السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حتى لا تخضع الثقافة للتهميش.. والتفتيش

حتى لا تخضع الثقافة للتهميش.. والتفتيش
26 ابريل 2012
الثورة التي تجانب الثقافة، أو لا تؤدي إلى تطويرها، هي ثورة فاشلة.. تلك هي الخلاصة الوحيدة التي يمكن استنتاجها من مناقشات مؤتمر “الثورة والثقافة” الذي نظمه المجلس للثقافة في مصر على مدار ثلاثة أيام، وشارك فيه مثقفون مصريون وعرب وأجانب، ألقوا في أبحاثهم الأضواء على مجريات الأحداث ومآلاتها، في الشق الثقافي الذي يبدو أنه يقف الآن على المحك.. هل يغني الحراك الشعبي ويغتني به، أم أنه يخضع للتهميش والتفتيش والنفي؟ وقد طغت تلك الأسئلة وإجاباتها المتعثرة على أوراق البحث، فعبر بعضهم عن تلك الهواجس بوضوح، فيما لجأ آخرون إلى استنطاق وقائع تاريخية وتجارب من شعوب أخرى في أميركا اللاتينية وإسبانيا الفرانكوية. وقد أكد د. شاكر عبد الحميد وزير الثقافة المصري أن الثورة “ليست شيئاً افتراضياً، وليست بالشيء المجرد ولا فكرة كبيرة فقط، الثورة ممارسة ليست بعيدة عن الواقع ولا يعنى قولي إن الثورة ليست شيئاً افتراضياً بأنها لا تستعين بالواقع الافتراضي، لكن ما أقصده هو أن الثورة ليست مطلقة فهي ممارسة ترتبط بها الهوية فالثورة ما هي إلا هوية، هذه الهوية ليست خارجة عن الزمان والمكان، فهي ليست شيئاً مثبتاً على لحظة زمنية بعينها”. وأضاف عبد الحميد: لا يمكن أن نتصور الثورة على أنها ترتبط بالماضي، فعندما ترتبط بالماضي فقط فإننا نقيدها ونجمد معناها، ونجعلها تقع في أسر إطار مغلق جامد متكرر يعمل ضد الثورة وضد الإبداع، فينبغي أن ننظر إليها على أنها موجودة في إطار زمني مُنفتح يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل، وفي الواقع، فالثورة موجودة بشكل كبير في المستقبل أكثر من وجودها في الماضي، وهي عملية مستمرة تجدد نفسها وتضيف إلى نفسها الكثير والكثير، في كل مرحلة من مراحل تطورها وازدهارها فلا يمكن تصورها في قوالب نمطية من التفكير والسلوك والوجدان”. واستطرد عبد الحميد: إن الثورة تعبير عن الإبداع، والإبداع يعمل ضد النمطية والتكرار، والتكرار نوع من الآلية، والآلية والنمطية نوعان من فقدان الروح، ونوعان من الموت، فهم حالتان متضادتان للإبداع، فالثورة فعل إبداعي والثقافة فعل إبداعي، أما التكرار والتثبيت على لحظة زمنية بعينها، نوع من أفعال الموت والعيش خارج الحياة، فالثورة هي تَجدد وحياة وإبداع دائم مستمر، وكذلك الثقافة ينبغي أن تكون بها نوع من الوجود المنفتح على أساس الحوار والعقل والخيال والتسامح والانفتاح على الآخر القريب والبعيد، والاعتراف بتعدد الرؤى ووجهات النظر لا الانكفاء على أحادية من التفكير، فينبغي أن يكون العقل المهيمن على الثورة والثقافة هو ذلك العقل الحواري. وأشار د. سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة إلى أنه من الضروري أن نفهم بداية معنى هذا الذي حدث، ولماذا حدث قبل أن نستشرف أفقه، فهناك من يرونه أقرب إلى الانتفاضة، لا الثورة بمعناها الدقيق، لأن الثورة تعني تغييرا في النظام ذاته، في بنية المجتمع، فلا بد أن نعترف أن ما حدث كان ثورة وإن لم تكتمل بعد، فالحقيقة المؤكدة أن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا إذا صاحبها تغيير في الثقافة ذاتها بالمعنى الواسع، أي تغيير في وعي الناس، فحياة الناس وعالمهم لا يمكن أن يتغيرا إلا عندما يتغير الوعي ذاته. العقلانية والرشد وطرح الكاتب والناشط اليساري أحمد بهاء الدين شعبان مجموعة من النقاط “أرى ضرورة وضعها أمام الأنظار لتكون شحذاً للهمم والانتصار على ما يواجهنا من مشكلات، وهي: هناك من يستهدف العبث في مكونات الهوية المصرية المستقرة، واتجاهات متحفزة تتربص بالثقافة والإبداع، وهي ترى فيها تخريفا إن لم يكن تجديفا وتنظر إلى ما قدمه كاتب كبير كنجيب محفوظ الذي اعترف العالم كله بأدبه الراقي، باعتباره أدبا فاسدا عاطلا عن القيمة، وتزري بالمنجز الحضاري المصري والإنساني التاريخي العظيم، وتعتبره انحطاطا وعفنا، كما أن هناك من يسعى للهيمنة على فضاء الحرية النسبية التي انتزعتها الجماعة الثقافية الوطنية المصرية بجهد ونضال وتضحيات أجيال من وراء أجيال، ومن وراء تسلط الحكم ومحاولاته الدائبة من أجل “تدجين” المثقف المصري وإدخاله الحظيرة”. وأكد شعبان أن هناك بعض المحددات الضرورية حول الثقافة، خاصة في هذه الفترة المرتبكة من تاريخنا والتي ستؤثر تأثيرا ضخما على ملامح مستقبل مصر ووعيها ودورها الحضاري، وهي أن الثقافة حق أصيل للشعب، وليست منحة من حاكم أو هبة من طرف، وأن الثقافة عنصر أساسي في البناء المعنوي للإنسان، وهي ركيزة بناء الوعي بالوجود والكون والحياة، ووسيلة إعلاء القيم الإنسانية وتحقيق السمو الأخلاقي، كما أنها سلاح في أيدي الملايين من أبناء الشعب، كما أن الثقافة المصرية عنوان هوية شعب مصر الراكزة التي ترسخت على مدى آلاف السنين، وهي المدخل الفعال لنشر قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر والعقلانية والرشد، وهي أحد أهم أدوات ترسيخ المواطنة والتآخي الإنساني، كما تسعى لنشر مناهج التفكير العلمي والنقدي، وتتصدى للتفكير العشوائي في عصر العلم والثورات التكنولوجية. جدلية العلاقة وأكد المفكر الإسباني بدرو كاناليس أن العلاقة بين “الثقافة والثورة” جدلية لا نهاية لها، فالذين يقولون إن الثورة هي الشكل الأكثر رقياً من الثورة لديهم الحق، وكذلك “الثورة التي لا تؤدي إلى تطوير للثقافة هي ثورة فاشلة”، والأفضل تناول المعالجة بالشكل التطبيقي العملي بعيداً عن منطلق الفكرة. وقال بدرو كاناليس: “تعلمنا من الخبرة الإسبانية أن اللحظات التي تحدث لظروف تاريخية واجتماعية، أحداث ثورية في المجتمع هي التي تكتسب فيها الثقافة أشكالاً متطورة للغاية”، مضيفاً بأن ذلك هو ما حدث بالفعل في اسبانيا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، عندما اضطر النظام للتراجع أمام الضغط الشعبي الرافض للديكتاتورية العسكرية، خرج منها فنانون ورسامون وأدباء وفلاسفة عظام، مؤكداً أنه برغم هذه الأنظمة الديكتاتورية، كنظام الجنرال فرانكو بآثاره القمعية، كانت هناك لحظات بالنسبة للإبداع الفني والأدبي. ورأى بدرو كاناليس أن مصر وتونس قد أينعت فيهما زهرة الفتوة الاجتماعية، حيث يعتقد أن الظروف التاريخية في تونس قدمت أعلى مستوى في العالم العربي في مجال التعليم والحصول على المعرفة، ومصر هو ذلك البلد الذي ظل لقرون وحتى اليوم نقطة إشعاع حضاري ذات طابع يتسم بالكونية، وليس مصادفة أن تكون مصر هي البلد العربي الوحيد الذي له “مركز ثقافي” في اسبانيا برغم أن الدول العربية كلها لها سفارات في مدريد. الوضع السياسي وتحدث المفكر خالد سالم عن “لاهوت التحرير وموقفه من الشعب” قائلاً لقد ولد “لاهوت التحرير” أو “لاهوت الفقراء”، كتيار داخل الكنيسة الكاثوليكية في أميركا اللاتينية على اثر المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 ـ 1965)، وذلك على يد مجموعة من رجال الدين من القارة المقهورة على يد العسكر، وباسم الدين كان يمثل انشقاقاً مقنعاً داخل الكنيسة ردا على الوضع السياسي الديكتاتوري القمعي في القارة اللاتينية بمساعدة غربية وغض الطرف من قبل الفاتيكان. وأضاف بأن مؤسسي هذا التيار يهدفون إلى الانفصال الكامل عن مؤثرات الحضارة المهيمنة والمستقلة ممثلة في الغرب الأوروبي، لهذا رفضوا ما جاء من هذا الغرب من أفكار مسيحية فانطلق فكرهم من احتياجات مجتمعهم المقهور، وتراجعت علاقة هؤلاء اللاهوتيين الجدد مع الفاتيكان لتقتصر على الإداريات ففرضوا لغتهم على الصلوات، ووصل بهم الحد إلى أن فرضوا عليه فك تحالفه مع النظم الاستبدادية في القارة الجديدة. وتطرق محمد أحمد مرسى إلى “الثقافة والتحول الديمقراطي في إسبانيا وتشيلي” مؤكدا أن الثقافة في هذه المرحلة الثورية تمكن من الإسهام الفاعل في دفع عجلة البناء، من خلال إعلام ناجح يؤمن باحترام عقلية الفرد ويغذيه بالصدقية وثقافة تؤهله معالجة القضايا والتعامل معها، كما حث بالفعل في اسبانيا وتشيلي لأنهما استطاعتا إيجاد أو خلق نظام قانوني له طابع الخصوصية والتفرد، يجعل الوصول إلى المناصب العامة على أساس الكفاءة والتفوق وتهيئة المناخ الملائم للتطور والمشاركة الشعبية في العمل السياسي، مؤكدا إلى أنه قد تم التخطيط في كلا البلدين لتوفير بنية تحتية ثقافية قادرة على احتضان أنشطتها التخصصية عن طريق تطوير البنية الإدارية والقانونية التشريعية والاهتمام بالمرافق والمنشآت الثقافية. ايزيس وأوزوريس وأثار د. أنور أبو غيث خلال مداخلته “ملامح الثورة السياسية” العديد من التساؤلات منها: هل كانت 25 يناير ثورة أم انتفاضة؟ وقال إن هذا السؤال بدأ يتكرر كثيراً في الشهور الماضية وله دافعان، الأول ما أعقبها من ممارسات سلطوية أعادت إنتاج نظم القمع من جديد، والثاني هو المعايير التقليدية للثورة في تاريخ الفكر السياسي والتي لا تنطبق على ما حدث في 25 يناير مثل غياب الطابع الطبقي وعدم وجود تنظيم موحد أو زعيم. وأضاف د. أبو غيث أن القياس على ما سبق من شأنه أن يخفي ملامح أصيلة ومبتكرة لهذه الثورة فهي تطرح غايات جديدة في مطالبها التي تحملها قوى اجتماعية تتجاوز التصنيف الطبقي التقليدي، ومن خلال اتباعها لأساليب محاصرة السلطة القائمة تفتح باب المراجعة كثير من المفاهيم حول الشرعية وآليات التغيير السياسي. وتحدث الكاتب الروائي حجاج أدول عن “الثورة وحقوق الثقافات الفرعية” مشيرا إلى أن من أهم الأساطير الفرعونية العالمية ايزيس وأوزوريس كثنائية في وحدة الخير تعبر عن وحدة الشعب المصري وعدوهما “ست” ممثل الشر والعامل على تفتيت تلك الوحدة، والخير يستمر بتجميع القطاعات المصرية واحترام خصوصيتها وتزدهر مصر ويعمل “ست” على بعثرة قطاعاتها ليضرب الخير في مقتل، باغتيال أوزوريس وبعثرة أشلائه فلا يكون قطعة واحدة، مع إذلال إيزيس روح مصر، ثم دور ايزيس التي جمعت أشلاء زوجها المتناثرة في أنحاء مصر وبدموعها النيلية، باستعانتها بالعلم “إله المعرفة توت” بثت الحياة في أوزوريس فحياة أوزوريس لا تكون إلا بالوحدة، وأنجبا ابنهما المقاتل “حورس” الذي هو نتاج الخير، وقاتل الشر المتمثل في “ست” فهزمه، فالشر قد رسخ في مصر عقودا عديدة، والخير في ايزيس وأوزوريس هما مصر، وثور يناير هي “حورس” الذي يطيح حاليا شرور “ست” المتمثل في نظام المخلوع. وأكد د. صالح مصباح أستاذ الفلسفة بجامعة تونس في مداخلته انه من خلال المنطلق التاريخي والسياسي الراهن، تعد التجربتان التونسية والمصرية، انعكاسات ما يعرف بالمنعطف الثقافي للدراسات الاجتماعية على الحركات الاجتماعية والثقافة المعنية لا تنحصر فيها مجرد الإبداعات الفنية بالمعنى الأنثربولوجى العام، لكنها من المنتج الثقافي الروحي والرمزي الخاص بمجموعة إنسانية محددة بقصد إبراز أهمية الوسائط الجديدة للمعرفة واختلاط المطالب الاجتماعية والسياسية بالمطالب الثقافية في جعل هذين المسارين الثوريين معقدين من خلال جمعهما بين الطابع المحلي والكوني على نحو مستحدث حقيقة منذ ولادتها. النخبة والجماهير وحلل المفكر د. حسن حنفي علاقة الثورة بالثقافة مؤكدا أن الثورة الثقافية هي تعبير مألوف في تاريخ الثورات مثل الثورة الفرنسية وثورة الشباب 1968 وهي لا تعني فقط إسقاط رأس النظام أو تغيير أو انتخاب المؤسسات الدستورية انتخابا حرا،ً بل تعني تغيير التصورات للعالم والرأي للإنسان والمجتمع والتاريخ، فالثقافة نوعان ثقافة النخبة وهي الأيدوليجيات السياسية ليبرالية أو اشتراكية أو ماركسية، وهي لا تحرك إلا المثقفين وهم أقلية، وهي يسهل حصارها من النظام السابق اعتماداً على قلتها وإنها وافدة، أما ثقافة الجماهير فهي شعبية تستند إلى الموروث الثقافي النصي أو من الأمثال العامية، وهي تحرك الجماهير وهم الأغلبية، ويسهل الاعتماد عليها من النظام السابق لأنها محافظة وتقليدية. وأضاف بأن مفهوم الثورة الثقافية يعني توسيع قاعدة ثقافة النخبة على اختلاف أنواعها بالموروث الثقافي، فإذا كان مثلاً رمزه الإسلام تكون لدينا محاولات لتأسيس ليبرالية إسلامية أو اشتراكية إسلامية، ولو أن ثقافة الجماهير تقوم على تصور رأسي للعالم بين الأعلى والأدنى، فإنه يمكن تحويلها إلى تصور أفقي، أما إذا كانت ثقافة ثنائية تقوم على الصراع بين السلب والإيجاب أو الحلال والحرام فإنه يمكن تحويلها إلى ثقافة طبيعية تضع الاثنين معاً في جدل اجتماعي، وإذا كانت ثقافة تصدر أحكاما مطلقة فإنه يمكن تحويلها إلى ثقافة نسبية ترتبط بالزمان والمكان والتاريخ، أما إذا كانت قدرية تسلم بالقضاء والقدر فيمكن تحويلها إلى ثقافة حرة تعتمد على حرية الاختيار والمسؤولية الفردية، مؤكداً أنه على هذا النحو تقل المسافة بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير، وتتسع قاعدة ثقافة النخبة وتتحرك ثقافة الجماهير نحو التقدم والقضاء على اغتراب الثقافتين. وناقش د. فيصل دراج قضية “المثقف المتسلط والمثقف الديمقراطي” قائلا: “تأسست الهالة المعرفية التي تقصد المنفعة لا الحقيقة على منظور محدد هو “بلاغة المسافة” التي يوهم فنها اللغوي أن الحياة تقوم على مسافة لا يمكن تجسيرها بين المختصين وعامة الناس، لهذا قام البعض باستعمال مزور للقول الشائع “من علمني حرفا كنت له عبدا” ناقلين التأكيد من العلم إلى العبودية متناسين أن في القول ما يعنى “من علمني حررني”، ولعل الاطمئنان من القسمة المستبدة هو الذي أنتج “الطوائف العلمية” حيث للمختصين اجتماعاتهم المغلقة، وكثيرا ما كان في لغة الاختصاص المغلقة ملاذ آمن لتهرب من الشأن العام والتعرض للقضايا المعيشية بقدر فيه تستر على السلطة وقضاياها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©