الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمّوش: هو لا يخاف إنما يفرح بارتكاب السرقة

عمّوش: هو لا يخاف إنما يفرح بارتكاب السرقة
21 ديسمبر 2009 21:26
لم يرف للرجل الواقف في طابور مركز شرطة المرور، حيث تدفع غرامات القيادة، أي جفن حين، وبمحض الصدفة البحتة، اكتشفت أنه وضع قدمه على الأرض ليخفي خمسمئة درهم وقعت من الرجل الذي يقف أمامه. كان الرجل الثاني قد أوقع أوراقه وبينها ورقة المال التي أضاعها وراح يبحث عنها بيأس على الأرض، ولا يجدها. بمجرد أن وقعت ورقة المال، عرف الواقف في الطابور كيف يستغل الموقف، متظاهراً بأن لا شيء في الأفق، ولم يبد عليه أي توتر حتى بعد أن لاحظت، حين استأذنته للمرور إلى صف النساء، أنه لا يتحرك ومن ثم حرك قدمه بطريقة تكفل جرّ الفلوس تحتها مع انسحابها كي لا تظهر. شاءت الأقدار أن أرى طرفاً من ورقة المال فطلبت منه أن يحرك رجله... بكل برود فعل ذلك لتنكشف ورقة المال، وكانت خمسمئة درهم، فيجدها صاحبها بعد أن كان اليأس قد تملّكه. على الرغم من تواجد الرجلين في مركز للشرطة، فضّل الرجل عدم الإبلاغ عن محاولة سرقته عن طريق الصدفة، شاكراً عدم فقدانه لماله.. لم يخطط السارق مسبقاً لسرقة أي شخص في القاعة، ولكنه استغل الظرف، وحاول الاستيلاء على ما يمتلكه سواه.. أيضاً ثمة فتاة كانت تتناول الطعام في أحد المطاعم، هي قريبة بسمة المزروعي، التي تروي ما حصل مع قريبتها بالقول: «وضعت خاتمها على الطاولة ونسته، ولم تكن قد وطأت خارج الباب حتى تذكرت، فقفلت عائدة لتجد أن الخاتم اختفى مع أن النادل لم يكن قد اقترب بعد من الطاولة لأخذ البقشيش.. فرجّحت أن أحد الزبائن استغل الفرصة وأخذ الخاتم». اقتناص الفرصة إنهم سارقو الصدفة، لا يقتربون من المال أو الأشياء إلا إذا كانت أمام أعينهم، فيعرفون حينها أن الفرصة مؤاتية لاقتناصها، وهم يبلغون من البراعة بحيث أنهم يحافظون دائماً على برودة أعصاب ملفتة. يقول الدكتور أحمد عمّوش، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، ورئيس قسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة، إن غالبية «سارقي الصدفة» ليسوا بالضرورة من المعوزين الذين اقتادتهم الظروف لارتكاب هذا الجرم، فمنهم من ينعم بالمال الوافر، وهو مستعد لدفع ثمن غرض غالي الثمن، إنما يلجأون إلى سرقة شيء قد يكون تافهاً ولا قيمة له. ويعيد هذه الظاهرة المرضية إلى مشكلة لدى الأشخاص المماثلين في تنشئتهم الاجتماعية، ويرجح أن يكونوا قد تعرضوا سابقاً للحرمان في طفولتهم، وليس بالضروري أن يكون هذا الحرمان مادياً، لأنه في الأغلب حرمان عاطفي، يؤدي بهم إلى شعور بالنقص، وإلى نوع من الإشباع اللا إرادي ناتج من دافع نفسي اجتماعي. ويضيف: «إن هؤلاء مستعدون لسرقة أي شخص وصولاً، على سبيل النكتة، إلى سرقة أنفسهم كي يرضوا هذا الدافع النفسي -اجتماعي». ويشير إلى أن اللحظات التي تسبق ارتكاب فعل السرقة يسودها صراع داخلي لدى الشخص، ولا تتحقق الطمأنينة والراحة كما إرضاء الذات، إلا بالمباشرة بارتكاب فعل السرقة، ويصاحب كل ذلك تذكر موقف الحرمان لديه». الجرم المشهود من جهتها تقول حصة البدواوي، إنها وزميلات لها، لاحظن لجوء إحدى الفتيات لسرقة المتاح أمامها، إلى أن امتلكن الدليل الملموس على سرقتها فسارعن إلى «فضحها بالجرم المشهود في إحدى المرات، «واجهتها وزميلاتي، ولكنها ظلت تنكر مع أنها الوحيدة التي دخلت الغرفة حيث كانت النظارة الشمسية والساعة بمتناول يدها فأخذتهما». وتضيف: «كان دفاعها عن نفسها ونكرانها مشهوداً لهما، لأنها لم تكتفي بهذا الحد، بل سعت إلى تناول وزميلاتي بكلام مسيء، معتبرة أننا ظلمناها، وبتنا نعرفها ونعرف أن «يدها خفيفة»، وأصررنا على موقفنا منها، وراقبناها فدخلت الغرفة مرة وأعادت النظارة الشمسية فقط، لتعود وتدخل معنا وتعلن مفاجأتها مؤكدة أنها لم تكن الفاعلة». الأيدي الخفيفة ويتحدث راشد راشد عن اليد الخفيفة عينها، ويشرح بأنها تحمل صفة الخفة لأن لا أحد يلاحظ فعل ارتكاب السرقة إلا بعد أن يفتقد غرضا كان لديه واختفى. ويشير إلى أنه لم يسبق له أن صادف حالة سرقة، إنما كان يسمع من أصحابه الشباب حكايات عن شخص يتمتع بهذه اليد الخفيفة، وجلّ ما يسرقة لا يتعدّى الولّاعة أو الأقلام على المكتب، وربما ملفات فارغة. ويشير إلى أن أصحابه أكدوا له أن من يقوم بذلك لا ينقصه أي شيء في حياته بشكل عام، كما في المكتب إذ أنه يزوّد من قبل الشركة بكل ما يطلبه من أغراض مماثلة، لكنّه يرغب بأخذ ما لدى غيره من أقلام وولّاعات، وإن كانت من غير ذي قيمة مادية. ويشير إلى أن معظم العائلات تعاني من سرقات الخدم في المنازل الذين لا يسرقون إلا الأشياء الصغيرة الحجم التي يتمكنون من خفيها عن الأنظار، مثل الخواتم والأموال الورقية، وفي حال مواجهتهم ينكرون بشدة وبعصبية محتجين على التهمة، حتى لكأنَّ من يسأل هو مرتكب فعل السرقة لا هم. أنجدوني فأنا أسرق تقول شيما الشحي إنها تلاحظ وتسمع عن نوع من الفتيات يمتلكن المال، ولا ينقصهن أي حاجة، ولكن لديهن مرض السرقة لحاجة نفسية لديهم، ولا يستطيعون التوقف عن ارتكاب السرقة. وتضيف «أتحاشى التواجد مع هذا الصنف من الناس، وأحاول قدر الإمكان الاحتياط من خلال المحافظة على أغراضي». بدورها تتحدث فاطمة القايدي عن حالة درستها شقيقتها لدى تحضيرها لمشروع للجامعة في علم النفس، لتلميذة صغيرة من عائلة ثرية جداً تسرق زميلاتها، غير أنها كانت تعترف بما تقوم به كنوع من الاستنجاد لتلقى العناية والاهتمام. إلى ذلك تطرح نورة العلوي قضية طالبات جامعيات وطلاب جامعيين يسرقون من محفظة والدهم ولا يعترفون بالأمر، لكنَّهم يبوحون لزملائهم بما يقومون به، معتبرين أن لهم الحق بفعل ذلك بما أن مال والدهم هي أموالهم. وهذا لا يعني بأنهم يقرون للوالد بالأمر إذا ما سألهم مستغرباً فقدانه لبعض المال من محفظته. وتشير العلوي الى أن إحدى هؤلاء الفتيات افتضح أمرها ونالت عقاباً من والدها، غير أنها عادت لتكرّر الموضوع ذاته وتفتخر به. وتفضل العلوي أن لا يلمّ أحد مالاً وقع على الأرض، كي يجده من ضيّعه إذا عاد إلى المكان نفسه، متأسفة لأن البعض يجدون مبرراً لأخذ المال باعتبارها صدفة وفرصة يجب اقتناصها، ويستسهلون مد يدهم لأخذ أغراض ليست لهم بما أن العيون لا تراهم. السارقون بفرح ويستفيض الدكتور أحمد عمّوش في وصفه لسارقي الفرصة هؤلاء بالقول: «إذا اتيحت الفرصة لهؤلاء للسرقة، فهم يسرقون بلا تردد، ولديهم القدرة لضبط أعصابهم، لا بل لا يخافون ولا يفزعون. بالنسبة إليهم إنه سلوك اعتيادي وله تبريراته، ويشعرون بالفرح والراحة النفسية خلال ارتكابهم لفعل السرقة». ويؤكد بأن هذه العادات مرضية وتحتاج إلى علاج سلوكي، متأسفاً لعدم تعود مجتمعاتنا العربية على اللجوء إلى عيادات متخصصة في هذا المجال، إن وجدت. ولا يميّز عمّوش بين سارقي الصدفة لجهة المرحلة العمرية، معتبراً أنه في الإمكان علاج مرتكب هذا النوع من السرقات إن كان صغيراً أو كبيراً، وإلى أن هذا النوع من اللصوص يشبهون المدمنين الذين يرفضون الاعتراف لدى الشرطة بإدمانهم وإن أظهرت الفحوص المخبرية ذلك. ويتحدث عن الفرق بين اللصوص الذين يمتهنون السرقة للسرقة، في سبيل الربح، وبين سارقي الفرصة المتاحة، بأن اللصوص في العادة وإن كانوا قد خططوا لارتكاب فعل السرقة، ينتابهم الخوف والإرباك والورع من افتضاح أمرهم، في حين أن السلوك المرضي للسرقة يسوده الهدوء والفرح لأنه سلوك تعويضي عن الإهمال والحرمان العاطفي النفسي اجتماعي، كما أن لص الصدفة هو ضحية وجان في الوقت نفسه، هو ضحية لظروف اجتماعية نفسية، وهو جان لأنه سرق وقام بفعل يعاقب عليه.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©