الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسلمو فرنسا··· هجرة هادئة إلى المدارس الكاثوليكية

مسلمو فرنسا··· هجرة هادئة إلى المدارس الكاثوليكية
5 أكتوبر 2008 00:40
خلال الأسبوع الماضي كانت الكافيتريا في مدرسة سانت مورون الكاثوليكية هادئة على نحو لافت: ذلك أن الشهر آنذاك هو رمضان، و80 في المئة من التلاميذ مسلمون· وتقول ''نادية ولان''، وهي تلميذة في الرابعة عشرة من عمرها من أصل جزائري تخفي شعرها تحت حجاب أسود: ''ثمة احترام لديننا هنا··· أما في المدرسة الحكومية (مشيرة بأصبعها إلى بناية مجاورة)، فلن يُسمح لي بارتداء الحجاب''· في فرنسا، التي تتوافر على أربع مدارس إسلامية فقط، أصبحت بعض مدارس البلاد الكاثوليكية الـ8847 ملجأ للمسلمين الباحثين عما يفقتر إليه قطاع عام علماني مثقل بالمشاكل في أحيان كثيرة: بيئة دينية حيث الأخلاق الجيدة مهمة أهمية الرياضيات والمعايير الأكاديمية العالية· وإذا كانت لا توجد إحصائيات وطنية، فإن التربويين المسلمين والكاثوليك يقدرون أن التلاميذ المسلمين يشكلون اليوم أكثر من 10 في المئة من أصل المليوني تلميذ الذين يدرسون في المدارس الكاثوليكية· على أن النسبة في الأحياء المختلطة عرقياً في مرسيليا والشمال الصناعي يمكن أن تكون أكثر من النصف· وتُبرز الهجرة الهادئة للمسلمين إلى المدارس الكاثوليكية الخاصة كيف أصبح من الصعب بالنسبة للمدارس الحكومية، التي طالما شكلت وسيلة الاندماج في فرنسا، الوفاء بوعد تكافؤ الفرص· فتقليدياً، شكلت المدرسة الجمهورية، التي خرجت من رحم الثورة الفرنسية، البيئة المنتجة للمواطنين· واليوم، يعد التحول من هذه المدارس مؤشراً آخر على التحدي الذي يواجه العلمانية في فرنسا· فبعد قرون من الحروب الدينية وفترة طويلة من النزاع بين الجمهورية الناشئة وكهنوت يريد فرض نفسه وتأكيد مكانته، كفل قانون اعتُمد في 1905 الحرية الدينية في فرنسا ذات الأغلبية الكاثوليكية، وسحب في الوقت نفسه الدعم المالي والاعتراف الرسمي من كل الأديان· كما حُظرت التربية والرموز الدينية من المدارس الحكومية· تعد فرنسا اليوم موطن نحو خمسة ملايين مسلم، أي أكبر جالية مسلمة في أوروبا الغربية؛ ونتيجة لذلك، تحدث تصدعات جديدة· ففي 2004 مثلًا أثار حظر لارتداء الحجاب في المدارس الحكومية تنديداً وجدلًا حول تأويل قانون ·1905 وفي هذا الإطار، يقول إمام صهيب بنشيخ، مفتي مرسيليا السابق ومؤسس ''المعهد العالي للدراسات الإسلامية'': لقد أصبحت العلمانية دين الدولة، والمدرسة الجمهورية معبدها''، مضيفاً ''إنه أمر مثير للسخرية··· ولكن المدرسة الكاثوليكية اليوم باتت أكثر تسامحاً مع الإسلام -ومعرفة به - من الدولة الفرنسية''· ما يميز المدارس الكاثوليكية عن المدارس الحكومية الفرنسية اليوم هو الحرية التي تتمتع بها بخصوص السماح للفتيات بارتداء حجاب الرأس· فالكثير منها يحترم الحظر الذي فرضته الدولة؛ ولكن عدداً منها، مثل سانت مورون، تسمح بغطاء الرأس· فهذه المدرسة تجسد في الواقع التحولات التي طالت المجتمع الفرنسي على مدى القرن الماضي· فقد أسست المدرسة عام 1905 في مصنع سابق للصابون، واستقبلت في البداية التلاميذ الكاثوليك الذين لديهم آباء فرنسيون بالأساس، كما يقول المدير جون شامو· وقبل الحرب العالمية الثانية، قدم المهاجرون الإيطاليون وبعض البرتغاليين؛ ومنذ عقد الستينيات، جاء دور الأفارقة القادمين من المستعمرات الفرنسية السابقة· واليوم، يستطيع المرء بالكاد رؤية وجه أبيض من بين تلاميذ المؤسسة الـ·117 يعمل شامو، وهو رجل بشوش بطيء الحركة، في المدرسة منذ عشرين عاماً؛ ويبدو أنه يعرف كل تلميذ بالاسم· وأخذ شامو يعدد محاسن وإيجابيات المدارس الكاثوليكية وقال: ''إننا نمارس الحرية الدينية؛ أما المدارس الحكومية، فلا· ونحن نتبع المنهاج التعليمي الوطني· أما الأنشطة الدينية، فهي اختيارية بالكامل''· ويضيف شامو قائلًا :''لو قمت بحظر حجاب الرأس، لامتنع نصف الفتيات عن الذهاب إلى المدرسة· ولذلك، أفضل أن يأتين إلى هنا، ونتحدث، ونخبرهن بأنهن يملكن حق الاختيار· والحقيقة أن العديد منهن يتوقفن عن ارتدائه بعد فترة من الوقت· ولكن هدفي هو أن يقمن باختيار واع بحلول موعد تخرجهم، سواء في هذا الاتجاه أو ذاك''· شامو يشتبه في أن بعض التلميذات (أقلية قليلة، مثلما قال) يرتدين الحجاب بسبب ضغوط من العائلة· كما اعترف بأن الآباء يطلبون في كثير من الحالات إعفاء بناتهم من دروس السباحة، واللاتي يقدمن، حين يرفض طلبهن، شهادة طبية تفيد بعدم لياقتهم البدنية· ومما يجدر ذكره في هذا الإطار أن أحد أساتذة الأحياء في مدرسة سانت مورون واجه تحدياً كبيراً من قبل التلاميذ المسلمين بخصوص نظرية داروين حول التطور؛ بينما يشــــــهد درس التاريخ عادة سجالًا قوياً أثناء مناقشة مواضيع مثل الحروب الصليبية أو النزاع الإسرائيلي الفلسطيني· غير أن ''شامو'' أكد أن المدرسة تتعامل بسرعة وحزم مع التعليقات المهينة أو المسيئة، ولكنها في الوقت نفسه تحترم الإسلام؛ حيث تأخذ العطلات الإسلامية في عين الاعتبار عند تحديد موعد اجتماعات الآباء مع الأساتذة· كما أنها شرعت منذ عامين في تقديم دروس اختيارية للغة العربية - لأسباب من من بينها الرغبة في ثني التلاميذ عن الذهاب إلى المدارس القرآنية في الأحياء وتعلمهم التفسيرات المتطرفة للدين· وحين سئلت زهرة حنان، وهي والدة تلميذة مسلمة، عن سبب اختيارها مدرسة كاثوليكية لابنتها صابرينا، كان جوابها سريعا: ''إننا نشترك في الإله نفسه''· كاترين بينهولد- مرسيليا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©