القاهرة (الاتحاد)
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم ذكر النار، فأشاح بوجهه، فتعوذ منها، ثم قال: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»، وقال: «فمن لم يجد فبكلمة طيبة». وهو من الأحاديث الدالة على كثرة طرق الخير. وفي الحديث تحذير نبوي ثم توجيه إلى فعلٍ يقي أمته ويسترها من النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك مناسبة لتحذير أمته من النار إلا حذّرها وأنذرها، رحمة منه وشفقة عليها، وفيه حثّ على عمل الخير كله، قليله وكثيره، ولو بالكلمة الطيبة، وأن ذلك يقي صاحبه ويستره من النار، قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث الحث على الصدقة بما قل وبما جل، وأن لا يحتقر ما يتصدق به، وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار.
وقال أهل العلم: ينبغي للإنسان أن يجعل بينه وبين النار حاجزاً من عمل صالح، أو صدقة، وفي حديث السيدة عائشة عن المرأة التي أعطتها ثلاث تمرات ومعها ابنتاها فأعطت كل واحدة تمرة، فلما رفعت التمرة إلى فيها صاحت كل واحدة من هؤلاء البنات تريد أن تأخذها فشقتها شقين، وأعطت كل واحدة شقًّا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها دخلت الجنة بذلك، لمّا أخبرته رضي الله عنها، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار».
ومعنى شق التمرة: نصفها، وهو مبالغة في القلة، قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)، «سورة الزلزلة: الآية 7».
ويروى أن السيدة عائشة آثرت سائلاً طرق بابها بطعام إفطارها كله، ومرة أخرى أعطته حبة عنب، فمن اعتاد الصدقة تصدق مرة بالكثير ومرة باليسير، حسب ما يتيسر له. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الكلام الطيب كالصدقة بالمال، وجاء التشبيه لأن الصدقة بالمال تحيا بها نفس المتصدق عليه ويفرح بها، والكلمة الطيبة يفرح بها المؤمن ويحسن موقعها من قلبه، فإنها تُذهب الشحناء والبغضاء، قال تعالى: (... ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، «سورة فصلت: الآية 34»، والدفع بالتي هي أحسن يكون بالقول وبالفعل. وقال العلماء إن الحديث دل على كثرة طرق الخيرات التي شرعها الله لعباده ليصلوا بها إلى غاية المقاصد، ومنها الصدقة، قال رسول الله: «إن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»
عدد اليوم
