الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدّولة المارقة

الدّولة المارقة
12 يوليو 2017 19:41
ينبغي أن نتوقّف قليلا أمام مفهوم «الدّولة المارقة» (ويسمّى rogue state بالإنجليزيّة وétat voyou بالفرنسيّة). وهو مفهوم غريب لأنّه نشأ في ثمانينيّات القرن الماضي، لمّا استعمله لأوّل مرّة الرّئيس الأميركي رونالد ريغن Ronald Reagan ليصف به نظام العقيد معمّر القذّافي وسياسته في ليبيا. ولكنّ المعنى الأوّل في تحديد مفهوم «الدّولة المارقة» كان يقوم على المخاطر الّتي تهدّد الأمن القوميّ والمصالح الأمريكيّة. وهذا المعنى قريب جدّا من نعت «إمبراطوريّة الشّرّ» الّذي استعمله ريغن في وصف الاتّحاد السّوفياتيّ في نفس الفترة تقريبا. كان ينبغي انتظار سنة 1994 حتّى نعثر على التّحديد الواضح لمفهوم «الدّولة المارقة». وكان ذلك بفضل مستشار الأمن القومي أنطوني لايك Anthony Lake في عهد الرّئيس بيل كلينتون Bill Clinton. فقد عرّف «الدّول المارقة» بأنّها الدّول الّتي تجد عجزا مزمنا في التّعامل مع العالم الخارجيّ. وقد ضبط أربعة معايير في تشخيص هذا العجز هي: 1 - محاولة الحصول على أسلحة الدّمار الشّامل. 2 &ndash مساندة التّنظيمات الإرهابيّة (إمّا بتمويلها وتسليحها، أو إيواء الإرهابييّن وتدريبهم...). 3 &ndash سوء معاملة الشّعوب الّتي تحكمها.  4 &ndash معاداة واضحة وصريحة للولايات المتّحدة الأمريكيّة.  وكانت الغاية من ضبط هذه المعايير هو تحديد ملامح السّياسة الخارجيّة الأمريكيّة للضّغط على كلّ «دولة مارقة» حتّى تغيّر من نظامها أو تحملها على انتهاج سياسة خارجيّة مختلفة. غير أنّ التّسمية ذاتها قد تعرّضت مع مادلين أولبرايت Madeleine Albright لبعض التّعديل سنة 2000، فأصبحت تستعمل تسمية «الدّول المثيرة للقلق» (states of concern بالإنجليزيّة) بديلا من مصطلح «الدّول المارقة» طوال الأشهر السّتّ الأخيرة من رئاسة كلينتون. ولكن ما أن تولّى كولن باول Colin Powell منصب وزير الخارجيّة في رئاسة جورج بوش الابن حتّى استعاد التّسمية القديمة. ومهما يكن الأمر فإنّ عبارة «الدّولة المارقة» تحيل على دولة لا تحترم القوانين الدّوليّة الأساسيّة، وذلك بتنظيم الاغتيالات والعمليات الإرهابيّة أو مساعدتها، وانتهاك حقوق الإنسان. وقد استعملتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة وبعض حلفائها مثل بريطانيا لاتّهام دول تساعد الإرهاب الدّولي وتمتلك أو تصبو إلى امتلاك أسلحة الدّمار الشّامل. توظيفات أخرى تستعمل تسمية (الدولة المارقة) أحيانا على الصّعيد الاقتصاديّ والاجتماعيّ. فقد وصفت الصّحافة الأمريكيّة بلدانا كثيرة كالصّومال والسّودان وزمبابواي واليونان بأنّها دول مارقة لمّا عجزت عن تسديد ديونها لصندوق النّقد الدّوليّ. غير أنّ هجمات 11 سبتمبر 2001 قد دفعت الإدارة الأمريكيّة إلى التّصلّب والتّشدّد في مواقفها. فقد نشرت يوم 16 من سبتمبر 2001 قائمة ضمّت ستّ دول مارقة هي: كوريا الشّماليّة وباكستان والعراق وإيران وأفغانستان وليبيا. وقد ظلّت هذه التّسمية مستعملة في البلاغة السّياسيّة الأمريكيّة حتّى عوّضها الرّئيس بوش بعبارة «محور الشّرّ» الرّائجة في أوساط المحافظين الجدد، وذلك في خطابه 2002 الّذي ألقاه في واشنطن بالكابيتول ليعرض برنامجه السّنويّ. وقد مثّلت مفاهيم «محور الشّرّ» و«الدّول المارقة» وغيرها الأساس الإيديولوجيّ الّذي سوّغ للولايات المتّحدة التّدخّل في أفغانستان ثمّ العراق. ولم تبق قائمة الدّول المارقة ثابتة. فقد شطبت باكستان منها لما أظهرته من تعاون مع الإدارة الأمريكيّة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. كذلك شطبت أفغانستان ثمّ العراق من تلك القائمة بعد أن اجتاحتهما الولايات المتّحدة. وسحبت ليبيا منها بعد تنازلات معمّر القذّافي وما بذله من جهود ديمقراطيّة. ولكن في المقابل اعتبرت الحكومة الأمريكيّة بلدانا مثل كوبا والسّودان وفنزويلا دولاً مارقة. انتقاد القائمة الأميركية وقد تعرّضت هذه القائمة الأمريكيّة لردود فعل متباينة، من ذلك أنّ تسمية «الدّولة المارقة» قد كانت مطّردة الاستعمال عند المشنّعين بالسّياسة الإسرائيليّة ومناوئيها. بل إنّ منتقدي السّياسة الأمريكيّة الخارجيّة قد فضحوا استعمال هذه التّسمية الّتي تُشهر ضدّ كلّ نظام معاد للولايات المتّحدة الأمريكيّة دون أن يكون بالضّرورة مهدّدا فعليّا لأمن أميركا ومصالحها. ومن أبرز هؤلاء المنتقدين الكاتب الأمريكيّ ويليام بلوم William Blum الّذي ألّف كتابا اشتهر كثيرا نُقل إلى العربيّة بعنوان «الدّولة المارقة، دليل إلى الدّولة العظمى الوحيدة في العالم» تتمثّل أطروحته الرّئيسيّة في أنّ مفهوم «الدّولة المارقة» ينطبق على الولايات المتّحدة قبل غيرها من الدّول، لأنّها بلد يمارس التّعذيب، ويتدخّل عسكريّا في كلّ بلدان العالم دون تفويض من منظّمة الأمم المتّحدة، ويساند أنظمة ديكتاتوريّة، ولا يحترم اتّفاقيّات كيوتو للتلوّث. أمّا نعوم تشومسكي Noam Chomsky فقد ألّف كتابا نُقل أيضا إلى العربيّة بعنوان «الدّولة المارقة، استخدام القوّة في الشّؤون العالميّة». وقد بَنى تشومسكي نقده لمفهوم «الدّولة المارقة» على انتهاك ميثاق الأمم المتّحدة الّذي اُعتُرف به بوصفه أساسا للقانون الدّولي والنّظام العالمي. وقد جاء في هذا الميثاق أنّ «مجلس الأمن يحدّد وجود أيّ تهديد للسّلام، أو أيّ عمل عدوانيّ، ويقوم بالتّوصيات، أو يقرّر ما الإجراءات الّتي ينبغي اتّخاذها وفق المادّتين 41 و42» اللّتين تفضّلان «الإجراءات الّتي لا تتضمّن القوّة المسلّحة». والاستثناء الوحيد هو المادّة 51 الّتي تسمح «بحقّ الدّفاع الفردي أو الجماعي عن الذّات» ضدّ «هجوم مسلّح... إلى أن يتّخذ مجلس الأمن الإجراءات الضّروريّة لحفظ السّلام والأمن العالميّين.». وبغضّ النّظر عن هذه الاستثناءات، يجب على الدّول الأعضاء «أن تمتنع عن التّهديد أو استخدام القوّة في علاقاتها الدّوليّة». أمّا الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا فقد أصدر بدوره سنة 2003 كتابا عنوانه «المارقون، مقالتان في العقل» تعرّض فيه بالنّقد لمفهوم «الدّولة المارقة» معتمدا في تعريفه على روبار ليتواك Robert S. Litwak الّذي رأى «أنّ»الدّولة المارقة«إنّما هي الدّولة الّتي تعتبرها الولايات المتّحدة مارقة»، مستخلصا من هذا التّعريف أنّ حجّة القويّ هي دائما الأفضل لأنّها تخدم مصلحته وإن كان ذلك بانتهاك القانون. آية ذلك أنّ دولة باكستان لم تحترم اتّفاقيّة السّلاح النّوويّ لمّا استوردت تكنولوجيّات الأسلحة النّوويّة، ورغم ذلك فإنّها لم تدرج في القائمة الأمريكيّة للدّول المارقة، لأنّها قد تعاونت مع الولايات المتّحدة في حربها على الإرهاب. من يملك الوصف؟ يقودنا التّعريف الأخير إلى التّساؤل التّالي: من يمتلك حقّ وصف دولة من الدّول بأنّها مارقة؟ ولهذا السّؤال وجاهته. فالأحداث الأخيرة الّتي يشهدها العالم تدفع كلّ متابع للشّأن السّياسيّ بالمنطقة إلى التّفكير والتّأمّل: هل يمكن اعتبار تهمتي دعم الإرهاب والتّنظيمات الإرهابيّة، وتهديد الأمن القومي شرطا كافيا يسوّغ تصنيف دولة ما ضمن قائمة «الدّول المارقة»؟  في كلّ الأحوال ينبغي أن نستنتج من كل ما يجري أنّ «العدوّ» لم يعد ممثّلا، كما كان، في إمبراطوريّة الشّرّ، أي في وحدة ترابيّة، ومجال محدّد (دولة أو مجموعة من الدّول)، وإنّما أضحى شبكة عالميّة غير شرعيّة خارجة عن القانون وسرّيّة وشبه افتراضيّة ومتعصّبة دينيّا. وهي فوق كلّ ذلك وحدة مجرّدة من كلّ أساس قانونيّ وضعيّ. فهذا التّنظيم الجديد يعلن نهاية القانون الدّوليّ الّذي تحكّم منذ الحداثة في العلاقات بين الدّول. ولكنّه يعلن من ناحية أخرى ظهور نوع جديد من الدّول هي: الدّول المارقة. نهاية القانون الدولي ينبغي أن نستنتج أنّ «العدوّ» لم يعد ممثّلا، كما كان، في إمبراطوريّة الشّرّ، أي في وحدة ترابيّة، ومجال محدّد (دولة أو مجموعة من الدّول)، وإنّما أضحى شبكة عالميّة غير شرعيّة خارجة عن القانون وسرّيّة وشبه افتراضيّة ومتعصّبة دينيّا. وهي فوق كلّ ذلك وحدة مجرّدة من كلّ أساس قانونيّ وضعيّ. فهذا التّنظيم الجديد يعلن نهاية القانون الدّوليّ الّذي تحكّم منذ الحداثة في العلاقات بين الدّول. ولكنّه يعلن من ناحية أخرى ظهور نوع جديد من الدّول هي: الدّول المارقة. تشومسكي: انتهاك ميثاق الأمم المتحدة هو الفيصل نعوم تشومسكي Noam Chomsky صاحب كتاب «الدّولة المارقة، استخدام القوّة في الشّؤون العالميّة» بَنى نقده لمفهوم «الدّولة المارقة» على انتهاك ميثاق الأمم المتّحدة الّذي اُعتُرف به بوصفه أساسا للقانون الدّولي والنّظام العالمي. وقد جاء في هذا الميثاق أنّ «مجلس الأمن يحدّد وجود أيّ تهديد للسّلام، أو أيّ عمل عدوانيّ، ويقوم بالتّوصيات، أو يقرّر ما الإجراءات الّتي ينبغي اتّخاذها وفق المادّتين 41 و42» اللّتين تفضّلان «الإجراءات الّتي لا تتضمّن القوّة المسلّحة». والاستثناء الوحيد هو المادّة 51 الّتي تسمح «بحقّ الدّفاع الفردي أو الجماعي عن الذّات» ضدّ «هجوم مسلّح... إلى أن يتّخذ مجلس الأمن الإجراءات الضّروريّة لحفظ السّلام والأمن العالميّين». أنطوني لايك: هذه معايير المروق أنطوني لايك Anthony Lake مستشار الأمن القومي في عهد الرّئيس بيل كلينتون، عرّف «الدّول المارقة» بأنّها الدّول الّتي تجد عجزا مزمنا في التّعامل مع العالم الخارجيّ. وقد ضبط أربعة معايير في تشخيص هذا العجز هي:  1 - محاولة الحصول على أسلحة الدّمار الشّامل.  2 &ndash مساندة التّنظيمات الإرهابيّة (إمّا بتمويلها وتسليحها، أو إيواء الإرهابييّن وتدريبهم...). 3 &ndash سوء معاملة الشّعوب الّتي تحكمها.  4 &ndash معاداة واضحة وصريحة للولايات المتّحدة الأمريكيّة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©