السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدلال الزائد قسوة

5 يوليو 2010 20:55
نثر جسده على الأرض يبكي ويتمرغ، بل ينتحب ويصيح بصوت عال، تجمهر حوله الكبار ونفر الصغار من تصرفاته، ظل يشغل مساحة واسعة ممتدة أمام تحلق أقرانه، يرمي بأغراضه ليحاول من حوله من الكبار التقاطها واعادتها لحضنه، غاص وجهه في دموعه التي حجبت رؤيته عمن حوله من الناس. أثار فضولي هذا المشهد، فاقتربت أكثر، سألت المسؤولين أو المشرفين على التدريبات التي يمارسها، والتي يقصد منها زرع الثقة بالنفس وتعليم التواصل والاحتكاك بالآخر، وصقل المهارات وتنمية القدرات الذاتية، هذه الدورات التي نهجتها المراكز الصيفية دفعا بالشباب والأطفال لشغل أوقات فراغهم والنهل من ينابيع العلم والمعرفة والرياضة، نفع يرتجى وصحة بدنية وعقلية غاية الأهل. هكذا كان ،وجيئ بهذا الطفل لمركز من المراكز لتعليم رياضة نبيلة تعرف بأنها الطريقة الشاملة والأكثر فعالية لاستخدام الفكر والجسد في الهجوم والدفاع بشكل دقيق وفعال، وتستعمل في بلورة وتحسين عمل وتنمية أعضاء الجسم وزيادة القوة الفكرية والأخلاقية في العمل الإيجابي، جاءت به والدته إلى هذه المساحة لتشغل وقته وتفكيره، وتغير من سلوكه للأحسن، وحين السؤال عن سبب تمرده هذا قالت إحداهن إنه الدلال الزائد، وأن والدته قدمت به للمركز وقالت: «شدوا عليه شوية»، اقترب منه أحدهم يحاول استفزاز رجولته التي يغرسها عادة الأهل في أعماق كل طفل ذكر منذ بداياته الأولى، لم يستجب وظل مرتمياً على الأرض منتحباً ويردد: «تعبان مافيني أقوم» بدون عناية يترك حزام بدلته الرياضية ينسحب عن خصره عنوة، ليلتقطه أحدهم من جديد، وبكل الطرق يسايره ليبدأ التدريبات، وإن غلبه أحد الصغار الذي يعاركه في إطار أصول ومقومات هذه الرياضة، يبدأ بالبكاء ثانية، لايريد من ينتصر عليه، ولايريد اللعب في إطار المنافسة، ويرضى بقانون الرابح والخاسر، فقط يريد من يمنحه الفوز جاهزا، وخوفا من ردة فعله، ومراعاة لمشاعره المرهفة أصبح المشرفون على تدريب الصغار يتمنوه رابحاً أبداً، هذا لأنه تعود الدلال واتخذ الفوز يسرا، تعود أخذ كل شيء بسهولة ويسر، استشعر مشاعر أهله الجياشة نحوه وشغفهم به، واختبرهم في مواضيع شتى، وأصبحت طلباته مجابة حتى بدون إشارة من لحظه. هناك الكثيرون من أمثاله، وهناك الكثير من الأهالي الذين يخبئون أولادهم في حنايا أفئدتهم خوفاً عليهم من عاديات الزمان، ومن اختبار الحياة، ومهما ظلّلّ الأهل على الأبناء حتما ستهب رياح الحزن والألم ونسائم الفرحة والسعادة، فاختبار الطفل للحياة بكل تلاوينها وتجاذباتها وتقلباتها يعزز مناعته ويقويها في اتجاه التعاطي مع الحياة بكل تفاصيلها وجزئياتها، ليتحلى بالصبر والقناعة والتخطيط للوصول إلى هدفه عن طريق الحكمة والتروّي مستقبلا، وتقديم العناية الزائدة يعد تكبيلا لحركة الطفل ويُضعف ثقته بنفسه. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©