الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسارج.. تحف مضيئة في تاريخنا الإسلامي

المسارج.. تحف مضيئة في تاريخنا الإسلامي
9 مايو 2014 19:52
قبل أن يصل الإنسان لاكتشاف النار في العصر البرونزي فيما قبل التاريخ كانت قدرته على الرؤية الليلية رهن بضوء القمر وفيما عدا أيام قليلة يصل فيها القمر لتمام كماله كبدر يملأ كبد السماء كان على الإنسان أن يتعايش مع حقيقة أن يوم عمله ينتهي مع مغيب الشمس، وأتاحت النار للإنسان الفرصة الكاملة ليتمتع بإضاءة صناعية أثناء الليل سواء عندما استخدمها لإشعال السراج المغموس في الزيت أو لصناعة المسرجة أول وأبسط أدوات الإضاءة الصناعية سواء صنعت من فخار محروق بالفرن أو معادن تم صهرها وتشكيلها. د. أحمد الصاوي (القاهرة) تعتبر المسرجة بشكلها التقليدي الشبيه بقارب يحتفظ في قلبه بالزيت وينتهي بفتحة تخرج منها فتيلة قابلة للاشتعال أداة إضاءة فعالة داخل المنازل والأماكن المغلقة، ولكنها تفقد فاعليتها بنسبة كبيرة عند استخدامها في الأجواء المفتوحة وخاصة في أوان اشتداد الرياح. ومما يسترعي الانتباه أن الحفائر التي أجريت في مواقع المدن الإسلامية شرقاً وغرباً قد أنتجت أعدادا لا حصر لها من المسارج كانت قابعة تحت الركام مثلما كشفت عن آثار احتراق ناجمة عن هذه المسارج في كوات الجدران، وهو ما يشير بوضوح إلى أن المنازل كانت تعتمد على المسرجة لتوفير إضاءة داخلية أثناء فترات الليل، وربما يعود الاعتماد الكبير عليها إلى حقيقة استهلاكها الاقتصادي لزيوت الإضاءة وفي مقدمتها زيت السمسم المعروف باسم الشيرج أو السيرج نتيجة لاستخدامه لإشعال السراج، وذلك قياساً بالشموع التي كانت أعلى سعراً وأسرع احتراقاً، فهي تتلاشى مهما عظم حجمها في ساعات قليلة. فوائد العلم ولاقت المسـرجة انتشاراً واسعاً بين طلاب العلم والمصنفين الذين كانوا يسهرون الليالي طلباً لفوائد العلم ولدينا من وثائق العصر المملوكي في كل من مصر والشام والحجاز ما يحدثنا بوضوح عن اعتماد المسرجة كأداة إضاءة شخصية لطلبة العلم في المدارس، حيث كانت شروط الواقف تتضمن بين مصروفات المدرسة أثمان المسارج والزيوت الخاصة بها كمصاريف شهرية يقوم ناظر الوقف بمتابعة إنفاقها لضمان قيام الطلاب بمراجعة دروسهم والمطالعة في الأماكن المخصصة لإقامة الطلاب بتلك المدارس. التلال الأثرية ونظراً لكثرة ما يتم العثور عليه من المسارج في الحفائر الأثرية وحتى في التلال الأثرية بمجرد إزالة سطحها، فإننا نادراً ما نشاهد عمليات بيع للمسارج في مزادات الصالات العالمية إلا أن تكون المسرجة ذات طابع فني مميز أو مصنوعة من فخار أو برونز حافل بالزخرفة ورغم ذلك، فإن المتاحف العالمية وإن احتفظت في مخازنها بالقطع المعتادة من المسارج تحرص على عرض بعض نماذج مميزة فنيا من المسارج الإسلامية والحقيقة أن أصحاب المجموعات الخاصة يحرصون أكثر من غيرهم على شراء المسارج، خاصة لكثرتها وانخـــفاض أسعارها، وذلك لتنويع المواد والعصور في مجموعاتهم. ومما تجدر الإشارة إليه أن أصحاب المحال كانوا يستخدمون المسارج داخل متاجرهم فيثبتونها في الأركان لضمان إضاءة زهيدة الثمن في فترات ما بعد المغــــرب وطبقاً لروايات المؤرخين، فإن حرائق الأسواق المشهودة كانت غالباً بسبب وقوع هذه المسارج وانتشار النيران منها في السلع، ولذلك كانت تعليمات المسؤولين عن شؤون الأسواق والبلديات تلزم كل صاحب متجر بوضع أوان للمياه أمام دكانه لاستخدامها عند الحاجة في إطفاء الحرائق. فوانيس ويعتبر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أشهر من أمر أهل الأسواق وألزمهم بتعليق فوانيس فوق كل باب متجر وأخرى مجمعة بوسط كل سوق ومسارج داخل المحال، وذلك بقصد زيادة ساعات العمل بالأسواق لأطول فترة ممكنة من الليل. ومن المجموعات الفنية الخاصة التي تمتلك أعدادا كبيرة ومتنوعة من المسارج مجموعة المشعل الخاصة بالرياض وقد جمع صاحبها هذه المسارج من عدة أقاليم إسلامية. ومن القطع النادرة بهذه المجموعة مسرجة من الرخام البني اللون وهي منحوتة بدقة ورشاقة ولها مقبض على هيئة رأس طائر بينما ينتهي بيت الزيت الدائري بشكل مثلث لاستيعاب فتيل الزيت، وزخرف الفنان البدن الخارجي لهذه المسرجة الرخامية بدوائر مطموسة تذكرنا بالأشكال القديمة لزخارف الساسانية وهي تعود لأفغانستان في القرن الخامس الهجري «11 م» أي في العصر السلجوقي. ومن نفس الإقليم هناك أيضاً مسرجة كبيرة من الفخار المطلي بطلاء زجاجي أخضر اللون ولبيت الزيت فيها شكل قبة مضلعة وهي تعود للقرن الخامس الهجري، وتعتبر المسارج الفخارية الأوسع انتشاراً والأكثر عدداً بين المسارج المعروفة في الفن الإسلامي إذ لم تنقطع صناعتها من الفخار حتى اكتشف الإنسان الكهرباء. فتحة السراج ومن أقدم المسارج الفخارـية بمجـــموعة المشعل واحدة يعتقد أنها من جرش بالأردن وتعود للعصر الأموي وهي على شكل القارب التقليدي بالوسط منها فتحة دائرية لوضع الزيت ولها مقبض بسيط وبالطرف المقابل فتحة السراج وبه كتابة كوفية بسيطة تحمل عبارة بركة. ومن المسارج التقليدية أيضاً مسرجة من الفخار المطلي بطلاء زجاجي فيروزي اللون من صناعة إيران في عصر السلاجقة، وهي في مجملها أشبه بطائر ويعد المقبض بمثابة الرأس منه بينما يمثل موضع خروج فتيل الإشعال ذيل هذا الطائر. وهُناك مسرجة نادرة من الخزف تعود لبلاد الشام في العصر الأيوبي، وهي ذات هيئة فريدة إذ تم تشكيلها على هيئة إبريق صغير من خزف عاجي اللون بها زخارف باللونين الأزرق والأحمر تشبه عروق الرخام ولتلك المسرجة فتحة تزويد متسعة قليلاً ملتصق بها المقبض، بينما موضع فتيل الإشعال يتخذ هيئة صنبور الإبريق. صناعة التحف المعدنية إضافة إلى مسارج الفخار والخزف الشائعة صنعت أيضاً مسارج من البرونز، خاصة في عصر سيادة السلاجقة الأتراك في كل من خراسان «أفغانستان حالياً» والعراق وكلها مناطق مشهورة بصناعة التحف المعدنية، ومن أقدم هذه القطع مسرجة تتخذ هيئة المصباح التقليدية، وهي من صناعة خراسان في القرن الخامس الهجري وأخرى من البرونز المصبوب شكلت على هيئة حيوان يشبه الأسد وتبقى المسرجة المزدوجة الفتيل أهم تلك المسارج السلجوقية المبكرة، وهي بلا جدال ابتكار صناعي يستحق التقدير، وهناك أيضاً عدة مسارج صنعت بالعراق وخراسان في القرنين السادس والسابع الهجريين وهي تتخذ هيئات الطيور سواء في تصميمها العام أو في مقابضها وتعد من المسارج المعدنية النادرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©