الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السعادة خرجت ولن تعود

السعادة خرجت ولن تعود
8 مايو 2014 20:10
كانت الصدمة بالنسبة لي قاتلة، دمرتني وزلزلت كياني وهزتني بشدة وعنف، قوضت أركاني، كسرت كل شيء جميل في داخلي، قضت على أحلامي وأمنياتي والقادم من حياتي، لست قادرة على لملمة ما تبقى مني، كنت اكبر مخدوعة، وشقيت بحسن ظني وتفرغي لزوجي وأولادي، فقد اكتشفت أنني أنام على أذني، وقعت في خدعة غير قادرة على الخلاص منها، فالرجل الذي أخلصت له على مدار عشرين عاما، فوجئت بزواجه من أخرى، اكتشفت ذلك بالمصادفة بعد زواجه بعام كامل. زواج تقليدي لعلي أبدأ من حيث علاقتي به، لم تكن بيننا علاقة أو معرفة سابقة، تزوجنا بطريقة تقليدية، تمت الخطبة عن طريق المعارف والترشيحات، بعد أن رآني في حفل عرس فتاة من قريباتي، وتربطه علاقة قريبة من بعيد بعريسها، وقد جاءت من تنقل إلى أسرتي رغبته في زيارتنا للحديث عن الخطبة وطلب يدي وللتعارف، بعد أن عبر عن هيامه بي، وإعجابه الشديد بأناقتي والأهم على حد تعبيره، انه مجنون بأخلاقي، حيث لاحظ أنني الوحيدة من الفتيات اللاتي كن حاضرات في الحفل لم أرقص أو أتراقص كما فعلت الأخريات، وكذلك لم أشارك في الغناء، ونقلت «الخاطبة» عنه أيضا إنه منذ فترة يبحث عن عروس بهذه المواصفات. وافقت أسرتي مبدئياً على لقاء التعارف، وتم تحديد موعد، جاء وحده والتقى أبي وأمي، قال إنه مهندس ديكور عمره تسعة وعشرون عاما، أي يكبرني بستة أعوام، يملك شقة في مكان راق، ودخله جيد من خلال عمله في شركة خاصة، وانتهى اللقاء الذي لم يستمر اكثر من ثلث الساعة على وعد بالرد عليه بعد تدارس الأمر أسرياً، وناقشت أسرتي الموضوع من وراء ظهري أولا من جوانب مهمة، ومنها أخلاقياته وظروفه، وهل سيكون مناسبا لي أم لا، وتمت الموافقة عليه ويبقى القرار النهائي لي ،وأنا صاحبة الحسم، ولأنني لم تكن لي علاقات بأي شاب وليس لي شروط معينة فيمن سيرتبط بي، إلا الخلق الحسن، والمستوى المادي المتوسط أو المعقول، ووجدت انه لا يعيبه شيء، حسب حدود معرفتي به من خلال المعلومات المتاحة عنه. حجر عثرة حضر مع أسرته لقراءة الفاتحة، وأبدى استعداده لأي مطالب من جانبنا، وبعدها تعددت زياراته لنا، وقد اكتشفت أنه كان مرتبطا بابنة خاله، وتم إعلان خطبتهما التي استمرت لأكثر من عامين وتم فسخها، وحسب قوله انه لم يجد فيها ما يريده من شروط في فتاة أحلامه، فهي متحررة، ولديها جرأة غير عادية في الحديث، علاوة على أنها تعيش في مستوى مادي أعلى من مستواه بكثير ولا يستطيع أن يلبي رغباتها، بجانب أنها لا تجيد أي شيء من الأعمال المنزلية، ولم يحدث بينهما توافق لهذه الفوارق والاختلافات، وعلاوة على هذا وذاك تريد أن تفرض رأيها عليه، وتتسم بالعناد لمجرد إثبات قوة الشخصية، رغم أنها قريبته لكن لم يكن يعرف هذا كله لأن كلا منهما يقيم في مدينة بعيدة عن الأخرى. بالطبع تأثرت نفسيا، لأنني لم أكن الفتاة الأولى في حياته كما هو الفتى الأول في حياتي، لكن بعد أن قلبت الأمر على جميع جوانبه لم أجد فيه شيئا يستحق التوقف أمامه وليس فيه ما يعيبه، ويكفي أنه ضحى بها واختارني، وتناسيت تلك التجربة، وقد حاول بعد ذلك أن يجعلني أشعر بتلك الفوارق بيني وبينها، وفي كل مرة بالطبع يمتدحني ويذمها، حتى طلبت منه عدم فتح هذا الموضوع حتى لا يكون حجر عثرة في حياتنا، واكتفيت بأنه يحاول استرضائي بشتى السبل، يعمل جاهدا على تلبية مطالبي، والاستجابة لكل ما أريد حتى لو لم أطلبه، إذ ينفذ بمجرد استشعاره رغبتي في شيء معين. استجابة طبيعية بعد أن تم الزواج، طلب مني زوجي أن أترك العمل لأنه لا يحب أن تكون زوجته عاملة، ولا يريد لي أن أعاني في المواصلات كل يوم، ومن مدخل حرصه عليّ وحتى لا انشغل عنه وأنه يريد أن يراني ويجدني في البيت في كل وقت، أقنعني بذلك خاصة أنني لست مصرة على العمل ولسنا بحاجة إلى الراتب الذي أحصل عليه منه، وخاصة وأن دخل زوجي يكفينا ويزيد، وبعد عام واحد من زواجنا تمكن من شراء سيارة جديدة بدلا من السيارة القديمة المتهالكة التي كان يملكها، ولاحت في الأفق بوادر الحمل بطفلي الأول، فلم يكن ترك العمل تضحية من جانبي، بل اعتبرته استجابة طبيعية لرغبته. كرست كل جهودي ووقتي لأسرتي، وقد رزقنا بطفلة جميلة، ومن بعدها بولدين كانوا جميعا مثل الزهور المتفتحة في فصل الربيع، التي تبث البهجة وتنشر السرور في بيتنا، ترفرف علينا السعادة، وحياتنا تسير من حسن إلى أحسن، وظروفنا إلى الأفضل، وزوجي هو الآخر لا يألو جهدا في عمله، فهو يحصل على اجر مجز كلما بذل مزيدا من الجهد والوقت، وأنا متفرغة تماما لزوجي وأبنائي، من طعام وشراب وكل شأنهم، لا يشغلني أي شيء غيرهم، اختار لهم الملابس وأتولى مهمة الدروس والواجبات المدرسية والاحتياجات الصغيرة والكبيرة حتى يتفرغ زوجي لعمله، ارتب لهم رحلات التنزه كي لا نصاب بالملل ونجدد نشاطنا، وبفضل ذلك كنا نجني الثمار، الزوج يتقدم في عمله بخطى ثابتة، والأبناء ينجحون ويحرزون المراكز الأولى ويحصلون على أعلى الدرجات، وأنا يكفيني هذا كله، ولا أريد إلا أن يستمر وتمر الحياة على هذه الوتيرة. أثر «الفراشة» ارتبط زوجي بعمل جديد تابع لنفس الشركة التي يعمل بها، مع سيدة أعمال، اشترت فيلا جديدة ويتولى أعمال الديكور بها، يحدثني عنها كثيرا، ويقضي وقتا طويلا في عمله وهي معه، لأنها حريصة على الإشراف على كل صغيرة وكبيرة بنفسها، وتجري تعديلات، وتطلب مواصفات معينة وتستعين بالمجلات المتخصصة، وأحدث الصيحات في عالم الديكور، ولا يخفي انه معجب بطريقتها وأسلوبها في التعامل، ويثني على أناقتها رغم أنها تقترب من الستين، لكن على حد وصفه تبدو مثل الفراشة، أو فتاة في العشرين من عمرها، فوق هذا وذاك وجدته يوما يأتيني بهدية ذهبية منها قال، إنها أرسلتها لي، تعبيرا عن اعتذارها عن انشغالي عن أسرتي في العمل معها، وثانياً اعترافا وتقديرا لجهوده ووقفته بجانبها، ولم يدر بخلدي أي تأويل لهذا كله. وقد جاء يوما يبلغني عرضها أنها تدعونا على العشاء في الفيلا التي تملكها بعد أن انتهى من اللمسات الأخيرة، وقد ترددت لعدم وجود معرفة سابقة بيننا، لكنه حاول أن يقنعني بضرورة قبول الدعوة، وأنها فرصة للتعارف، ولقد أحسنت المرأة استقبالنا، وبالغت في كرم الضيافة بشكل لافت للنظر، وبما يصل إلى حد الإسراف بلا داع وليس هناك حضور غيرنا، ووجدتها فعلا اكثر مما قال عنها زوجي، فهي فعلا تبدو أقل من عمرها الحقيقي بسبب اهتمامها بنفسها وبملابسها وحياتها، فلم أصدق بعد ذلك أن لها أربعة أبناء قد تزوجوا جميعا، وأنها أرملة وتعيش بمفردها في هذه الفيلا الفسيحة الحديثة، حتى أنني قلت لزوجي مازحة ليتك تتبنانا ونذهب لنقيم معها، فضحك وقال الحمد لله على عيشتنا وحياتنا. الطامة الكبرى ابنتي الكبرى بلغت الثامنة عشرة، وتدرس في الثانوية العامة، والولدان بالمرحلة الإعدادية، حين اكتشفت الطامة الكبرى، أن تلك العجوز المتصابية قد استطاعت أن توقع بزوجي في شباكها أو وقع هو في غرامها، ليس المهم من الذي بدأ منهما، ولكن المهم النتيجة المؤلمة انهما تزوجا، ودارت بي الدنيا، وأصابتني حالة من الجنون الفعلي، فقدت السيطرة على تصرفاتي وانفلتت أعصابي، أولا لأنني لم اقصر معه يوما، وتحملت عنه مسؤولياته في البيت، وثانيا للخدعة الكبرى التي تعرضت لها، فقد كانت دعوتها لنا في الفيلا ليست بمناسبة الانتهاء من الأعمال بها، وإنما احتفالا بزواجهما الميمون، لم أجد مبررا واحدا، ولا عذرا ألتمسه لزوجي على «خيانته» وفعلته، ففي الحقيقة أنني اجمل منها وأصغر منها بأكثر من اثني عشر عاما، ويكفي أنه تزوجني بعد ما عرف ما عرف، وشاهد من التزامي وأخلاقي. لم أجد أي شخص من أقاربي وأقارب زوجي، إلا وقد استنكر فعلته لأنهم يعرفون الحقيقة كاملة، لم يجد واحدا يقره على ما فعل، كل ما استطاع أن يقوله إنه لم يفعل شيئا حراما، وأنا أعرف انه لم يفعل حراما، لكنه ارتكب جرما غير مبرر في حقي وحق أبنائه، وقد كنت في موقف صعب فعلا، فأنا لن اقبل بتلك الضرة العجوز، ولا أريد أن اطلب منه أن يطلقها، ولكن المشكلة الكبرى كانت في الأبناء وخاصة الفتاة التي ترتبط بأبيها بشكل غير عادي، اهتزت صورته الجميلة في عيونهم ولم أكن قادرة على تجميلها أو إعادتها إلى ما كنت عليه، اعلنوا مقاطعته ورفضوا التعامل معه وأنا حائرة لا أريدهم أن يخسروه، ولو كان الحل في طلاقي ما ترددت، من اجل الحفاظ على مستقبلهم، ولكن المشكلة معقدة إلى أقصى حد، فقد أهملوا دراستهم، والامتحانات على الأبواب وقد انقلبت حياتنا كلها رأسا على عقب، خرجت السعادة من بيتنا ولا نعرف إن كانت ستعود أم لا، بل فقدنا الأمل في عودتها. الأجواء في البيت لم تعد هادئة، زوجي انسحب في هدوء، يقضي كل وقته مع الزوجة العجوز الشمطاء، ولم تعد هذه هي مشكلتي، ولا يهمني الآن مسألة زواجه، وقطعا لا أريده ولا أقبل أن أعود إليه مهما حدث، فالجرح الذي أحدثه داخلي أكبر من أن يندمل، والشرخ أكبر من أن يعالج، لكن المشكلة الكبرى هي أبنائي الذين أراهم يضيعون بسبب فعلة أبيهم، لا شهية لطعام ولا رغبة في الحياة، كل منهم يغلق باب غرفته على نفسه بالساعات الطوال، وأنا لم أعد أنا، فشلت في الاستمرار في مهامي، وغير قادرة على إنقاذ أبنائي، وهذه هي الطامة الكبرى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©