الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإمارات.. موقد القلب جمرة الخبز

الإمارات.. موقد القلب جمرة الخبز
26 ابريل 2012
هي التي أمعنت في الولوج، تاريخاً وصهيلاً، وهي التي أيقنت أنها الموقد والجمرة، ورفة الرغيف ساعة الوطيس، هي النعيم الأليم الواثق المتناسق في وثوبه، وفي خض التراب لتعجن الأرض دقيقها، وتهدي للأنام رحيقها.. حين اشتهت الأرض المطر، وحين تلظى الشجر، متسائلاً عن نثه وبثه، كانت هي، تشخب الروح شهيقاً، وتهفو للمدى، قابضة وجه الريح، ممسكة بأنامل الأمل، متحرقة محدقة، والهوى صحراوي، رطب إلى حد اللزوجة، والشمس ترسم وجهاً كونياً متسلطاً يطوق الأعناق في شطط وحطط، ويخيط ثوب الغارقات وجداً، بهدب الجفون المسبلة والرمل المتحرك، سندس واستبرق.. تقول هي يا هوى العاشقات ويا وجدان من غرقن فغرفن من شحوب وسكوب وتمادين في الاضطراب. هي التي كانت تحز الشوق حزاً، وتجز التوق جزاً، وتستمرئ العذاب اللذيذ، تفسد سكون الجهات وصمت الموجة الغاربة عن سواحل وكواحل منطفئة في خبء وعيها المتكاسل. الرابضة في الروح هي.. هي التي أعلنت منذ زمن أنها الجنين المترامي في البعد، وأنها الحبل الشوكي المخبوء في ظهر المرحلة، هي التي راوغت وتمرغت وتمردت وتجردت، وأسردت في بوح عن جرح، كان يتسرب زلزلة في العظم واللحم، وبجلجلة الظواهر الكونية العظمى، كان ينثر الشظايا والنوايا، ويصيب الأسئلة بالدهشة والرعشة.. هي التي سورت وحورت، مداراً ومساراً، فأجادت التصويب تارة وجانبها الصواب تارة أخرى، لكنها تبقى هي.. لأنها تملك الرائحة الراجحة، وتسطو على الحواس بنخوة العظماء والنبلاء والمشهد الروحاني لم يزل يفيض بقيظ وغيظ، ويحرق حقول القلب، بصهد ووعد وعهد من نيران وأحزان.. هي التي كسرت عود الغاف اليابس، وحفرت تحت الجذع لتخفي دمعه شقاءً، وربطت حزمة الحطب، وفي جيدها حبل من مسد، ولا أحد يملك اللغو والهود واللهو، غير ذاك الحمار مادا خطما، ناهقاً مرهقاً، متعرقاً، لكنه عندما يشم رائحة طرف الثوب يستعيد ذاكرته، ويستدعي قوته الخارقة، ويمضي طائعاً صاغراً مثابراً، مغامراً، يخض الرمل خضاً، مستريحاً عند نافلة الصوت، الرحيم.. هي التي امتطت ظهر الحمار، متطلعة إلى أفق خارجة من نفق، متداخلة مع قلق أزلي، ما بددته أيام ولا أحلام ولا أوهام لأنه قلق معرف خلف قبس حدسي، حسي، لا مخاتل ولا متحايل، هو من جنس العمل، هو فعل متصل من جذر في الأرض وذاكرة.. هي التي أسست جمهورية أفلاطون في مثالية متوالية لم يخدش لها حياء، ولم يثني لها طرف.. هي الرابضة دوماً في الدفتر وما سطر وما فتح الضمير وما ضم وكسَّر. هي الوعي المترامي في الخصوص والعموم، في النصوص والهموم، هي الرمية والحمية، والورطة اللذيذة هي المسافة ما بين الوريد والوريد، هي النقطة المشدودة، لسؤال جديد لا يحيد عن استفهاماته وعلاماته المحتدمة، مهما بلغت ألإجابات من تلقين وتلوين وتلحين، وتضمين، وتخمين، ومن تقطيب، وتقليب، وتوريب وتكذيب.. هي التي مارست حَلْب الغيوم، لأجل أن تمطر السماء ذهباً، ولأجل أن تنبت الأرض عجباً، ولأجل أن يمد الجبل لساناً من ماء ورجاء، ولأجل أن يخصب البحر بسواعد ومعابد الكائنات الأبدية لأجل أن ينجلي شحوب وتستمر القافلة ترتع في أحضان العشب القشيب، والأفق الرحيب. هي الفرادة، والجملة الفعلية في مقال ومآل، وسؤال، هي السقوط والنهوض، هي القنوط والفرح، هي النعمة والنغمة، هي الوثبة الأولى هي الورطة الأحلى، هي.. هي الوعي والوغي، والطفرة المتفاقمة في إقدام وإحجام بسلام واحتدام هي.. هي كل القول، وكل الكلام، عندما يكون القول وحاماً، والكلام جنين المعرفة.. هي، التي أبلت بالهوى عشاقاً، حتى اغتسلت الجبال والأنهار، والهضاب، والوديان، بالأشواق، هي التي أنجبت الشعر، وهدهدت النثر، وتوجت الكلمة ناقوساً ونبراساً وأحاطت العالم بمحيطات توقها وشوقها، ورفقها وصدقها.. هي.. النبرة والعِبرة والحبر، والخبر، هي القَدْرُ المؤدلج، والرؤى المتدفقة شموخاً ورسوخاً.. الواحدة المتحدة هي التي استبدت وأبت إلا أن تكون الواحدة الوحيدة المتحدة في أحد التراب، تفض اشتباك العشب، وترفو للبعيد، من أجل رؤية، ورأي، ومن أجل حُلُم وحلِمْ، ومن أجل لحظة و ومضة، ومن أجل نقطة ولقطة، ومن أجل وجْد وجِد وجديد ومن أجل جلال وتجلي، وجلاء ومن أجل نطاق وطوق، واستنطاق، واستحقاق، ومن أجل بهاء وهواء وهوى، ومن أجل مسار ومدار وحوار، وجدار، ومن أجل نشوء وانتشاء، واستواء واحتواء وانضواء، ومن أجل كتاب وجواب، وأسباب واستتباب، وخضاب، ومن أجل حناء وفِناء ومن أجل نجوى وفحوى ورُبى وفجوة بعد جفوة، ومن أجل المن والسلوى، بعد بلوى، وشقاء وعناء، ومن أجل مساحة وباحة، وساحة، ورجاحة، ومن أجل طُهر وخدر ونهر وبحر وماء ووعاء وبئر وعطر، ومن أجل انطلاقة ولباقة ولياقة، ونوق وتوق، وحدق وأفق. من أجل بديع منيع، لميع، ربيع، ومن أجل سحابة ورحابة، ونجابة، ومهابة، ومن أجل وسيلة وحيلة وفضيلة. من أجل خطوة نبيلة، وسطوة أصيلة، وسحنة جميلة، ومن أجل أن أنشودة وقصيدة، ونخوة مجيدة، وأغنية تليدة وصوت وصيت، وقلادة تتهجد عن جيد ونحر، تتعبد عن عنق وصدر. من أجل اغتيال الخوف والحيف، ومن أجل ظفر بعد قهر، ومن أجل سفر وترحال وحل، ومن أجل كلمة بعد جملة، مسهبة في البوح والاجتياح. هي التي علمتنا الكتابة على سطر رديف سطر، وهي التي قمطت أفئدتنا بدفء وفيء، واستباحت حبنا ووجدنا وشوقنا، وحرقة الالتفاف والاصطفاف، وهي التي أعطتنا مجدافاً وشراعاً، وسيفاً ويراعا، هي التي مدت للمدى ذراعاً ومتاعاً، وأهدت للنجوم ظل الغيوم، وفتحت للسماء قدرة الضراعة والدعاء، هي التي أبدت سخاء وبددت شقاء، هي التي نامت على خاصرة الوجد محتدمة منعمة بحبنا ولوعة التهجي، لاسم ما قاربته الأسماء، اسم “الإمارات”.. هي التي عانقت الصحراء، فأنجبت فضيلة العطاء، وهي وشوشت للبحر فاستولد الماء من الماء، وهي التي حاورت الزمن نضب ولحن وغصن، فأناخ بعيره، راضياً مرضياً، في ماضيه طراوة، وفي حاضره حلاوة، وعند غده، يقين الجياد المستبسلة الباسلة، الفاصلة، ونقطة المواصلة. هي المجادلة بمثالية وجدوى، هي الرهان، والأمان والاطمئنان، والإحسان وبديع الزمان، وزهو المكان .. هي التي الحامل المحتمل، هي الجنين المكتمل، هي القابضة الرابضة، الناهضة، وهي المبتدأ والخبر، هي الفاعل الحاضر المستتر، هي الكليم النديم، القويم المستقيم القائم الحليم، هي القدرة القادرة، المقتدرة، المسورة بالعشق والعشاق، وصفاء الأشواق، هي قِبلة الأحداق، وصبوة الأعناق، ورقية الهوى.. هي التي أجادت وما أشاحت، وراجت وروجت أحلامها وأمنيات المحبين.. هي.. هي، ولا سواها.. هي أسقت فأعشبت وأزهرت وازدهر، فخراً وذخراً، فجاز لها أن تكون قيثارة، ومنارة، وأن تكون الأنامل والمناهل والسواحل والمفاصل وأن تكون حيث لا يكون سواها، وهي التي تجاوزت حيادها بألا تحيد عن سواء السبيل، وألا تجيد غير الفرادة والتميز، هي التي تطورت نسلاً وفصلاً من فصول التطلع، لآفاق وأشواق، هي التي صنعت المجد من تفاصيل النشوء والارتقاء المجيد، وهي التي نهلت من فيض وحياض وأسقت جذوع الحلم من فوح ورياض، هي التي تجردت فتحررت من ضغينة مهينة، فاستطاعت أن تستقطب حلم الطيور، وعلم الدهور، وما جادت به قريحة الشعر والباب والفلاسفة.. هي التي أبهرت وما توارث، وأدهشت وما استدارت وأكسبت فاكتسبت، وهي التي جسدت فتجسدت أمنيات تحاذي الشفاف والأعطاف، هي التي تسرد وتغرد، وتغرد للنهار صفحات ونغمات، وصبوات، هي التي توحد الأنا بآخر، وتمنح الذات وعياً متآخ لا متناحر، هي التي عطرت الهوى، من نفح رطَب وخصب، وفنون الهضاب، وجنون السؤال الصواب، وهي التي حالت دون تجديف ولا تحريف ولا تخريف فاستحقت أن تكون هي بدون تسويف أو تجريف.. هي التي، استحالت بعد كد وجد ووعد وعهد، أن تكون هي السؤال الكبير المستنير، بضوء النجوم، ونث الغيوم، وسبك التخوم، هي التي أصبحت الإمارات وطناً يزخرف وطناً، وأرضاً تجدل خصلات فخرها بامتياز.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©