الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأمم المتحدة... والتحدي الأخلاقي الكونجولي

19 ديسمبر 2009 00:28
أشار تقرير صدر مؤخراً عن منظمة "هيومان رايتس ووتش" إلى تواطؤ مفترض لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونجو مع جهات معروفة بانتهاكها لحقوق الإنسان، في ذلك البلد الذي تمزقه الأزمات والحرب الأهلية، من خلال دعمها لعملية عسكرية شرسة يقوم بها الجيش الكونجولي قيل إنها تسببت في القتل العمد لأكثر من 1400 شخص، ونجم عنها تنامٍ حاد في عمليات الاغتصاب وغيرها من الممارسات العنيفة المنتهكة لحقوق الإنسان. ويستفيض التقرير المذكور، الذي جاء في 183 صفحة، مقدماً وصفاً دقيقاً للعملية العسكرية التي يشنها الجيش، والفظاعات الكثيرة التي ترتكب باسمها، فيشير، على سبيل المثال لا الحصر، إلى حوادث الاغتصاب الجماعي، والمجازر، بالإضافة إلى حرق قرى بأكملها وذبح الأهالي بعد ربطهم إلى جذوع الأشجار وجز رقابهم. والمشكلة أن العديد من تلك الجرائم والفظاعات الخطيرة قيل إن الجيش الكونجولي هو الذي يقترفها، على رغم كونه يحظى بالدعم والغذاء والنقل وغير ذلك من أشكال المساعدة من قبل المنظمة الدولية. ولذا يدعو التقرير بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونجو إلى "وقف فوري لكافة أنواع الدعم" التي تقدمها إلى الجيش الكونجولي، وذلك حتى ينحي الجيش القادة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، ويضمن استجابة العملية العسكرية التي يقوم بها ضد المتمردين للمعايير والمتطلبات التي ينص عليها القانون الدولي، والتعهد بانسجامها مع المعايير الإنسانية الأخرى كافة. وفي هذا السياق يقول "أنيك فان ودنبورج"، الباحث البارز في منظمة هيومان رايتس ووتش: "إن ما يجري من جرائم وعمليات اغتصاب واسعة من قبل جميع الأطراف في شرق الكونجو يظهر، في الحقيقة، الحاجة إلى تبني مجلس الأمن الدولي لمقاربة جديدة وحاسمة تضمن حماية المدنيين العُزل، في ذلك البلد المنكوب". ومن المقرر أن يجتمع مجلس الأمن الدولي خلال الأسبوع الجاري لمناقشة التفويض المخول للبعثة الأممية لحفظ السلام في الكونجو، التي تعتبر عملياً هي أكبر بعثة أممية في العالم، وأكثرها تكلفة. وكان يفترض في العملية العسكرية التي بدأها الجيش الكونجولي منذ شهر يناير الماضي القضاء على المتمردين الروانديين الذين يتسللون إلى الكونجو ويعيثون فيها فساداً، لاسيما بعدما استوطنوا المناطق القروية في شرق ذلك البلد المترامي الأطراف وتعايشوا مع الأهالي لسنوات، وهو ما أشعل فتيل صراع شرس أصبح بحسب المراقبين هو الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية. ويضم المتمردون الذين يعرفون باسم "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" مجموعة من القادة المتهمين بارتكاب المجازر الجماعية التي شهدتها رواندا في عام 1994 والتي وقعت بين عرقيتي "الهوتو" و"التوتسي". وقد استفادت الجولة الأولى من الحملة العسكرية الكونجولية من دعم القوات الرواندية في تعقب المتمردين والقضاء عليهم، ولكن ما أن انسحبت القوات الرواندية من الصراع في شهر فبراير الماضي حتى دخلت قوات حفظ السلام الأممية إلى الساحة مزودة القوات الكونجولية بطائرات مروحية لتنفيذ الهجمات، بالإضافة إلى معدات أخرى مثل الشاحنات والدعم اللوجستي وغيره. وقد كان لافتاً في تلك الفترة التصريح الذي أدلى به قائد البعثة الأممية، "آلان دوس"، وأكد فيه على أن العمليات العسكرية ضرورية لدحر المتمردين، وأن سقوط الضحايا أمر لا يمكن تفاديه، على كل حال. ولكن ما يشير إليه تقرير "هيومان رايتس ووتش" يتجاوز حالات المدنيين العُزل الذين يعلقون وسط إطلاق النار ويتعرضون للأذى بشكل غير مقصود، بل إنه يوثق حالات ممنهجة من استهداف المدنيين بأبشع الطرق من قبل جميع الأطراف المشاركة في القتال، بحيث يشير التقرير إلى تبني طرفي الصراع معاً سواء الجيش الكونجولي، أو المتمردين، لسياسة تقوم على معاقبة القرويين الذين يتهمونهم بدعم أحد الطرفين على حساب الآخر. ولتنفيذ هذه السياسة، يقول التقرير، إن الجنود الكونجوليين وحلفاءهم الروانديين لم يكتفوا مرات كثيرة بإطلاق الرصاص على ضحاياهم بل إنهم أحياناً ما يضربونهم حتى الموت، ويطعنونهم بحراب البنادق، أو حتى يقطعونهم بالفؤوس، بكل بساطة. وفي إحدى القرى استدعى الجنود النساء والأطفال إلى إحدى المدارس ثم بدؤوا في قتلهم أمام الجميع! وبصفة عامة وثق التقرير العديد من حالات الاغتصاب الجماعي والقتل الشنيع دون مبرر. وهي الجرائم نفسها التي يرتكبها عناصر المتمردين التابعين لـ"القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" بحيث انخرطوا هم أيضاً في تقطيع أوصال القرويين بالفؤوس والآلات الحادة متهمين إياهم بخيانتهم والاصطفاف وراء القوات الحكومية. وفي المجمل أشار التقرير إلى قتل أكثر من 1400 قروي نصفهم على أيدي الجيش الكونجولي والنصف الآخر على أيدي المتمردين، ومنذ شهر يناير الماضي عندما اندلع القتال يشير التقرير إلى نزوح أكثر من 900 ألف شخص من منازلهم، وهو النزوح نفسه الذي كان قد تسبب في مقتل ما يقرب من خمسة ملايين بسبب تفشي الجوع والمرض وذلك منذ اندلاع الصراع في شرق الكونجو قبل خمسة عشر عاماً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
المصدر: نيروبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©