الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طنجرة جارتنا

9 مايو 2014 19:53
(1) بالطبع فقد كنت مدخنا لعدة عقود(تحولت إلى النارجيلة الواحدة كل أسبوع)، وما زلت أذكر ذلك السؤال الدائم الذي كنت أتعرض له يوميا .....شو دخانك؟؟؟؟، في الواقع هو ليس سؤالاً بل طلبا لسيجارة، وكنت ستتعرض لسخرية وازدراء من الآخر، إذا قلت له رداً على سؤال، شو دخانك، للقول.. مارلبور أو ونستون أو أي نوع دخان آخر. لاحظوا أن شحاذ السجائر هذا لا يكلف نفسه عناء مذلة السؤال، بل يسألك بكل (احترام) عن نوع سجائرك لمجرد الإطمئنان على صحتك، وعليك أن تفهم الموضوع ولا تجيب بشكل حرفي، وإلا اتهموك ب(تخنيث الهرج). هذا سؤال مكشوف ومتفق عليه، لكننا في الواقع نتعرض يومياً إلى عدد هائل من الأسئلة الملتوية المشابهة، التي تسأل شيئاً أو تقول شيئاً وتطلب شيئاً آخر تماما، وهناك أسئلة خطيرة نجيب عليها عادة بتحفظ، فإذا سألك شخص (شو أخبارك؟)، فإنك تشرع في الشكوى والأنين من ضيق ذات اليد واللسان والغدة المعثكلة، خشية أن يكون هذا السؤال الملتوي يقصد منه طلب استدانة النقود. وحينما يسألك شخص «كيف علاقتك بفلان؟»، تعرف أنه لا يتساءل لمجرد الحديث، إنما سيطلب منك الذهاب إليه والتوسط للشخص السائل للحصول على عمل أو منفعة ما، فتشرع في تطعيج فمك لتبين أن علاقتك به سطحية، أما فلان « أول ضحية تخطر على بالك»، فهو وهذا الرجل أكثرمن إخوة، وهو يمون عليه تماما، فيشكرك السائل وينتقل إلى الرجل الضحية، وهناك أسئلة نسوية كثيرة تتداولها النساء فيما بينها، ولست خبيراً بها، لكنها بالتِأكيد تصب في ذات الاتجاه.. تسأل لتطلب.. وهي أكثر ذكاء من أسئلة الذكور الذين يدعون الذكاء، وتكون الردود عليها أكثر دهاء وتنوعا من ردودنا. (2) عادة أدمنتها من سنوات، وهي أن اطبخ وأنا أكتب مقالتي، وطبخة اليوم بسيطة وسهلة، كل ما عليك هو أن تغلي العدس الحب قليلا ثم ترمي فوقه -بقدر حجمه - كمية من الأرز وتترك العدس والأرز على النار الهادئة مع قليل من الملح والفلفل والكاري، ثم تفرم البصل وتقليه بالقليل من الزيت وتوصله إلى درجة قريبة من الاحتراق، وتجهز السلطة وتشتري اللبن من السوق، لتوسيع الخيارات، وتقطع البصل الأخضر والفجل، وتملأ صحن الزيتون من جديد.. هذه هي المجدّرة، والأردني اللي يدعي بأنه لا يعرفها، يكون كاذبا بالضرورة!!. لا أعرف السبب، لكن الأطفال كانوا وما برحوا يعتقدون أن طبيخ الجارة أو أم الأصحاب أفضل وأروع وأزكي من طبيخ الأم، وأنا شخصياً أعاني حاليا من هذا مع كائناتي، لأني أنا الطباخ الدائم في البيت. كنت طفلًا (ليست طفولة بالمعنى الحقيقي لكنها مجرد مزغر) ذات قرن، كنت أعتقد أن مجدرة العدس الذي تطبخه الجارة أفضل من مجدرة أمي، مع أنه من ذات العدس، لا بل أن أمي كانت معروفة كطباخة ماهرة في مجال العدس بأنواعه، بحكم الممارسة الدائمة والدؤوبة. كانت الوالدة تعتمد حيلة ذكية، قالتها لنا بعدما تجاوزنا مرحلة طبيخ الجارة، إذ كانت (تكفت) طنجرتها المطبوخة في صينية، وتقول لنا إن الجارة أرسلت لنا المجدرة لأننا نحبها، وكنا نأكلها بكل تمتع على اعتبار أنها من عند الجارة.. المشكلة أننا كنا نصدق ذلك بشكل شبه يومي وعلى مختلف الطبخات، حتى أننا كنا نعتقد أن الجارة هي طباختنا المعتمدة، وهي أكرم إنسان وجد على سطح الأرض. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©