السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحكيم

29 سبتمبر 2008 00:41
التحكيم من المفاهيم التي أخذ بها الإسلام باعتباره وسيلة فعالة وسريعة لحل المنازعات بين الخصوم ليس فقط في المنازعات المالية، وإنما أيضًا في الخلافات العائلية، وحتي في النزاع على السلطة، نظرا لما تتميز به أحكام المحكمين وقراراتهم من العدالة وحرية الرأي· ويقول الدكتور حمدي مصطفى - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: التحكيم لغة: حَكَمْت وأحْكَمت وحكّمت بمعني منعت ورددت، ومن هنا جاء معنى الحاكم، لأنه يمنع الظالم من ظلم ''س''، ويحكموه بينهم: أمروه أن يحكم· وهو يعني تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما· يقول تعالى '' فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما'' النساء الآية ·65 يوضح أن مبدأ التحكيم موجود في القرآن الكريم وهناك آيتان تشيران إليه· الأولي، خاصة بالنزاعات العائلية بين الزوجين والله تعالى يقول ''وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً''· النساء الآية ·35 فالإسلام وضع التحكيم في أهم موقع في الحياة وهو العلاقة الزوجية· وهناك التحكيم العام لجميع المنازعات يقول الله تعالى ''إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل'' النساء الآية ·58 والآية قد أوجبت أداء الأمانات الى أهلها، والحكم بالعدل· فهذان جماع السياسة العادلة، والولاية· ومعنى ذلك أن المحكم يمكن أن يفصل النزاع ويصدر قرارًا إلزاميا للفرقاء إذا لم يستطع الإصلاح بينهم· ومتى أصدر المحكم قراره أصبح هذا القرار ملزما للخصمين المتنازعين، وتعين إنفاذه دون أن يتوقف على رضا الخصمين، اتفق على ذلك جمهور الفقهاء، واعتبروا حكم المحكم كحكم القاضي· ويشير الدكتور حمدي مصطفى إلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضي بتحكيم سعد بن معاذ -رضي الله عنه- في أمر يهود بني قريظة، حين جنحوا الى ذلك، ورضوا بالنزول على حكمه ''أخرجه البخاري وهو موجود في كتب السيرة''· ولما وفد أبو شريح هانئ بن يزيد -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قومه· سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ''إن الله هو الحكم، وإليه الحكم، فلم تكن أبا الحكم؟ فقال ''إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كلا الطرفين· فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أحسن هذا؟ فما لك من الولد؟ قال: لي شريح ومسلم وعبدالله فقال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: أنت أبو شريح، ودعا له ولولده''· أخرجه أبو داود والنسائي وإسناده حسن· وأوضح د·حمدي: أن فقهاء الإسلام أجازوا، عموما، التحكيم مع الاختلاف في التفصيلات والاجتهادات الفقهية، ووضعوا للتحكيم عدة شروط منها: قيام نزاع وخصومة حول حق من الحقوق وتراضي طرفي الخصومة على قبول حكم المحكم، أما المعين من قبل القاضي، فلا يشترط رضاهما به، لأنه نائب عن القاضي وفي منزلته واتفاق المتخاصمين والحكم على قبول التحكيم كمهمة· وللمحكم أيضا عدة شروط منها: أن يكون معلوما وأن يكون أهلاً لولاية القضاء· وألا يكون بينه وبين أحد الخصمين قرابة تمنع من الشهادة· ولا يجوز -والحديث على لسان د·حمدي- التحكيم في كل ما هو حق لله تعالي كالحدود، ولا فيما استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة لغير المتحاكمين ممن لا ولاية للحكم عليه، كاللعان، لتعلق حق الولد به، ولا فيما ينفرد القضاء دون غيره بالنظر فيه· فإذا قضي الحكم فيما لا يجوز فيه التحكيم فحكمه باطل ولا ينفذ· وأكد د·مصطفى أن أشهر حادثة تحكيم في التاريخ الإسلامي، والتي ألقت بظلالها على كل العصور، هي الحادثة التي وقعت بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ومعاوية بن أبي سفيان، الذي رفض إعطاء البيعة لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- واستأثر بالشام دونه، وطالبه إياه بدم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فوقعت الفتنة بين المسلمين وانقسموا فريقين احدهما يناصر عليا بن أبي طالب -رضي الله عنه- ومن معه بالكوفة، والآخر يناصر معاوية ومن معه بالشام· وجرت الحروب بين الفريقين، ولما اشتد القتال بين الفريقين، وصارت الغلبة لفريق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- نادى معاوية وأصحابه بتحكيم كتاب الله بين الفريقين، فانكسرت شوكة فريق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لانقسامهم عليه بين مؤيد ومعارض، فوافق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على التحكيم رغم علمه بأنها مكيدة وذريعة للنجاة من الهزيمة، وذلك ليوحد صفوف قومه ويحقن دماء المسلمين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©