويتنقّل من مكان إلى آخر لتحقيق هدف معيّن، وهذا بحد ذاته يفجّر لنا سؤالاً آخر مفاده هل أدب الرحلات في ذلك الوقت كان موضوعياً أم أنّه يفتقر لعنصري الأمانة العلمية والنقد التحليلي؟ بصمة خاصة لكل بلدة من البلدان لمسة و(بصمة) لا يمكننا إغفالها.. لذا يتوجب علينا معرفة قدر الطرف الآخر وأهمية منجزاته الحضارية دون التقليل منها ودون الانبهار لدرجةٍ توقعنا في العمى الثقافي، مما ينتج عنه عمى أيديولوجي، ولن يتأتى لنا ذلك إلا بامتلاكنا وسائل الاتصال المؤدية لهذه المعرفة ومن بينها أدب الرحلات، والذي ساهم وبشكل فعّال في ترسيخ صور العديد من البلدان في الذاكرة الجماعية لبني الإنسان، ذلك أن الرحلات تحوي كماً لا يستهان به من المدونات التي تَمُت إلى الجغرافيا والتاريخ بأوثق الصّلات ففيها يذكر كاتبوها ما عانوهُ من ألوان المتاعب، وفيها صور وتقارير وافية عن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والعمرانية للبلدان التي يتم السفر إليها والتعرّف على معالمها الأثرية ووصف أصقاعها وأقطارها. لقد كانت تعابير الرّحالة في مدوّناتهم سهلة ولغتهم قريبة من القلب، أسلوبهم ناضج بغنى التجربة الشخصية لقربهم من المواقف رغم اختلاف أدوات الكتابة سابقاً، فمن الشعوب من لجأت إلى استخدام الرسوم والنقوش ليسطّروا أسفارهم وأخبارهم، ومنهم من جاب البحار ملاحةً ليتفاعل مع من حوله استكشافاً حتى أخذت هذه الرّحلات تنحى منحى أكثر موضوعية لتؤكد للأجيال رغبة الإنسان الملحّة في إرساء ثقافة التوافق والتناغم مع الآخر.. ومع التطوّرات الوافدة والتغيرات المتسارعة في التكنولوجيا أصبحنا نعيش عصر الضجّة الإلكترونية حيث وسائل التواصل الاجتماعي التي أحدثت ثورة لا يستهان بها ولا ينكرها أحد، ليجوب الإنسان العالم بأزقّته في وقت قصير وهو من مكانه يرى ما تداوله الناس في رحلاتهم من صور ومقاطع حيّة ومباشرة وعبارات مدوّنة عن تلك الأمكنة... وهذا بطبيعة الحال أدى إلى تراجع أدب الرحلات بتفاصيله التي تثري شخصية الإنسان وتدفعه للتّفكر والتّدبر والتّأمل في فسحة هذا الكون. خصائص إن المهتم أو من لديه شغف هذا اللون من الأدب سيرى أن هناك خصائص تصبغ أدب الرحلات، فهي عادة ما تحتوي على مجموعةٍ من القصص والأحداث التي تساهمُ في نقلِ صورٍ تاريخيّة للقراء، يصفُ الكاتب فيها طبيعة ومراحل الرحلة التي قام بها، كما يقوم بتسجيل المعلومات الجغرافيّة حول المناطق الجديدة، ينقلُ وصفاً دقيقاً عن العادات السائدة عند سكان المنطقة التي زارها وطباع الناس فيها وطبقاتهم وألوانهم وانتماءاتهم وصفاتهم ولغاتهم يسرد لنا قصصاً حول شخصيات حقيقية، يتحدث عن معابدهم ومساجدهم وعلمائها، مدارسهم ومعلّميها، مشافيهم وأطبائها، كما يتطرّق إلى العمران والطبيعة بتضاريسها.. ونلاحظ أيضاً أن بعض الرّحالة اهتموّا في كتاباتهم بأمور متعلقة بكيفية الاستعداد للرحلة وتجهيز الخرائط وذكر الصعوبات.. تحدّثوا عن اقتصاد البلدان وعن التبادل التّجاري والصّناعة والزّراعة، ونقلوا التّاريخ بصورة واقعية، إنّ أدب الرحلات سجل حقيقي لمظاهر الحياة المختلفة ومفاهيم أهلها علي مرّ العصور، يقدّم فيها الرحالة أحوال المجتمعات، وعادات النّاس، وتقاليدهم، وملابسهم، وأطعمتهم، وأشربتهم وشعائرهم الدينية لكن بأسلوب أدبي، لذلك فهي تعتبر وثائق مهمة تصوّر الحياة في أزمنة مختلفة، ويؤكد ذلك ما جاء في (كتب الرحلات في المغرب الأقصى) أن: الرحلات هي بمثابة مصادر شاملة سجّلت فيها جوانب متعددة فيما يخص الجوانب الحضارية على امتداد أزمنة متتالية، فالرحلة تتطلب اتساع المعارف وتنوعها، لأنها تستخدم الجغرافيا، وتستند إلى التاريخ عند التعرض لوصف المسالك والمدن والمعالم وبدايات الأمور، بل ورصد الظواهر الاجتماعية غير المألوفة لديهم، وكذلك الاقتصادية، ويتبعها السّياسية بنسب متفاوتة وعرض ذلك بزي الأدب وطابعه وما تحويه من نزعة قصصيّة. أضف إلى ذلك أنّ الرحلة التي يقوم بها الرّحالة تهذّب من سلوكهم وتعمل على تدعيم علاقاتهم الاجتماعية بالآخرين، تدربهم على الصبر والاعتماد على النفس، تصقل وعيهم وتعمل على توسيع مداركهم وإكسابهم المزيد من المهارات والأهم من ذلك تحفيزهم على العمل بروح الجماعة والفريق الواحد والتعرّف إلى مختلف الحضارات والتقنيات والثقافات والاستفادة منها.  إذن فالرحلة متصلة بتاريخ الإنسان منذ أقدم العصور، والحياة فلسفة بطبيعتها من بدايتها وحتى النهاية، هي رحلة ونحن فيها الرحالة العابرون، فالإنسان يرتحل من رحم أمّه إلى هذه الحياة الدنيا ثم ينتقل من مرحلة الطفولة إلى الشيخوخة، وهكذا من الدنيا إلى الآخرة.. ينتقل ويرتحل من مكان إلى مكان آخر.. إنّ حاجة الإنسان إلى الرحلة واضحة لا تخفى على أحد منا. تجوال إلكتروني مع التطوّرات الوافدة والتغيرات المتسارعة في التكنولوجيا أصبحنا نعيش عصر الضجّة الإلكترونية حيث وسائل التواصل الاجتماعي التي أحدثت ثورة لا يستهان بها ولا ينكرها أحد، ليجوب الإنسان العالم بأزقّته في وقت قصير وهو من مكانه يرى ما تداوله الناس في رحلاتهم من صور ومقاطع حيّة ومباشرة وعبارات مدوّنة عن تلك الأمكنة، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى تراجع أدب الرحلات بتفاصيله التي تثري شخصية الإنسان وتدفعه للتّفكر والتّدبر والتّأمل في فسحة هذا الكون. شتان بين السياحة والتّرحال فقد الرحّال خصوصيته بعد أن أصبح السفر متاحاً وبيُسر للجميع.. فبعد أن كان الرّحالة هو من يمسك زمام الأمور ويتأنّى في إصدار الأحكام أصبح اليوم منقادا بيد منسّقي ومنظمي الرّحلة ليرى كلّ  شيء بأعينهم لا بعينه، هذه الثقافة لا تعكس لنا عن السفر سوى أنه أداة للتّسوق أو الترفيه أو الاستجمام، وهذا ما لا نريده، فأدب الرّحلات كالواجهة لأي بلد، أدب يمثّل الثقافة القومية ويسعى بتفاصيله المرصودة إلى وضع الحدود ومعرفة القواسم المشتركة والمختلفة بين الثقافات المتنوعة. ماذا عن الموضوعية؟ إنّ المطّلع على أدب الرحلات وبعمق سيعرف أن هناك العديد من الكتب نشرت، بل وأدرجت تحت مظلة أدب الرحلات رغم اختلافها في المنهجية والأسلوب والغرض من كتابتها وحتى الجمهور الموجّه له، قد يتساءل أحدهم إذن ما الذي يربط هذه الكتابات رغم اختلافها ليجعلها تحت أدب الرّحلات؟ هناك عامل مشترك يربط بينها، وهو أنها كتابات لأشخاص يصفون رحلاتهم التي قاموا بها لسببٍ ما وفي بلدٍ ما، وقد تخضع هذه الكتابات في بعض الأحيان لعنصر المبالغة في الوصف مما يغرقها في الخيال والخرافة مثل: رحلة السّندباد البحري، ملحمة جلجامش، ملحمة الأوديسا... وغيرها من الأعمال الأدبية الملحمية التي صنّفت تحت أدب الرحلات، لأنّ البطل فيها هو الذي يسافر ويتنقّل من مكان إلى آخر لتحقيق هدف معيّن، وهذا بحد ذاته يفجّر لنا سؤالاً آخر مفاده: هل أدب الرحلات في ذلك الوقت كان موضوعياً أم أنّه يفتقر لعنصري الأمانة العلمية والنقد التحليلي؟ ............................ * باحثة وناقدة إماراتية  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©