الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان... وأوهام استراتيجية كسب القلوب

أفغانستان... وأوهام استراتيجية كسب القلوب
3 يوليو 2010 20:59
يشير إعلان إدارة أوباما الأسبوع الماضي أن التغيير في الشخصيات لا يعني بالضرورة حدوث تغيير في السياسة المطبقة في أفغانستان، إلى أن الإدارة لم تتعلم إلا بعض الدروس التي تضمنها مقال مايكل هاستنج المنشور في مجلة "رولنج ستون". ذلك أن المعضلة التي تواجهها أميركا في أفغانستان لا ترتبط ارتباطاً أساسيّاً بالأفراد والقيادة والتحكم، أو العلاقات بين القيادات المدنية والعسكرية هناك. وفيما بين السطور المقتطفة مما قاله الجنرال ماكريستال وطاقمه المساعد، يكتشف المرء الكثير من المسائل الأساسية والأكثر إثارة للقلق بشأن الصعوبات التي يواجهها جنودنا في أفغانستان. والمقال المنشور في مجلة "رولنج ستون" يشير إلى تنامي شعور جنودنا بالإحباط إزاء تزايد القيود العملياتية المفروضة عليهم في أداء مهامهم وتنفيذ عملياتهم القتالية. وقد أوضح الجنود أحياناً عدم قدرتهم على حماية أنفسهم أو استخدام قوتهم النارية الضاربة ضد العدو بسبب تلك القيود. ويجدر بالتذكير أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يعرب فيها الجنود الأميركيون عن هواجس كهذه، وأنه سبق لهم التعبير عنها منذ بضعة شهور. وفي هذا الصدد أشار تقرير نشر في صحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي، إلى تزايد القيود المفروضة على الرد الناري على العدو، إلى حد يعجز فيه قائدو الطائرات المقاتلة الأميركية عن الاشتباك مع العدو ما لم يروا سلاحه بما يكفي من الوضوح. وعليه تضطر بعض القوات الأميركية أحياناً إلى الكشف المتعمد عن موقعها للعدو حتى يتسنى لها الحصول على إذن باستدعاء التغطية الجوية لعملياتها البرية. يذكر أن الجنرال بترايوس تعهد أثناء جلسة استماع مجلس الشيوخ التي عقدت للموافقة على تعيينه بمراجعة القواعد المنظمة لعمليات الجنود في أفغانستان، حيث قال إنه: "يتعين على جنودنا في الميدان أن يحظوا بكل الدعم الذي يحتاجونه عندما يواجهون ظروفاً قتالية حرجة. ولابد من إيجاد التوازن المطلوب بين حماية الجنود والحد من قتل المدنيين". ولا ريب في ترحيبنا بمراجعة القواعد المنظمة للعمليات الميدانية التي وعد بها بترايوس. غير أن عليه أن يعلم أن القيود المفروضة على هذه العمليات ليست سوى مظهر لمشكلة أكبر وأعم. ذلك أن تجربة الجنود الميدانية تقدم لنا من البيانات ما يثبت أن هناك مشكلة ما في اعتماد الولايات المتحدة على استراتيجية مكافحة التمرد، باعتبارها النظرية السائدة حتى الآن. فلم تفرض القيود العملياتية هذه إلا على أساس الدور المحوري الذي تلعبه استراتيجية مكافحة التمرد هذه. وتقوم هذه الاستراتيجية كما نعلم على فرضية أن الطريق إلى الفوز بالحرب هو كسب عقول وقلوب المواطنين. وبما أن المواطنين هم الجائزة الثمينة التي ينبغي الفوز بها في نهاية الأمر -كما تفترض النظرية- فإنه يجب عدم تعريضهم للخطر أو إيذاؤهم بأي شكل كان. وتمثل هذه القاعدة الأساس الموجه لكافة العمليات الميدانية في الحملة التي نقودها ضد التمرد في أفغانستان. ولا ريب أن قلة فحسب تستطيع المحاججة ضد مبدأ حماية المدنيين من خطر الحروب. ويقع علينا واجب قانوني وأخلاقي للالتزام بذلك. كما أن معظم الأميركيين لا يريدون لقواتهم وقوات حلف "الناتو" أن تكون عدوانية ضد المدنيين. بل إن هناك من قد يحاجج بضرورة تطبيق هذه القيود العملياتية باعتبارها كابحاً إضافيّاً ضد التغول العسكري الذي صاحب السنوات الأولى من الحربين العراقية والأفغانية. ومما لاشك فيه أن مصرع عدد كبير من المدنيين الأفغان بنيران القوات الأميركية وقوات التحالف أصبح معضلة تواجهها هذه القوات اليوم هناك. لكن على رغم تزايد هذه القيود العملياتية المطبقة، أشارت أيضاً التقارير الواردة من أفغانستان إلى تزايد عدد القتلى المدنيين خلال العام الحالي. وفي الوقت نفسه سجل عدد القتلى من الجنود الأميركيين في شهر يونيو المنصرم أعلى معدل له طوال الحرب التي استمرت لتسع سنوات حتى الآن. كما أن تركيز الاهتمام والجهد على حاجات المجتمعات المدنية يجد هوى خاصّاً له لدى المثقفين الغربيين. ولكل هذه الأسباب مجتمعة فإن فكرة الفوز بقلوب وعقول المواطنين المدنيين تبدو شديدة الجاذبية إلى درجة يتوقف كل التحليل العسكري المرتبط بها عند مجرد التعبير عنها وجلاء معانيها. ولكن يحق أيضاً لقوات التحالف المرابطة في الميدان أن تتساءل عن الكيفية التي يؤدي بها الفوز بود المواطنين المدنيين إلى الغايات النهائية التي شنت من أجلها الحرب: كسر شوكة التمرد وهزيمته؟ وإلى أي مدى يصح لهذا الالتزام المفتوح أن يتخذ معياراً للحكم على نجاح الحرب أو فشلها؟ وضمن الأسئلة نفسها يحق للجنود المرابطين في الميدان أن يتساءلوا: كم عدد المواطنين الذين ينبغي الفوز بعقولهم وقلوبهم في هذه الحرب؟ وكيف يمكن التحقق من هذا الفوز؟ وعلى من يجب تحقيقه؟ وفي الحالة الأفغانية على وجه الخصوص، ربما كان السؤال الأهم: كيف يمكن تحقيق هذا الهدف هناك؟ ونثير هذا السؤال استناداً إلى آخر الدراسات التي أثبتت عدم قدرة المال وحده على شراء ود الأفغان ودعمهم لجهودنا الحربية في بلادهم. بل إن بعض الدراسات أشارت إلى أن ضخ الأموال الهائلة على المجتمعات الأفغانية الفقيرة لا يكفي وحده من أجل كسب عقولها وقلوبها إلى جانبنا. كما ثبت أيضاً أن مليارات الدولارات التي تضخها الولايات المتحدة وحلفاؤها هناك في شكل مساعدات إنسانية وتنموية قد تسهم في تعميق ممارسات الفساد التي تقف عائقاً أمام إصلاح الحكم وإعادة الإعمار. وبذلك فكأنما تشترى واشنطن بأموالها وأموال حلفائها تردد المواطنين الأفغان تجاهها! وهذا ما يقودنا إلى الاعتقاد بضرورة مراجعة أس المعضلة الرئيسية التي يواجهها الجهد الحربي المبذول: استراتيجية أو نظرية مكافحة التمرد، القائمة على وهم كسب العقول والقلوب بسهولة. سليستي وارد جيفنتر محلل رئيسي للشؤون الدفاعية بمؤسسة "راند" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©