الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تَرِكة أوباما.. مكاسب وانتقادات!

20 يناير 2017 23:10
عندما قرر باراك أوباما ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية عام 2008، كان على دراية تامة بأن أميركا لم تشهد انتخاب رئيس «ديمقراطي» تميز بنجاح كبير منذ عقود عدة. وصحيح أن بيل كلينتون تمكن من جعل أميركا مكاناً أفضل، إلا أن أهم خططه المتعلقة بتشريع قوانين جديدة باءت بالفشل، فضلاً عن غرقه في سلسلة من الفضائح الشخصية. وأما جون كينيدي، وعلى الرغم من الشعبية التي حظي بها، إلا أن أجندته التشريعية بقيت حبيسة في أدراج الكونجرس بعد اغتياله عام 1963. وكان سلفه هاري ترومان قد غادر البيت الأبيض عام 1953 وهو يجر ذيول الخيبة بعد أن هبطت شعبيته إلى الحضيض. وخسر جيمي كارتر حملة إعادة انتخابه عام 1980 أمام المرشح «الجمهوري» رونالد ريجان. وأما ليندون جونسون الذي حكم البيت الأبيض عقب اغتيال جون كينيدي مباشرة وحتى عام 1969، وعلى الرغم من الإنجازات العظيمة التي حققها على المستوى الوطني، إلا أنه واجه الكثير من الانتقاد الشعبي بسبب الأحداث الدموية المتعلقة بالتمييز العنصري في عهده وللدرجة التي جعلت الناس تواجهه بعبارة «من ستقتل اليوم يا ليندون جونسون»؟. وكانت هذه الحقائق التاريخية المخيبة للآمال موضع اهتمام باراك أوباما قبل بداية حملته الانتخابية. وهذا التاريخ ذاته هو الذي دفع به إلى رفض نصيحة وزيره الأول للخزانة من أن اتباع الإرث الذي تركه أسلافه من الرؤساء يمكنه أن يمنع حدوث حالة ركود اقتصادي جديدة، وكان جوابه على النصيحة: «هذا لا يكفي». وصحيح أن هذا لا يكفي بسبب عمق المشاكل التي تعاني منها أميركا منذ الأزل. ومنها ظاهرة عدم المساواة المتفاقمة بين الطبقات المجتمعية، وحالة سوق وول ستريت التي تحتاج إلى إعادة تنظيم، وضعف الأداء في المدارس، وحال الملايين من الناس المحرومين من التغطية بالضمان الصحي، وأيضاً بسبب ظاهرة التغير المناخي. وخلال ولايتيه، بدا أوباما وكأنه يتبنى النهج المخيب للآمال ذاته، فلقد كان اليساريون يعتقدون أنه مفرط في نهجه السلمي فيما رأى اليمينيون أنه إما أن يكون شريراً أو رجلاً غير محظوظ. وبعد أن تمكن من تجاوز هذه الانتقادات بكثير من الصبر والجَلَد، أتاه الخبر الصادم بانتخاب دونالد ترامب رئيساً. وبعد ساعات قليلة، سوف يتقلّد ترامب وزمرته من أعضاء الحزب الجمهوري السلطة للبدء في عملية إلغاء إنجازات أوباما وتوجيه الأمور في الاتجاه المعاكس. ولكنني أجزم بأنهم سوف يشهدون أياماً عصيبة بأكثر مما يعتقد الكثيرون. وربما يكمن تفسير هذا السلوك في كتاب جديد نشر مؤخراً تحت عنوان (الجرأة) Audicity، وهو من تأليف جوناثان تشيت الصحفي في مجلة «نيويورك ماجازين»، وهو واحد من الكتب الجديرة بالقراءة. وفيه، يقوم الكاتب بأرشفة وتحليل السياسة الوطنية لأوباما في ملفات الرعاية الصحية والضرائب والتمويل والمناخ والحقوق المدنية والتعليم. ثم يخرج بتفسير يتناول الأسباب التي يمكنها أن تجعل من مبادرات أوباما إنجازات ثابتة لا يمكن أن تختفي. وإذا كان من الواضح أن في وسع ترامب أن يتخلى عن بعض سياسات أوباما، إلا أنه سيواجه الكثير من العقبات. يكمن أولها في أن بعض التغيرات التي أحدثها أوباما أصبحت شعبية الطابع على الرغم من أن تمريرها عبر الكونجرس كان أمراً شاقاً. ولننظر إلى قانون الرعاية الصحية «أوباما كير» الذي توعّد «الجمهوريون» بإعادة مراجعته في الكونجرس في عهد ترامب، فعلى الرغم من أنهم تقبلوا بعض الصيغ التي أتى بها أوباما في هذا الشأن ولكنهم أعلنوا عن عدم اعتزامهم إجهاض قانون الضمان الصحي برمته. ويكمن ثاني تلك العقبات في أن عهد أوباما أحدث تغيرات لا يمكن لواشنطن التراجع عنها، ومنها إصلاح منظومة التعليم بعد أن أصبحت العديد من الولايات أقل قدرة على تحمل بقاء المدارس ذات الأداء التربوي والتعليمي الضعيف. وهناك أيضاً سياسة المناخ التي ساعدت على دعم القدرة التنافسية لمصادر الطاقة النظيفة وخفض تكلفتها. ويتعلق ثالث تلك المعوقات في أن «الديمقراطيين» في مجلس الشيوخ ما زالوا يحتفظون بالقدرة على التصدي لبعض رغبات «الجمهوريين» بما فيها محاولات التخلي عن القوانين والتشريعات المالية التي تم إقرارها في عهد أوباما. وحول هذه النقطة بالذات، قال تشيت: «تنطوي تلك الاستنتاجات المؤسفة التي تزعم بقدرة ترامب على إلغاء الإنجازات التي حققها أوباما على الكثير من المبالغة. وربما تكون في حكم الاستنتاجات الخاطئة». وبشكل عام، يمكن وصف الكتاب بأنه جريء ومتطابق مع عنوانه. وفي حقيقة الأمر، نجح أوباما في اتخاذ موقف صارم ومبني على التعقل من الحكومة. وهو الذي حاول التوسط لإقامة حالة من الاتفاق بين الحزبين. وعندما فشل في هذا المسعى، مارس الحكم باعتباره ديمقراطياً متشدداً. وصحيح أنه ارتكب أخطاء فادحة مثل الموقف من الحرب في سوريا، ولكن ما من رئيس على الإطلاق يمكنه أن يتجنب الوقوع في الأخطاء. وها هو أوباما الآن على وشك مغادرة البيض الأبيض باعتباره الرئيس «الديمقراطي» الأكثر نجاحاً منذ فرانكلين روزفلت. وصحيح أن محاولته للتأثير في «مسار أميركا» كانت أضعف بكل تأكيد من محاولة روزفلت، إلا أنها لا تقل بأي حال عن محاولة ريجان. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©