معينة سواء كانت مادية كالتجارة وكسب الرزق أو معنوية كطلب العلم والاستجمام والترويح عن النفس.. وبين التواصل الذي يؤدي دوره بحثاً عن لغة عالمية تسدّ تلك الفجوة بين الحضارات، لغة تحتفظ بهوية الفرد وخصوصيته وترفض الانصهار في الآخر.. ظهر فن مشترك بين الشعوب يصوّر فيه الإنسان الرّحال ما جرى له من أحداث، وعن طريقها يوثق كل ما يحدث له من أمور أثناء رحلته، إنه أدب الرّحلات، ذلك الأدب الذي يسطّر لنا فضول الإنسان ورغبته الجامحة نحو الاستطلاع.. أدب يصوّر فيه الكاتب ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور أثناء رحلته الاستكشافية التي قام بها لأحد البلدان، أدب يدرس طباع الشعوب ليتعرف على عاداتهم وتقاليدهم فيسبر أغوار الأمكنة ليتعرف على خفاياها.
يندرج فن الرحلة اليوم تحت سقف الأدب بعد أن ظهر في بداياته التأريخية على أيدي الجغرافيين والمستكشفين، الذين ركزوا اهتمامهم على تسجيل كل ما يقع أمام أعينهم أو كل ما يصل إلى آذانهم من أخبار حتى ولو كان خارج نطاق المعقول.. ولأسباب كثيرة تُعتبر الكتب التي ألّفت في الرحلات من أهم المصادر الثقافية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية، لأن الكاتب فيها أقرب ما يكون من أرض الواقع، فالحقائق التي يعرضها والمعلومات المختلفة التي يدوّنها تكون منقولة من المشاهدة الحية والتصوير المباشر للعيان، وهذا هو السّر وراء المتعة التي نستشعرها وروح التسلية التي تلفّنا عند قراءتنا لرحلة من الرحلات، إضافة إلى التأثير الوجداني ونقل الأحاسيس والعواطف التي يجدها الرحّالة في نفسه ليصبغ بها المشاهد والآثار والصّور، مما يجعل قراءتها غنية وذات قيمة، وبناء عليها توسم الرّحلة بسمة أدبية بدلاً من أن تقف عند حدود التسجيل والتدوين والجمود.. وحتى ترقى المعرفة إلى هذا المستوى من القيمة والغنى الثقافي بين الشعوب فتزدهر وتؤتي ثمارها لا بد أن تنمو في جو من السّلام والودّ والرّغبة في التقارب والحوار لتوثيق التّاريخ..
آليات تواصل
![]() |
|
![]() |
إنّ السّعي لابتكار أداة تواصليّة وإيجاد مراكز تسهّل وتهيّئ السّفر على بني البشر كان من منطلق رغبتهم في المثاقفة والتعرف على الآخر وفتح نافذة التّحاور الإنسانيّ معه، وهذا أثّر وبشكل كبير على أدب الرّحلات، حيث تراجع هذا اللّون من الأدب ليس فقط على مستوى الدول العربية، بل على مستوى العالم على الرغم من أنّنا نعيش حالياً عصر الرّحلات وبجدارة لكن بأدوات مختلفة..
![]() |
|
![]() |