الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

نازحو الموصل.. «تغريبة» الجوع والموت وغياهـب المجهـول

نازحو الموصل.. «تغريبة» الجوع والموت وغياهـب المجهـول
10 يوليو 2017 20:06
لهيب عبدالخالق، سرمد الطويل (بغداد) مع انتهاء معركة الموصل، تدخل محافظة نينوى العراقية، بمدنها وأقضيتها ونواحيها مرحلة غامضة أطلق البعض عليها مرحلة ما بعد «داعش»، لكنهم اختلفوا في الرؤى حولها، بما يحمل المشهد في المحافظة المنكوبة من فظائع إنسانية واقتصادية واجتماعية، حيث طال الدمار كل البنى التحتية وتهدم أكثر من 90% من مبانيها ومنازلها ومؤسساتها ومدارسها وجامعاتها، ولم تسلم حتى آثارها وجوامعها. فقد سحقت سحقا وأصبحت أثراً بعد عين، ولم يتبقَّ شيء سوى جثث المدنيين تحت الأنقاض والتي ما زالت تنتظر من ينتشلها. وبين مخيمات لا تقي من حر أو برد.. وطرق ذابت عليها أجساد النازحين من جوع وخوف وعطش، وبين حلم العودة إلى المناطق المحررة، تنتصب عوائق كثيرة وقصص تفتت الصخور أوجاعها. فقد عاش «الموصليون» أقسى فترة تعيشها مدينة تحت سطوة تنظيم وحشي يتلفع بالدين، وحصار خانق أتى على الفقراء والمساكين والأطفال، وقتال قالت عنه الأمم المتحدة إنه «أشرس قتال، خلف دماراً لا يقارن بالدمار في أي منطقة أخرى بالعراق». ذلك المشهد المدجج بأهوال طريق الهروب من الجوع والموت والقتل والإعدامات، إلى أحضان الموت، وهو ما لا تنساه ذاكرة الأحياء من محرقة الموصل. على طرف المشهد الموصلي، تقف قضايا متعددة حول المرحلة المقبلة، التي ينتظر الجميع ملامحها، فالنازحون يريدون العودة إلى منازلهم ولو كانت مهدمة، والقوات الأمنية ما زالت تطارد جيوب «داعش» في ما تبقى من المدينة، وينتهك بعضها حقوق المدنيين مع عجز هذه القوات على حماية المدينة التي فرغت في معظمها من السلب والنهب، ومليشيات «الحشد الشعبي» ترفض عودة النازحين، بل إنها تعاملهم كأنهم «دواعش»، وذلك ما دفع الكثير من النازحين رفض العودة تحت سلطة المليشيات. وعلى جانب آخر، تقف الحكومة العراقية عاجزة عن منع الانتهاكات، خاصة التهديدات التي يلوح بها «الحشد الشعبي» بين حين وآخر، والذي لا سلطة للحكومة عليه، ما ظهر في المواقف الأخيرة من رفض حكومة بغداد انتشار «الحشد» على الحدود مع سوريا ونيتهم الدخول للقتال في أرضها، كما برز أيضاً تجاهل «الحشد» لتعليمات الحكومة في عدم دخول الموصل، ووقف الانتهاكات، وعدم اعتقال المدنيين، الذي اختفى المئات منهم وذابوا في ثنايا فصائل الحشد الكثيرة الممتدة من إيران إلى سوريا مروراً بالعراق. ومن ضبابية المشهد لا نجد برنامجاً واضحاً ومعلناً للحكومة بشأن عودة النازحين، وترتيب أوضاعهم في مدينة فقدت كل شيء وأصبحت تراباً، والتي فر أكثر من 75% من أهلها قبيل وخلال وبعد بدء معركة طرد «داعش»، وسط تناقضات كثيرة بشأن عدد سكان الموصل، الذين قضمت حكومة نوري المالكي السابقة حقوقهم وقلصت عدد السكان في أرقام الدولة، لكي تقلص عدد المقاعد البرلمانية، وتمهيداً للمشروع الإيراني. قصة الموصل ونازحيها والواقع والمعطيات والمستقبل، تتلاطم فيها أمواج السياسة في العراق، بينما أهلها يقفون صفوفا طويلة على لقمة خبز أو جرعة ماء، أو بانتظار يوم العودة الذي يبدو غير محسوم بعد. حقائق مغيبة.. وتضارب في الرؤى في البداية، لا بد من التوصل إلى حقيقة عدد سكان نينوى، فقد تباينت الأرقام حتى أصبح التضارب ستاراً تختفي وراءه حقائق كثيرة، من بينها المفقودين والقتلى والنازحين. وفي أول الأرقام التي توفرها وزارة التخطيط العراقية، نجد أن الرقم الذي تصرح به الوزارة هو أكثر من مليونين، وهو رقم مائع.. فـ «أكثر» هذه تحتمل مليوناً آخر ضائعاً ربما لتقليل عدد المفقودين والمعتقلين والقتلى. وفي بيانات مفوضية شؤون اللاجئين للأمم المتحدة فإنه بانتهاء عام 2016 وصل عدد «النازحين قسراً إلى 4.2 مليون عراقي بمن فيهم النازحون داخلياً، وطالبو اللجوء». وتوضح في تقريرها حول «حالة الطوارئ في العراق» في مارس 2017، أن عدد النازحين في داخل العراق بلغ (3.062.808) نازح، وأن هناك (1.251.147) نازحاً في تجمعات مؤقتة. وأوردت في التقرير نفسه «نزوح أكثر من 3 ملايين عراقي في أنحاء العراق كافة منذ بداية عام 2014، ولجوء نحو 220.000 آخرين في البلدان المجاورة. وتنتشر على نطاق واسع عمليات الإعدام الجماعية وعمليات الاغتصاب الممنهجة وأعمال العنف المروعة، كما تتعرض حقوق الإنسان وسيادة القانون لهجوم مستمر. وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 11 مليون عراقي بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية. وفي تقارير وكالات الأنباء صرحت الأمم المتحدة بأن عدد النازحين في العراق ومعظمهم في مخيمات بإقليم كردستان العراق، بلغ 3.4 مليون نازح، وتؤكد النائبة عن نينوى نورة البجاري أن مليونين منهم من سكان الموصل بعد سيطرة تنظيم «داعش» عليها. ووفقاً للأرقام التي نشرتها الوكالات المتعددة، فإن أكثر من 400 ألف مسيحي نزحوا من محافظة نينوى حتى لم يتبقَّ فيها منهم أحد، وقد كان عدد المسيحيين في العراق عموماً مليوناً و800 ألف، تم تهجير معظمهم بعد اجتياح العراق عام 2003. كما نزح نحو 180 ألف يزيدي هم من سكان أقضية نينوى، ومعظمهم في مخيمات النزوح. وتفيد النائبة في مجلس مدينة الموصل بسمة بسيم ريس بأن عدد سكان الموصل أكثر من 3.5 مليون شخص الآن، بينما تؤكد التقارير الدولية ومنها و«يكيبيديا» أن سكان نينوى في عام 2003 كان أكثر من 3.5 مليون شخص، ويبلغ سكان الموصل وحدها 2.5 مليون نسمة، ومع الأخذ بنظر الاعتبار النمو السكاني وعودة الكثير من المهاجرين العراقيين، وعدد المسيحيين واليزيديين والأقليات الأخرى من شبك وأكراد وتركمان وغيرهم، يصعد الرقم إلى 4.5 مليون نسمة أو يزيد. وتبرز أسئلة كثيرة حول تعمد جهات حكومية عراقية بتقليص الرقم لسكان المحافظة، الذين تعرضوا للاغتيالات منذ سقوط العراق، والتهجير، حتى سلمت حكومة المالكي نينوى لتنظيم «داعش»، مما دفع أكثر من نصف السكان إلى النزوح بلا تفريق بين إثنية وأخرى أو عرق وآخر، حيث معروف أن هناك تنوعاً عرقياً ودينياً في نينوى. ويرى البعض أن عدم الإفصاح عن الرقم الحقيقي لسكان الموصل يهدف إلى منع جزء من السكان الأصليين من العودة إلى المدينة، تمهيداً لتغيير ديموجرافي، يسعى إليه الأكراد من جهة، والمليشيات المرتبطة بإيران من جهة أخرى. وتشير تقارير المرصد العراقي لحقوق الإنسان إلى أن سكان الموصل عانوا اضطهاداً من القوات الأمنية في فترة حكم نوري المالكي، وأن السجون امتلأت بالأبرياء، بينما قتل الكثير منهم بدعاوى «المخبر السري»، ووفقاً لمادة «4 إرهاب»، حتى أمر المالكي بسحب القوات الأمنية لتقع المحافظة أسيرة بين أيدي الإرهابيين «الدواعش». وربما ذلك التاريخ يستحضره الموصليون اليوم، فقد ارتفعت صرخات متعددة في مخيمات النازحين ومن المثقفين والسياسيين الموصليين والعراقيين عامة، بعدما آلت نينوى إلى خرائب، بمحاكمة المالكي، وفتح التحقيقات بشأن سقوط نينوى بيد «داعش» مما استدعى هذه الحرب الشرسة التي أتت على كل ما في المدينة من حجر وشجر وبشر. وقدرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية الأساسية للموصل بعد انتهاء عملية تحريرها من مسلحي «داعش» بأكثر من مليار دولار. بينما أكد خبراء اقتصاديون في لندن أن الكلفة تزيد على 15 ملياراً دولار كمرحلة أولى أمدها سنتان، وتحتاج إلى خمسة مليارات لاحقة في السنوات الثلاث التي تليها. وبحسب المصادر، فإن الجسور بحاجة إلى مليار دولار مجتمعة مع الطرق المتصلة بها من الجانبين الأيمن والأيسر لمسافة كيلومترين. وقالت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في العراق ليز جراند «بحسب التقدير الحالي، فستكلف إعادة إعمار شبكات المياه والمجاري والكهرباء وإعادة افتتاح المدارس والمستشفيات في الموصل، مبلغاً يتجاوز التقديرات الأولية بأكثر من ضعفين». وأكدت أن حجم الدمار في أيمن الموصل، الذي شهد أشرس المعارك ضد «داعش»، لا يقارن بالدمار في أية منطقة أخرى بالعراق. تحت الأنقاض.. وخلف أغبرة القتال .. مشهد مظلم خلفت معارك نينوى آلاف القتلى والجرحى، بسبب اشتداد المعارك، حيث اتخذ «داعش» عدداً كبيراً من المدنيين دروعا بشرية. وذكر المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أنه «تلقى اتصالات عديدة من عوائل في الموصل القديمة وعمال إغاثة تفيد بوجود العشرات من الجثث تحت الأنقاض في مناطق محررة وغير محررة داخل المدينة». وأكدت تقارير رسمية وغير رسمية وشهود أن الآلاف مازالوا عالقين حتى الآن في أحياء الموصل القديمة. وامتلأت مخيمات النازحين بالآلاف ممن فقدوا أهلهم وعوائلهم لدى فرارهم، فقد أكدت مفوضية اللاجئين أن الآلاف من الأطفال فقدوا عوائلهم بين موتهم في القتال وتحت القصف أو بيد «الدواعش»، وبين ضياعهم وسط الحشود الهاربة من جحيم المعارك. وأكد المرصد أن «اشهود عيان تمكنوا الخروج من الموصل القديمة، أفادوا بوجود قصف كثيف على المدينة سقط بسببه المئات من المدنيين»، وأضاف أن «المدنيين لم يجدوا طريقة أو مكاناً لدفن قتلاهم الذين سقطوا جراء المعارك، واضطروا إلى إبقائهم في المنازل ووضع قطع قماش عليهم». وقال عضو بشبكة الرصد إن «الجثث بقيت لساعات طويلة ولم ينتشلها أحد، حتى تمكنت القوات الأمنية من الوصول هناك ونقل الأحياء للمستشفيات، ورغم هذا مازالت بعض العوائل تبحث عن أبنائها، خاصة الأطفال». وذكر عامل إغاثة وصل لجامع النوري الكبير إن «المنطقة المحيطة بالجامع فيها العشرات من الجثث التي مازالت تحت الأنقاض ولم تنتشل». ولم يتم إحصاء عدد الضحايا الفعلي لمعارك الموصل بخاصة، ونينوى بعامة، منذ سيطرة التنظيم الذي عمد إلى طمس معالم المحافظة التاريخية وقتل الكثير من السكان، بينما قتل الآخرون في معارك طرده. وقالت النائبة في البرلمان عن نينوى نورة البجاري لـ«باسنيوز»، إن الجهات المختصة لم تحصي حتى الآن عدد ضحايا «داعش»، سواء قبل انطلاق معركة الموصل أو أثناء سيطرة التنظيم على المدينة، لكن بالتأكيد هناك ضحايا بالآلاف، فالمقابر الجماعية التي عثرت عليها السلطات تدل على أن عدد القتلى كبير جدا. وأضافت أنه وبعد ثلاث سنوات على سقوط المدينة، فإن واقع الساحل الأيمن مأساوي جدا والعمليات العسكرية ما زالت تحصد أرواح المدنيين، فضلا عن محاصرة الآلاف داخل المدينة القديمة، أما الساحل الأيسر، فرغم استعادته، لكن القوات الأمنية ما زال دورها ضعيفاً، ولا يمكن لها السيطرة على الفصائل التي تنتمي لـ«الحشد الشعبي» أو لسياسيين متنفذين. وأكدت البجاري أن مرحلة ما بعد «داعش» مظلمة لغاية الآن، حيث تشهد المدينة يوميا حوادث قتل وسرقة واختطاف ونهب للمال العام، في ظل عجز واضح للقوات الأمنية التي تحاول منع تكرار تلك الخروقات. وأضافت أن الخطط ما زالت عاجزة وغير فاعلة، لضبط عصابات السرقة التي تشكلت بعد مرحلة «داعش» وسرقت أملاك المواطنين، فضلا عن بعض الانتهاكات التي قام أفراد من «الحشد الشعبي»، والقوات الأمنية والفصائل المسلحة، حتى في الساحل الأيمن الذي تمت استعادة أغلبه، فهناك عمليات تصفية لبعض العوائل التي تتهم بأن أفراد منها انتموا إلى «داعش». وقالت إن تعدد القرار الأمني ساهم بتردي واقع أيسر الموصل، حيث هناك «الحشد الشعبي» و«الحشد العشائري» وفصائل من مختلف القوميات. وتابعت «نحن متخوفون من صراع مستقبلي بين تلك الجماعات المسلحة، وهو ما يشكل خطرا على المدينة». وأكدت أن الحديث عن حاكم عسكري للموصل، غير واقعي، فنحن لا نريد عسكرة المدينة والعودة نحو الوراء. وأفادت بأن نينوى عموماً أصبحت ضمن التجاذبات الإقليمية والدولية وتتصارع عليها أجندات مختلفة، كالإيرانية والتركية وغيرها، وعلى الحكومة المركزية والمحلية أن تأخذا زمام المبادرة وتمنع تلك التدخلات، وتحافظ على هوية المدينة وتراثها. وقالت إن هذه التجاذبات تجري أيضا في إطار الحراك السياسي استباقا للانتخابات، ورأت أنه «لا يمكن الحديث عن انتخابات، ومليوني نازح لا يزالوا في العراء». النفـق المظلـم.. نتائج التحقيقات حبيسة أدراج مجهولة تصاعدت أصوات المطالبين بمحاكمة المسؤولين عن سقوط مدينة الموصل في محافظة نينوى بيد تنظيم «داعش» الإرهابي، كما طالبت بكشف نتائج التحقيقات التي قام بها مجلس النواب العراقي عندما شكل لجنة في نوفمبر عام 2014، للكشف عن أسباب سقوط المدينة بيد التنظيم، في يونيو من العام نفسه، وهروب قادة كبار في الجيش إلى إقليم كردستان العراق. ووجهت اتهامات لرئيس الحكومة السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي نوري المالكي بالتهاون وترك المجال لمقاتلي «داعش» بالدخول إلى الموصل. وطالب العديد من العراقيين بمحاكمة المالكي ومحاسبته باعتباره المسؤول الأول عن الحكومة في تلك الفترة. وكان النائب حاكم الزاملي قال إن «اللجنة أكملت التحقيقات مع أعضاء مجلس محافظة نينوى، وبعض القيادات الأمنية البارزة مشيرا إلى أن اللجنة«ليس لديها خطوط حمراء لحضور أية شخصية لها علاقة بالموضوع». وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إنه«من المؤسف بعد مرور ثلاثة أعوام على سقوط الموصل بيد داعش، لم يقدم أي من المتسببين بذلك للمحاكمة، ومازال كل من تحوم حولهم الشبهات طلقاء ويمارسون عملهم العسكري والسياسي بشكل طبيعي». وطالب المرصد في تقرير«القضاء العسكري في وزارتي الدفاع والداخلية محاكمة نحو 800 ضابط متهم بينهم كبار القادة الميدانيين لمعرفة المتورطين منهم بسقوط المدينة، وفق أرقام جهاز الادعاء العام العراقي». ونقل التقرير عن رئيس الادعاء العام في السلطة القضائية محمد قاسم الجنابي إن«القادة العسكريين وآمري الألوية تركوا مواقعهم في محافظة نينوى للعدو مما تسبب بسقوط المحافظة بيد تنظيم داعش». وأضاف الجنابي، أن «القضية برمتها تعد جريمة عسكرية متكاملة لا علاقة للقضاء والادعاء العام المدني فيها، وأن هناك محاكم عسكرية وفق قانون العقوبات العسكرية وقانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري الذي صدر عام 2007». وقال المرصد إن «إعلان جهاز الادعاء العام أعداد المتهمين بسقوط المدينة في 10 يونيو 2014، يضع القضاء العسكري أمام مسؤولية كبيرة في استدعاء كل المتهمين لمحاكمتهم، وعلى الحكومة العراقية أيضا عدم السماح للمتسببين بسقوط الموصل بالإفلات من العقاب». وأكد « نعتقد أن هناك إرادة سياسية تقف عائقاً أمام بدء المحاكمات العادلة للأشخاص المتهمين بسقوط الموصل، وهذا ما يؤشر على وجود موقفٍ سلبي من قبل الحكومة العراقية بهذه القضية». وأضاف أن«الإفلات من العقاب لا يمكن أن يضع العراق في مرحلة استقرار أبدا». وقال المرصد إن«سقوط الموصل يتعلق بانسحاب قطعات عسكرية وأمنية أدى إلى احتلالها من قبل تنظيم «داعش»، وهي بموجب المشرع العراقي جريمة عسكرية تخضع من ناحية الاختصاص إلى القضاء العسكري». وطالب المرصد، محكمة قوى الأمن الداخلي إلى ممارسة دورها بمحاكمة المتهمين من مراتب ومنتسبي وزارة الداخلية خصوصا مع ورود معلومات عن وجود 700 متهم من عناصرها وضباطها بالجريمة». وطالب المرصد أيضاً «المحكمة العسكرية بمحاكمة المتهمين من مراتب وزارة الدفاع خصوصا وأن الحديث يدور عن اتهام 76 ضابطاً ميدانيا بيهم قادة كبار بالجريمة ذاتها». وقال إن «من المستغرب بقاء جميع الأسماء التي وردت بالتقارير التحقيقية خارج إطار المحاسبة حتى اللحظة، والأكثر من ذلك ما زالت بعض القيادات السياسية والأمنية تمارس عملها بمناصب عليا في الدولة العراقية». حسب معلومات من تقرير لجنة التحقيقات في سقوط الموصل، فإن المتهمين وفقاً للتحقيقات هم: 1- رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. 2- رئيس أركان الجيش السابق الفريق بابكر زيباري. 3- قائد القوات البرية السابق الفريق أول ركن علي غيدان. 4- مدير الاستخبارات العسكرية السابق الفريق حاتم المكصوصي. 5- معاون رئيس أركان الجيش لشؤون الميرة السابق الفريق الركن عبد الكريم العزي. 6- قائد عمليات نينوى السابق الفريق الركن مهدي الغراوي. 7- قائد الفرقة الثالثة في الشرطة الاتحادية السابق اللواء الركن كفاح مزهر علي. 8- قائد الفرقة الثانية في الجيش العميد الركن عبد المحسن فلحي. 9- قائد شرطة نينوى السابق اللواء خالد سلطان العكيلي. 10- محافظ نينوى المقال أثيل النجيفي. 11- نائب محافظ نينوى السابق حسن العلاف. 12- قائد شرطة نينوى اللواء الركن خالد الحمداني. 13- مدير دائرة الوقف السني في الموصل أبو بكر كنعان. 14- وكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي. 15- آمر اللواء السادس في الفرقة الثالثة بالجيش سابقاً العميد حسن هادي صالح. 16- آمر الفوج الثاني المسؤول عن حماية الخط الاستراتيجي في نينوى المقدم نزار حلمي. 17- آمر لواء التدخل السريع السابق العميد الركن علي عبود ثامر. 18- مسؤول صحوة نينوى عضو مجلس العشائر أنور اللهيبي. 19- وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي 20- معاون رئيس أركان الجيش لشؤون العمليات قائد العمليات المشتركة الفريق عبود قنبر. وأوصت اللجنة التحقيقية البرلمانية في ختام تقريرها بـ«إحالة جميع الأسماء الواردة والمتهمين بالفساد والارتباط بالإرهاب والذين جرى استعراضهم، إلى القضاء للتعامل معهم وفق التكييفات القانونية لتلك الاتهامات». لكن معلومات تم تداولها بأن هذا التقرير تم سحبه من القضاء، ولا يعلم أحد كيف ولماذا أو أين التحقيقات ونتائجها، وهل ستبقى حبيسة الأدراج.. وأي أدراج تلك التي ستبقى حبيسة فيها؟ حكايات أهل الموصل.. ذل النزوح وأحـلام معلقـة بحافـات الغيـب ذاكرة القهر بين الاحتلال والتحرير كانت الموصل بجناحيها الأيمن والأيسر تعيش حياة شبه مستقرة، لكن مع الأيام التي تلت دخول عناصر «داعش» إليها، حل «الوعد المشؤوم» وفقا لسكانها النازحين، الذين التقت «الاتحاد» بعضهم، وتحدثت مع بعضهم عبر الهاتف. وقال الشيخ (أبو زياد) من سكنة حي (17 تموز) في أيمن الموصل، إن ذلك اليوم المشؤوم، بقي محفوراً في ذاكرتنا، لايمكن نسيانه أبداً». وكان (أبو زياد) يملك داراً فخمة في هذا الحي وتركها عام 2014 فور دخول عناصر تنظيم «داعش» إلى المنطقة التي تحول اسمها إلى حي «فتح»، وصار مع الوقت مقراً ومكاناً رئيساً لاجتماعات زعيم التنظيم (أبو بكر البغدادي) ومساعديه. ويؤكد (أبو زياد) وهو ضابط في الجيش العراقي السابق، أن عملية دخول عناصر التنظيم لم تكن وليدة 10 يونيو عام 2014، فقد توالت لديه الأخبار من شيوخ منطقة ربيعة ومناطق حدودية أخرى، بأن العشرات من الأشخاص كانوا يدخلون بشكل يومي عن طريق الحدود العراقية السورية، وأن هؤلاء الأشخاص من العرب والأجانب بينهم أفغان. وأكد أنه أبلغ ضابطا كبيرا في الجيش العراقي الحالي، وهو أحد الأشخاص الذين اتهموا بسقوط الموصل، بما يجري فابتسم قائلاً، إن «الجميع يعرف بما يحصل وأن الموصل لن تكون تحت سيطرة الدولة بعد الآن» . حكاية (أبو زياد) ربما تكون واحدة من مليون حكاية لأشخاص تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب وصور الموت وفقدان الأحبة على مدار ثلاثة أعوام، هي عمر وقوع المدينة العريقة بيد هذا التنظيم الذي لايعرف حتى الآن كيف تمكن من دخول البلاد، ومن سهل له هذا الدخول، ليسيطر على ثاني أكبر مدينة في العراق. وقال العميد علي مناور من قوات حرس نينوى وهو من حي (17 تموز) أيضاً إن «البغدادي وغيره من قادة التنظيم كانوا يترددون ويجتمعون في المنزل الذي قصفته طائرات التحالف الدولي، قبيل تحرير الحي بأيام قليلة فقط». أما عائلة سفيان هاشم فهم يبحثون عن أولادهم، فالأم يسرى وأولادها محمد وسيف ورانيا فقدوا في حي الشفاء، وأكد بعض أبناء هذا الحي أن مليشيات في «الحشد الشعبي» دخلوا الحي، حيث فقد العديد من الأهالي. بينما يذكر البعض أن عناصر «الحشد» أنقذوا الكثير من العوائل من تحت الأنقاض. ويقول الباحث في مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية عمر الأطرقجي إن «داعش كان يحاول بداية استمالة أهل السنة، بهدف كسب المزيد من العناصر أو إسكات الأهالي عن أفعاله تجاه مؤسسات الدولة وتراث العراق، ولاسيما بعد تفجيره للمراقد المقدسة ودور العبادة». استخدم «داعش» أسلوب الترويع للمدنيين في المناطق السنية من خلال القتل ومعاقبة كل من يخالفه أو قتل واحتجاز وجهاء المدن التي يسيطر عليها. ويضيف «سرعان ما انقلب السحر على الساحر، بعدما بدأ التنظيم بممارسة جرائمه البشعة بحق أبناء السنة والأقليات الدينية في الموصل وصلاح الدين والأنبار والحويجة بكركوك وغيرها من المناطق التي تخضع لسيطرته، حيث بدأ أبناء تلك المناطق بتشكيل مجاميع مسلحة لقتاله وتنفيذ عمليات اغتيال واسعة بحق قياداته للخلاص منه». ولم تقتصر ممارسات التنظيم على القتل والنهب وسفك الدماء، بل أقدم على تفجير الجوامع التاريخية، كجامع النبي يونس، والنبي شيت، وحطم مراقد الأئمة والفقهاء المدفونين في المناطق التي خضعت لسيطرته. كما طال التدمير الكنائس والمعابد التي تعود إلى المسيحيين والتي يرجع بعضها وبخاصة «دير مار متى» إلى 1300 عام. كما دمر الآثار التاريخية التي تعود إلى نحو 3 آلاف قبل الميلاد والتي تمثل الحضارة الآشورية، ودولة الحضر. ويقول صلاح العبيدي وهو من أبناء الموصل «أصيب أهالي الموصل بالذهول عندما سمعوا بسقوط المدينة التي من المفترض أن تكون محاطة بأربع فرق عسكرية وبداخلها مائة ألف شرطي ورجل أمن، في ساعات بين ليلة وضحاها بيد داعش، وحاروا في تفسير أسرع سقوط عسكري في التاريخ لمدينة كبيرة، بيد مسلحين لا يتجاوز عددهم 300 شخص». «دولة» بلا شرعية.. النخاسة والتزويج القسري ويقول النازحون أنه، مع الساعات الأولى لوجود التنظيم في الموصل، فرض ما يسمى «قوانين الشريعة» على السكان هناك، وأجبر النساء على لبس الخمار، والشباب على ارتداء الدشداشة أو الزي الأفغاني فقط، بينما لم يسمح لأحد بممارسة حياته بشكل طبيعي. وبعد أقل من شهر على تواجده، ألغى كليات القانون والعلوم السياسية والفنون الجميلة وبعض أقسام كلية التربية والآداب والإدارة والاقتصاد، بحجة «مخالفتهن للشريعة الإسلامية». وجمع التنظيم مئات الأطفال وأخضعهم لتدريب قسري على حمل السلاح وخوض المعارك، وعقد لهم الجلسات لترسيخ الأفكار المتطرفة في ذهنهم، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 40 طفلاً من الموصل نفذوا عمليات انتحارية عام 2016 ضد القوات الأمنية العراقية. وأعدم التنظيم المئات من الأقليات، وهجرهم جميعاً واستولى على منازلهم، فيما قام بسبي الكثير من النساء من اليزيديات والمسيحيات وحتى المسلمات، وبيعهن في أسواق النخاسة، وبعضهن وصل إلى سوريا للبيع هناك. ووثقت منظمات حقوق الإنسان الدولية، نهجا من الاغتصاب والاعتداءات الجنسية والاسترقاق الجنسي والتزويج القسري المنظم من قبل «داعش».. وأجرت المنظمات الحقوقية الدولية مقابلات مع أكثر من 12 من مقدمي الخدمات المحليين والدوليين، وأعضاء الطواقم الطبية، والمسؤولين الأكراد، وقادة المجتمع والنشطاء الذين أيدوا تلك الروايات. وقالت طبيبة محلية تعالج الناجيات في محافظة دهوك، إن «70 من بين الفتيات والسيدات الـ105 اللواتي فحصتهن، تعرضن للاغتصاب أثناء أسرهن لدى داعش». وذكر العديد من السبايا أنهن حاولن الانتحار أثناء الأسر، أو شهدن محاولات انتحار لتجنب الاغتصاب أو التزويج القسري أو تغيير الديانة قسراً. وتشير المعلومات وشهود عيان في مناطق سنجار وبلدات (تلقصب، كرعزير، سيباشيخدر، كرزرك، تلبنات) أن قوة كبيرة من عناصر «داعش» تحركت باتجاه تلك البلدات، وقوة أخرى جاءت باتجاه شرق سنجار نحو بلدتا (حردان، وزورافا)، وغرباً من الحدود السورية باتجاه بلدة (خانصور، دهولا، كوهبل، وسنونى)، لقطع الطريق أمام اليزيديين حتى لا يتمكنوا من الإفلات، فحدثت الكارثة الأكبر بمحاصرة أكثر من 200 ألف شخص في الجبل لعشرة أيام، وقد خطف وسبي أكثر من 3 آلاف طفل وامرأة، وبقي مصير أكثر من ألفي رجل مجهولا إلى الآن. كما هاجم التنظيم بلدات: تلكيف والقرى المحيطة بها، وبعشيقة، وبرطلة حيث يوجد الشبك والمسيحيين واليزيديين، والحمدانية وصولا إلى مخمور ومشارف أربيل حيث قرى الكاكائية. وبحسب تقديرات أولية فإن أكثر من 300 ألف شخص نزحوا باتجاه أربيل ودهوك أيضا في هذه الحملة من تلك المناطق. من المحرقة إلى المجهول.. دروب محفوفة بالخطر تسببت جرائم «داعش» ومعارك طرده من الموصل ونينوى، بنزوح نحو مليوني شخص، وحكايات النزوح كانت هي الورقة الأكثر إيلاماً لأهالي الموصل، فقد تركوا ديارهم وأموالهم ليحصلوا على وجع الحاجة والفقر والبرد والجوع والمرض في مخيمات النزوح، أو في الطرقات، مجتازين ممرات الموت بين إطلاقات القناص الذي يتربص بحياتهم. ويؤكد (زكي) الذي هجر بيته بالجانب الأيمن قبل عام بعد أن فقد أحد أبنائه ولا يعرف مصيره حتى الآن، «عندما شعرت باليأس من عودة ابني، قررت وعائلتي ترك المدينة والبحث عن فرصة للحياة». وأضاف «وصلنا إلى مخيم الخازر على أطراف أربيل بعد عناء كبير، وما زلنا نعاني في الحصول على فرصة الحياة والعودة إلى منازلنا». وقال رجل من قرية غرب الموصل، فر مع أسرته المتكونة من 14 شخصاً، «وقعنا في مرمى النيران، هربنا من القرية سيراً على الأقدام وكان علينا ترك كل شيء». وأضاف «بمجرد وصولنا إلى مناطق آمنة، نقلنا بالشاحنات إلى حاج علي، وكانت مساحة المدرسة التي اتخذناها كمأوى لنا لم تكف لاستيعاب جميع الأسرة، وقدم المجتمع المحلي الدعم، ولكن ما زلنا بحاجة إلى المساعدة بشكل عاجل». أما أطفال الموصل فتلك حكايات أخرى فقد تلقت المنظمات الدولية تقارير مقلقة عن تعرّض مدنيّين ومن ضمنهم العديد من الأطفال في غرب الموصل للقتل. وقد قتل بعضهم أثناء محاولتهم اليائسة للهرب من القتال الذي يزداد بين ساعة وأخرى. ويختبر الأطفال ويشهدون عنفاً فظيعاً لا يجدر بإنسان أن يشهده، وقد أجبروا في بعض الحالات على المشاركة في القتال والعنف، بينما اتخذوا كدروع بشرية، وشهد الكثير منهم قتل أو فقدان أهله. وحسب منظمة «اليونيسيف» فإن هناك نحو 100 ألف فتاة وفتى لا يزالون يرزحون تحت ظروف بالغة الخطورة في المدينة القديمة ومناطق أخرى من غرب الموصل، والعديد منهم عالقون بين إطلاق النار المتبادل. ويشعر الكثير من النازحين بأن من الصعب عودتهم إلى مدينتهم الموصل «الحدباء» والتي ما زالوا يعتزون باسمها هذا، حتى بعد نسف المئذنة الحدباء، فقد دمرت المنازل وكل المرافق الحياتية بالمدينة وغدت أثراً بعد عين. ويشوب ذلك الشعور خوف ممن سيبقون في المدينة، أو الذين سيتولون إدارتها. ويقول أحد أساتذة العلوم السياسية رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، إنه على اطلاع تام بأن «منظمات إنسانية وأخرى استخبارية دعمتها دولة خليجية، وأخرى إقليمية، كانت تمول داعش في العراق من أجل التغيير الديموجرافي، وإن هذه الدول مهدت دخول داعش بطرق مختلفة، وكان هدفها الرئيس هو هدم كل معالم المدينة وتشريد أهلها، وفي نفس الوقت تقوم بدعم النازحين وتقديم المعونة لهم في مخيمات النزوح لإبعاد الشبهات عنها». وكانت «الاتحاد» قد كشفت سابقاً عن الدور الذي قامت به منظمات إنسانية على رأسها منظمة «راف القطرية» ومنظمة «أعن» الخيرية من دعم للتنظيمات الإرهابية في العراق. لقد استنزفت الحرب ضد «داعش» 40% من ميزانية العراق السنوية وفقاً لعبد الزهرة الهنداوي المتحدث باسم وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي. وأكد أن الديون الداخلية والخارجية وصلت إلى 162 مليار دولار. وأضاف أن التكاليف المباشرة للحرب ضد «داعش» لا تقل عن 150 مليار دولار وتشمل رواتب القوات والأسلحة والذخيرة وتقديم المساعدات للنازحين. وأكد أن «حكومة المدينة هربت تاركة مؤسساتها وناسها ومصارفها لحوالي 3 آلاف مسلح من عناصر داعش، الذين لم يجدوا في شوارع تلك المدينة بصوبيها الكبيرين غير البدلات العسكرية لعشرات الآلاف من الجنود والشرطة، فأحرقوها ابتهاجاً بحصولهم على ثاني أكبر مدينة عراقية دون قتال» . ويتساءل العراقيون بعد رحلة الدمار والحرب هذه ومحاولة مسخ هوية الموصل خلال الثلاث سنوات الماضية، وقبل أن تنفض المدينة عن نفسها غبار الحرب وتعيد لأهلها كرامتهم، هل ستعود مدينة الحدباء إلى سابق عهدها .. وهل ستزهو غاباتها كما كانت .. ويحتفي أبناؤها بأم الربيعين، ويعلقون خيوط حلوى (السجق) في أسواقها العامرة.. هل ستعود نساؤها المسبيات والمختطفات وأطفالها وأهلها المفقودين إلى ديارهم بعد رحلة القهر والذل؟.. تلك أحلام مؤجلة تنتظر أجوبة في غياهب ما وراء «داعش»..  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©