الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالله الشيخ: متى يصبح «التصالح والصلح» منهجاً لفض المنازعات بين الناس؟

عبدالله الشيخ: متى يصبح «التصالح والصلح» منهجاً لفض المنازعات بين الناس؟
4 يوليو 2010 20:46
لم تُغَيِّب سنوات عمله «الثماني عشرة» التي قضاها لتحقيق الأمن والعدالة كضابط شرطة، البعد الإنساني في ذاته عند التعامل مع مشاكل ونزاعات وقضايا الناس، وربما حلم كثيراً أن يقرن هذا البُعد ويترجمه عملياً بما يتوافق ومقتضيات وواجبات مسؤوليته ووظيفته، وأحكامها وأهدافها لتحقيق الأهداف نفسها التي تنشدها الشرعية والعدالة في كل زمان ومكان. ..ربما أنه اكتشف مبكراً من خلال نشأته في مجتمع ريفي متماسك، تحكمه كثير من القيم والأعراف والتقاليد والضوابط الاجتماعية والأخلاقية الأصيلة الموروثة، إمكانية تحقيق العدل بين أطراف الخلاف أو النزاع من الناس في لغة تستند إلى فطرة التسامح والتآلف والود بين الناس وإن تخاصموا، كما دعت إليه وحثت عليه الشريعة. وتسائل «مستصرخاً» ما الذي يمنع أن يسير المتخاصمون على طريق الصلح أوالتصالح والتوصل - ولو إلى الحد الأدنى من التفاهم والتقارب ـ في الوقت نفسه الذي يلجأون فيه إلى القانون والقضاء. ربما شغله أيضاً البحث عن إجابة لتساؤل أنهك مضجعه طويلاً :«كيف يمكن أن نحدّ أو نقلل من إجراءات التناحر والتنازع والتقاضي التي تعج بها ساحات المحاكم كل يوم بآلاف القضايا التي يمكن اختصارها كثيراً بجهد ومبادرات اجتماعية عرفية وإنسانية ترسي الحق والعدل دون أحكام تخلف الأحقاد أو الضغائن بين المتخاصمين وبما يجنبهم مشاعر الجفاء والضغينة والفرقة والجروح التي لا تضمدها الأحكام القضائية مهما طالت الأيام. لذا كان موضوع «التصالح والصلح في المنازعات الجنائية» محور اهتمام الباحث، عميد دكتور عبد الله أحمد الشيخ، لنيل درجة الدكتوراه، ومع حماسه الكبير لدعوته، وعزمه نحو المضي قدماً لإيجاد قنوات وآليات وأطر مجتمعية لتفعيل ما يتبناه. وربما كان مهموماً بالأهداف والنتائج الإيجابية الإنسانية والاجتماعية العديدة من نشر ثقافة الصلح والتصالح بين الناس على الصعيدين الأسري والاجتماعي. تساؤلات عديدة حملتها»الاتحاد» ليجيب عليها الدكتور الشيخ في هذا الحوار : يشير د. عبد الله الشيخ، ويذكر بأهمية الإصلاح بين الناس: «إن المولى عز وجل يقول في كتابه الكريم:«لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً»، لذا كانت المعالجة الإنسانية- الوقائية الراقية - للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، عندما ساوى وقدم وفضّل الصلح بين الناس وسائر العبادات الأخرى عندما قال:» ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة؟ فقال أبو الدرداء:» قلنا بلى يا رسول الله»، قال: «إصلاح ذات البين». ويتساءل د.الشيخ:«لماذا نغفل عن منهج لحل مشاكلنا قد حدده المولى تحديداً صريحاً لا لبس فيه ولا غموض؟ لماذا ننزع إلى التخاصم والتناحر والخلاف إن كان الوئام والوفاق ممكناً؟ كم من بيت تهدم، وكم أسرة شردت بسبب خلافات يومية بسيطة بين الزوجين، وكان يمكن تداركها بالصلح؟ وكم من الأرواح زهقت، وكان يمكن تجنب ذلك برأب الصدع سريعاً بين المتخاصمين؟ وكم من الوقت يهدر؟ وكم من الأموال ننفق؟ كما يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام:«ليس الكـذّّاب الذي يصلح بين الناس.. ويقول وينوي خيراً». فن الإصلاح يوضح د.الشيخ مفاهيم مهمة حول الصلح، ويؤكد:«علينا أن نفرق بين الصلح والتصالح، فالصلح بإزالة أسباب الخلاف أو الصراع أو النزاع بين شخصين أو أكثر من الناس، والتقريب بينهما، والتراضي بما ينتهي إليه القائم أو القائمين بالصلح من أحكام لها صفتي القبول والالتزام، والإقرار بما يتم به من تراض وصفح وتفاهم بما يجنب الطرفين أي نزاع مقبل، وبما يحقق الود والوئام في النهاية، أما التصالح فيكون أحد طرفي النزاع هو الدولة ممثلة في أي من مؤسساتها أو دوائرها الحكومية، وما تخضع له من قوانين خاصة تحكم علاقتها بالأفراد، كالجمارك والضرائب والمرور. وعادة ما يتم التصالح بين الفرد والدولة برفع جزء أو التنازل عن جزء من الغرامة أو الاستحقاقات المقررة نظير الدفع الفوري وإنهاء الخصومة دون إجراءات، وعدم التمادي في الدعوي» ويكمل:«في حالة الصلح.. فإن عادة ما تقع الخلافات أوالمشاكل أو النزاعات بين الناس ويحدث الخصام بين الرجل وزوجته أوبين القريب وقريبه، وبين الجار وجاره، أوبين الشريك وشريكه، أو بين العائلات أو العشائر، وهذا أمر طبيعي وحتمي، ولأسباب كثيرة لا حصر لها، وتأخذ هذه النزاعات طريقها إلى ساحات القضاء للفصل والحكم فيها، ويتبعها تنفيذ أحكام جنائية على هذا الطرف أو ذاك، وغالباً ما تكون هذه الخلافات في بداياتها بسيطة للغاية، ويمكن تلافيها لو أحسنّا التصرف، لكن تتحول هذه الشرارة إلى فتنة عظيمة وشر مستطير ويتبعها عواقب وخيمة، فيساء الظن ويقع الإثم وتحل القطيعة ويفرق الشمل وتهتك الأعراض وتسفك الدماء وتنتهك الحرمات.وإذا كانت الشريعة حرصت على وحدة المسلمين وأخوتهم، ونهت عن كل أسباب العداوة والبغضاء فقد أمرت بالسعي وإصلاح ذات البين بين المتخاصمين.فما الذي يمنع من السير في توازٍ وتوافق في اتجاه المصالحة جنباً إلى جنب مع الإجراءات الجنائية والقانونية؟ إن الأحكام القضائية رغم موضوعيتها وأحقيتها وعدالتها، فكثير منها يسبب ويخلف الأحقاد والضغائن بين المتخاصمين وتخلف مشاعر الجفاء والضغينة وتعمق الجروح مهما طالت الأيام. هذا فضلاً عن وجود نزاعات كثيرة تنطوي على أبعاد اجتماعية وقيمية عديدة ومعقدة لا يجدي طرحها عبر ساحات المحاكم، ويكن من الأجدر والأنفع والأنسب أن نتناولها في إطار ينسجم مع قيم ومعايير وضوابط وخصوصيات ثقافة هذا المجتمع أو ذاك، فيما يسمى بالقضاء العرفي لوجهاء وحكماء وعقلاء المجتمع، مثل قضايا الميراث أو الشرف والتحرش أو الثأر أو النزاعات العائلية والقبلية وغيرها.فهناك الصلح القضائي الذي يتم في مجلس القضاء، والصلح غير القضائي» العرفي» الذي يتم خارج مجلس القضاء». فالقوانين في كل الأقطار العربية والإسلامية تجيز الصلح العرفي أو القضائي، وهو موجود بالفعل، وأحكامه نافذة وملزمة على أطراف النزاع، وتخطر المحاكم بما انتهت إليه من فض النزاع، ومن ثم تأخذ به المحاكم ما لم يتعارض مع القانون أو حسن الآداب، وعادة ما يكون الصلح في الدعاوى المتعلقة بالخلافات أو المشاكل الأسرية اليومية التي تكتظ بها ساحات محاكم الأسرة، أو الجنح البسيطة، أوالقضايا المتعلقة بعقود ومعاملات تجارية، كالإيجارات،والعقارات، والتعويضات، والمواريث، ودعاوى الأجور، والدعاوى المتعلقة بتعيين الحدود وتقدير المسافات والحيازة، ووقف الأعمال، وغير ذلك، وغالباً هذا النوع من التقاضي يستغرق وقتاً طويلاً، ويستنزف جهد الطرفين المتخاصمين، وتشغل حيزاً كبيراً في جداول المحاكم، وتعطل الكثير من مصالح الناس وأعمالهم، بل تعد استنزافاً وهدراً لأعمالهم وجهدهم، ويمكن تداركها لو أنهيت بالصلح أو التصالح». الضبط الاجتماعي يضيف د. الشيخ:«إن مجتمعاتنا العربية تحكمها قيم ومواريث ومعايير أخلاقية واجتماعية لها سلطانها وتأثيرها على الأفراد والمجتمع، وتحقق درجة عالية من»الضبط الاجتماعي» الذي يحفظ توازن وسلامة واستقرار المجتمع، وربما يحرص الفرد على عدم المساس بهذه القيم والمعايير الضابطة في إطار ما يسمى بـ»العيب»، وعادة ما يمتثل الناس كثيراً لهذه الضوابط أكثر من الخوف من الأحكام القضائية، ثم إن اللجوء إلى التقاضي، ومن ثم تنفيذ الأحكام، وهنا يجد الطرف المعني نفسه مضطراً لمواجهة الحقيقة، وتنقشع مخاوفه، أو حيائه، من مواجهة المجتمع بعد أن افتضح أمره، وتترسب المشاعر السلبية، وربما تم تدارك الأمر بشكل إيجابي لو حل بالطرق الودية أو العرفية». مبادرة يؤكد د. الشيخ: «إن قناعتنا التامة بأن لا غنى عن تلك الجهود الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية التي يمكن أن تسهم بها الجمعيات الأهلية، وجمعيات المجتمع المدني، والحكماء والعقلاء في مجتمعاتنا العربية بما يحمي نسيج المجتمع من الخلافات والتفكك والفرقة، ندعو إلى تقنين وتفعيل وتنشيط وتنظيم الجهود العرفية للصلح، فهذا النظام موجود بالفعل في تراثنا القيمي ونظامنا الاجتماعي القائم بين العشائر والقبائل والريف والحضر أيضاً، ولن يستحدث، ومن الطبيعي أن يكون كل نزاع حالة قائمة بذاتها ويتم الفصل فيها حسب ظروفها ومعطياتها الخاصة، ويجب أن يكون هناك منهج ثابت يحكمها. فلقد بادرنا بإنشاء جمعية أهلية تابعة لمديرية التضامن الاجتماعي بمحافظة الغربية بوسط دلتا مصر كي تكون جهة أهلية شبه رسمية تتولى الصلح بين أطراف النزاع تحت عباءة القانون والنظام السائد، وضمت نخبة من العناصر المؤثرة اجتماعياً من الوجهاء والخبراء المهتمين بالوئام الاجتماعي وتحقيق الإصلاح بين الناس، ومن أغلب التخصصات المختلفة كأساتذة الجامعة والأطباء ورجال الدين وعمدة القرية وشيخ البلدة وآخرين. وقد حققت الجمعية خلال العام المنصرم نجاحات ملموسة في تحقيق السلام الاجتماعي والصلح بين الناس، وهذا النمط من فض المنازعات الذي أتأمل أن يحظى باهتمام رسمي وشعبي في كافة الأقطار العربية له تأثير فعال في ضبط إيقاع حركة المجتمع وتحقيق الانضباط ومما لا شك فيه أنه يحقق صفة الردع ويسهم في استقرار المجتمع وتماسكه». ويدعو د. الشيخ الأجهزة المعنية في كل الدول العربية إلى اعتماد منهج «الصلح والتصالح» ضمن مقررات كليات الحقوق والشرطة بما يسهم في النهاية في تقليص النزاعات القضائية ويرسخ ثقافة ومناهج التسامح والصلح كمنهج إنساني مرجعيته الأولى ثقافتنا العربية والإسلامية الأصيلة». عبد الله الشيخ في سطور عميد دكتور/ عبدالله أحمد الشيخ عميد شرطة سابقاً من مواليد مركز قطور بمحافظة الغربية، وتخرج في كلية الشرطة عام 1981، وعمل ضابطاً بعدة إدارات شرطية، وتقلد عدة مناصب بالمباحث الجنائية، آخرها مدير التخطيط والبحوث بمديرية أمن أسيوط. حصل على الماجستير في «حقوق الإنسان في القانون المصري» عام 1981 من أكاديمية الشرطة. أبتعث إلى إنجلترا عام 2004، وحصل على درجة الدكتوراه في القانون من أكاديمية الشرطة في «التصالح والصلح في المنازعات الجنائية»عام 2009. يعمل محاضراً بكلية الحقوق بجامعة طنطا ومحاضراً زائراً في القيادة العامة لشرطة أبوظبي. له عدة مؤلفات في تطوير أداء العاملين بالبحث الجنائي، والقضاء العرفي بين الواقع والمأمول، والتصالح والصلح في التشريعين المصري والفرنسي وفق أحدث التعديلات.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©