في بوليفيا... التلفزيون سلاح ضد المعارضين

يبدأ الفيلم الوثائقي الذي بثه تلفزيون بوليفيا الحكومي مؤخراً، بصور معبرة لقادة حركة ''أوستاشي'' -وهي حركة فاشية سبق لها أن حكمت كرواتيا خلال الحرب العالمية الثانية، ويعرض الفيلم الذي يأتي في إطار حملة دعائية تستهدف أحد أقوى الأصوات المعارضة للرئيس البوليفي ''إيفو موراليس'' صوراً باللونين الأبيض والأسود لضحايا معسكرات الاعتقال النازية مصحوبة بالسؤال: من هو ''برانكو جورا مارينكوفيتش جوفيسفيتش''؟ أما هذا الأخير فقد التقيناه وهو جالس في مكتبه ويبدي تذمراً طبيعياً من ربط السلطات لاسمه بالنازيين الذين هربوا إلى منطقة أميركا اللاتينية؛ يذكر أن السيد ''مارينكوفيتش'' البالغ من العمر 41 عاماً يتربع على عرش إمبراطورية عملاقة لصناعات زيوت الطهي، ويعتبر من أثرى الأثرياء البوليفيين؛ وبعد أن فرغ من عرض الفيلم الوثائقي الذي بث عنه لبعض الزوار، تابع النظر إلى صورة قائد طائرته الخاصة عبر شاشة الكمبيوتر المحمول الخاص به· وربما كان في الشرود البادي على نظراته ما يفضح أفكاره التي لم يفصح عنها·· ولعلها تحرضه على الانتقال من بوليفيا إلى أي مكان آخر على وجه الأرض· غير أنه لا يزال مقيماً هنا في بوليفيا، ما يلزمه بالإجابة عن السؤال المستفز المثار بحقه في الفيلم: من يكون؟ ففي نظر الكثير من البوليفيين، يعد السيد ''مارينكوفيتش'' الذي هاجر أجداده إلى بوليفيا في عقد خمسينيات القرن الماضي هرباً من جمهورية يوغوسلافيا السابقة، يعد مثالاً لعزم وقيادة رجل الأّعمال المثابر على تنمية ثرواته، في مواجهة السياسات الراديكالية التي تتبناها حكومة الرئيس ''إيفو موراليس''؛ وعلى حد عباراته هو، فقد خطا ''مارينكوفيتش'' الخطوة التي رأى أهمية كبيرة لها من عالم المال والاستثمار إلى عالم السياسة حرصاً منه على الوقوف في وجه ما وصفه بانحدار سياسات بلاده باتجاه عدم التسامح والكراهية المعلنة ضد البوليفيين البيض من أمثاله؛ غير أن ''مارينكوفيتش'' والحركات الاجتماعية التي تؤيده، يظلان تجسيداً حياً في نظر الرئيس ''موراليس'' ومركز جذب مغناطيسي لكل ما هو سلبي وخاطئ في الجزء الشرقي المتمرد من بوليفيا· لقد تصاعدت انتقادات الحكومة وهجومها عليه بصفة خاصة عقب انتخابه في العام الماضي رئيساً للجنة ''برو-سانتا كروز'' القوية النفوذ والطامحة إلى انتزاع المزيد من الاستقلال الذاتي للإقليم الشرقي من بوليفيا من سيطرة الحكومة المركزية في ''لا بازا''؛ ومن بين الاتهامات التي توجهها إليه الحكومة المركزية أن ثروتــــه الطائلـــة التي كونها، يعود الجزء الرئيسي منها إلى استيلائـــه غير المشروع على أراضي ''هنود جورايو''، وهي التهمة التي استطـــاع ''مارينكوفيتش'' أن ينفيها عن نفسه قضائياً من داخــــل قاعــــة المحكمـــة؛ لكن ومع ذلــــك فإن هنـــاك من مؤيدي الرئيس ''موراليس''، من يواصل استخدام اسمه الأجنبي وأصوله العائلية في إثارة الاتهام ضده بأنـــــه يد تخريبية أجنبيـــة داخــل بلادهم· يشار إلى أن ''مارينكوفيتش'' يحمل كلتا الجنسيتين البوليفية والكرواتيــة· ويشير الإعلام الحكومي أيضاً إلى أن ''مارينكوفيتش'' يسعى لإشعال حرب أهلية في بوليفيا، تهدف إلى انفصال الإقليم الشرقي، على غرار انفصال إقليم كرواتيا من جمهورية يوغوسلافيا السابقة؛ ويشدد الإعلام الرسمي على تأكيد صلة والد ''مارينكوفيتش الراحـــل'' -سيلفيو- بحركة ''أوستاشي'' التي كـــــان من بين أعضائهــــا الهاربين إلى منطقة أميركا الجنوبية، بصحبة حلفائهم النازيين، وفي بيان رسمي صدر عن وكالة الأنباء البوليفيــــة الرسمية خـــلال الشهر الحالي، جاء ما يفيد بترويج السيد الكرواتي ''مارينكوفيتش'' لحركة انفصالية في الإقليم الشرقي، تدعمها مجموعات فاشية معارضة للرئيس ''موراليس''· يذكر أن ''مارينكوفيتش'' يدير ثروات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، ويتمتع بعزم استثماري لا يلين، ولا تربطه بحكومة ''لابازا'' المركزية سوى علاقــــات فاترة ضعيفـــــة تغلـــب عليهــــا الخصومــــة والجفـــاء؛ وفي الوقت الذي يسطع فيه نجم الرئيس ''موراليس'' في المجال السياسي -على رغم وصف الكثير للمراقبين بأن هـــذا السطـــوع يعتمد على سياسات الترهيب والقهر التي يتبعها نظامـــه، أكثر من كونه تعبيراً عن شعبية سياسية حقيقية- يلاحظ أن نجم خصمه ''مارينكوفيتش'' يسطع هو الآخر في دنيا المال والأعمال والسياسات المعارضة لحكومة ''لابازا''؛ وفي معرض رده على الاتهامات المثارة بحقه من قبل الحملة الإعلامية الرسمية التي تقودها حكومة ''موراليس''، يقول ''مارينكوفيتش'' إن أباه كان شيوعياً من الذين حاربوا ضد النازية مع القائد الشيوعي اليوغوسلافي الراحل ''جوزيف بروس تيتو''، وهذه الحقيقة هي التي تفضح الأكاذيب التي تروجها السلطات عن أصولي النازية؛ وقال بإنجليزية لا تخلو من لكنة محلية، كان قد تعلمها أثناء دراسته للهندسة والعلوم المالية في ولاية تكســاس الأميركيــــة، إن الكثير مــن الأكاذيــــب تلفـــق وتروج هنــا في بوليفيا· ولكن ما أصعب معرفة أين تكمن الحقيقــــة في مكــــان آخــــر من بوليفيا، هو مدينة ''سانتا كروز'' المتمردة على السلطة المركزية· ففيها توجد المجموعات المواليــــة لحركـــة ''فالانج البوليفية الاشتراكية'' التي لا تخفي مشاعــــر كراهيتها للأجانــــب، وتوحي الطريقة التي يلقي بها أعضاؤها بالتحية الرسمية لبعضهم البعض، بما يعيد إلى الأذهــــان ذكريـــــات حركة ''فالانج'' الفاشيــــة الموالية للديكتاتور الإسباني السابق الجنرال ''فرانكــــو''؛ وإلى جانب هذه الحركــــة هنــــاك جنـــــاح آخر شبــــه مستقل هو ''اتحــــاد شباب سانتا كروز'' الذي أنشــــأه ''مارينكوفيتش،'' الذي ينفي عن نفســــه الاتهامــــات الانفصاليــــة التي تثيرها ضده حكومة ''لابــــازا''، ويؤكد حرصــــه على وحدة بوليفيا في ظل توجهات ديمقراطية شفافــــة· سايمون روميرو- بوليفيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز