الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلام المناطقي

30 ابريل 2011 21:20
تعيش المجتمعات النائية غالباً وتيرة حياة أهدأ وأكثر صفاء للذهن من حياة المدينة. وعلى الرغم من زحف التكنولوجيا الرقمية إلى جميع أنحاء العالم، إلا أن الحرمان والفارق الرقمي بين الحالتين يبقى سمة تميزهما على الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل الذي لم يعد يحتاج لبنية تحتية صعبة ومكلفة، كما كان الحال لدى الاعتماد أكثر على الاتصالات السلكية. والسبب الرئيس في ذلك هو جانب الجدوى الاقتصادية التي تنظر إليها الشركات ذات العلاقة، والمبنية بشكل أساسي على ضعف كثافة المستخدمين المحتملين في الأرياف بشكل لا تكون هدفاً مغرياً للباحثين عن الأرباح السريعة. لا شك أن المناطق الريفية من دون طفرة الاتصالات الرقمية لها ميزاتها أيضاً، وقد تكون ملجأ لا بد منه لأبناء المدن في بعض مجتمعات الرخاء التي يبحث القادرون فيها عما يسمى «البيت الثاني»، لكن حالة التفاوت الرقمي بين المدن والأرياف في المجتمعات النامية تختلف جداً، فهي ليست مسألة اختيار وإرادة، خاصة وأن الأرياف في مثل هذه المجتمعات تعيش فقراً إعلامياً (ذاتياً) شبه شامل، لا تخفف الحاجة إليه أنماط العلاقات والأخلاق، ومهما بقيت بعيدة عن آليات العولمة واعتمادها على الإنتاج «الحقيقي» المبني على الزرع والحصاد والتجارة المباشرة من دون وسطاء، وعلى مقايضة السلع والخدمات أحياناً. وحتى عهد قريب كانت ترتكز مثل هذه المناطق على الاتصال الشخصي بكل حسناته ومصاعبه. الإشكالية تنشأ عندما توضع هذه المناطق فجأة في مواجهة العصر الرقمي، من دون مرحلة انتقالية ومن دون مشاركة وقدرة على التأثير في محتوى التدفق الإعلامي الذي تهيمن عليه غالباً التوجهات المدنية. حتى قبل الطفرة الرقمية كانت هذه المناطق تعيش هوة إعلامية في هذه المحاور الثلاث، ومن هنا نشأت قبل سنوات مبادرات تحاول التصدي لهذا التفاوت من زاوية تنموية، منها مثلاً مبادرة منظمة اليونسكو للاهتمام بالإعلام المناطقي في الدول الأقل نمواً. ولكنه اهتمام بدا متأخراً حالما بدأت الطفرة الرقمية، وقبل أن يتمكن مثل هذا الإعلام من الوقوف على رجليه وامتلاك عناصر المقاومة والمنافسة. والمفارقة البارزة أن الدول الأكثر نمواً وثراء تبدو أكثر اهتماماً بالإعلام المناطقي، وغالبا ما تنتشر في بعضها صحف وإذاعات البلدة والمقاطعة والمنطقة. بل إن بعض الشركات الإعلامية الضخمة استطاعت تطوير إعلامها المناطقي، حتى أصبح مورداً رئيسياً لعوائدها وأرباحها. لكن في الدول الأقل نمواً، يجري ما يشبه المعركة من طرف على عالم الريف في غفلة عنه أي من دون مشاركته. ومن هنا تنبع ضرورة إيجاد نوع من الفرصة لهذه المناطق بشكل لا يجعل إرادتها مهمشة كلياً، ويحفظ بعض ميزاتها في وقت واحد. أي أن الإعلام المناطقي اصبح في مثل هذه المجتمعات أكثر ضرورة من قبل لأجل مناطقه من خلال نوع من التكافؤ في التعبير الذاتي، ومن أجل اكتشافات أخرى نادرة. لقد كان لي تجربة غنية مع مثل هذا الإعلام لسنوات، خلالها اكتشفت عن قرب الطاقات والأفكار والمشاعر الهائلة التي ينطوي عليها «الريف» بمجرد أن تتاح له الفرصة. ومع ضحالة الأفكار والمشاريع الإعلامية الجديدة، بمحتواها ونفسها وروحها، رغم التقدم كل التكنولوجي، وإلى حد الجدب أحياناً، سيكون مثل هذا الإعلام - يوماً ما - أرضاً خصبة للاكتشاف والمبادرة والتطوير ،ومفتاحاً ما زال مخفياً من مفاتيح التنمية المتعثرة، حتى لو كانت جدواه الاقتصادية مشوبة بكثير من المغامرة، وكانت منافسته مع الشبكات الإعلامية الكبرى محفوفة بكثير من المخاطر. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©