الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوجه الآخر.. للصراع

الوجه الآخر.. للصراع
16 ديسمبر 2009 22:23
هل انطوت صفحة الشرق أوسطيّة بعد تراجع الدّور الأميركيّ في المنطقة؟ واخفاق اسرائيل في فرض نفسها عسكريا على لبنان والفلسطينيين وسائر مكوّنات المجتمع العربيّ؟ كتاب أحمد حجازي “الشّرق أوسطيّة وعمليّة التّنمية في البلدان العربيّة” يجيب بلا، لأنّ المصطلح ما زال محلّ تداول في الأوساط السّياسيّة، وهو يتعلّق بدورة الحياة في منطقتنا من النّواحي الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة كافّة، ويتناول صميم المشكلات التي تواجه المجتمعات العربيّة كالبطالة والهجرة والأجور والفقر، ومستوى المعيشة بوجه عام. يقع الكتاب في 393 صفحة مقسّمة الى مقدمات وبابين: الباب الأوّل عنوانه: النظام السياسي والاقتصادي الدولي والاقليمي العربي، وهو موزّع على ثلاثة فصول: الأوّل، النّظام السياسي والاقتصادي الدولي، وفيه يتناول جذور النظام السياسي والاقتصادي العلمي ومراحل تأسيسه متوقفا على الثنائية القطبية التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية الثانية، وما رافقها من تبعية في دول العالم الثالث، ثم يرصد المؤلف تحوّلات النظام العالمي الجديد، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وحدوث حرب الخليج الثانية، مفصّلا العوامل التي سبّبت الانهيار، وأفسحت في المجال للهيمنة الأميركية المطلقة على العالم، والأزمات التي عصفت بالعلاقات الدولية في ظلّ تنامي ظاهرة العولمة، ونشوء التكتلات والشّركات الكبرى، لفرض الشّروط التي تلائمها في مجال التّعامل الاقتصادي الدولي. والثاني، حمل عنوان: النظام السياسي الاقليمي العربي. وقد احتوى مراحل نشأة النظام العربي وتطوراته، انطلاقا من القرن التاسع عشر، مرورا بالحربين العالميتين، وما أعقبهما من حركات استقلالية أدت الى تأسيس جامعة الدول العربية، حيث أفرز هذا النظام مدّا قوميا مؤقّتا، أعقبه انحسار وشقاق ومعاهدات منفردة مع العدو الصهيوني ساهمت في اضعاف المقاطعة والتنسيق، وانتعاش ظاهرة التطبيع. كل ذلك أثر في النظام الاقليمي العربي الذي ازداد تشرذما، وفتح الطريق لترتيبات اقليمية انقسامية ذات أبعاد سياسية واقتصادية وأمنيّة. والثالث، بعنوان: التعاون الاقتصادي والتنمية في الاطار العربيّ. وهو يشمل أوضاع التنمية العربية من حيث مفهومها وجوانبها الاقتصادية والاجتماعية وسماتها الرئيسية، وخصائصها في القطاعات الاقتصادية العربية والانجازات التي حققتها... كما يلقي الضوء على التعاون الاقتصادي العربي والدولي، وحدود التكامل الاقتصادي في الاطار القطري، وينتهي الى تحليل أسباب فشل التعاون العربي من الناحيتين الخارجية والداخلية. هكذا يجد المؤلف أن عملية التنمية الاقتصادية في الوطن العربي تعيش مأزقاً حقيقياً نتيجة الاخفاقات المتراكمة. مشاريع الأقلمة وبعد توصيف نشأة النظامين العربي والدولي، يخلص الكاتب الى الشّقّ الآخر من بحثه، وهو الباب الثّاني بعنوان: مشاريع الأقلمة في أطر غير عربية. وبالتبويب عينه الذي اتبعه سابقا، قسّم حجازي هذا الموضوع ثلاثة فصول: الأوّل، الأقلمة الأوسطية في صيغتها الأولى، معالجا خمس نقاط محورية: 1- الشرق أوسطية من المنظور التاريخي. 2- التصورات الإسرائيلية للشرق أوسطية. 3- التصور الأميركي للشرق أوسطية. 4- المواقف العربية تجاه المشاريع الشرق أوسطية. 5- إمكانات كل من الاقتصادين العربي والاسرائيلي. وهناك نوع مكمّل من الأقلمة سمّاه الكاتب: الأقلمة المتوسطية التي صدرت عن الرؤية الأوروبية للعلاقة مع الشرق العربي، ودول حوض البحر المتوسّط. يحتوي هذا الفصل أربعة محاور فكرية هي: 1- المتوسطية كفكرة وأهداف. 2- المشروع في حيز التنفيذ. 3- مقدمات الأوسطية الجديدة. 4- أهداف مشروع الشرق الأوسط الكبير. أمور خطيرة ولا يفوت الباحث أن ينبه الدول العربية الى أنّ كل المشروعات، تخفي وراءها أمورا خطيرة، في طليعتها تمزيق الوطن العربي، وادخال دول غير عربية كاسرائيل، واخراج عربية كالمغرب والجزائر وتونس، وهذا ما يسبب التباعد في قيام أي شكل من أشكال التكامل الاقتصادي العربي. أمّا من ناحية الأطروحات، فالغاية ـ كما يرى المؤلف ـ تسخير منطقة الشرق الأوسط لصالح المشروعات الصهيونية، والرهان على فتح الأسواق العربية أمام الصادرات الصناعية الاسرائيلية، فتصبح بذلك معظم المكاسب المترتبة لصالح اسرائيل. ويتساءل الكتاب في الخاتمة: الا يستطيع العرب أن يمتلكوا استراتيجية مقابل الاستراتيجيات الكونية التي تستهدف السيطرة على مقدراتهم وثرواتهم؟ ألا يمكن بناء نظام اقليمي عربي مدرك لمصالح الأمة العربية وتطلّعاتها المستقبلية؟ والجواب “ليس هناك من سبيل لمواجهة الدول المتقدمة وخروج مسألة التنمية من مأزقها الا من خلال استراتيجية معالمها الرئيسية تكون بتوجه الدول العربية وبشكل حاسم لتأسيس تكتل اقتصادي حقيقي”. وبإمكان الدول العربية أن تتفق على مشروع عربي مشترك لمواجهة مشاريع الشرق أوسطية، وهذا لا يأتي إلا من خلال سياسة مستقلة وجهود كبيرة وواعية وجدّيّة، تضاف الى امتلاك عناصر أساسية من أهمّها: 1- أن تملك الدول العربية بيدها ثرواتها المتاحة، لتوظف في خدمة الانسان العربي، بدلا من توظيفها في الخارج. 2- استغلال الثروة العربية لاحداث التقدم العلمي والتكنولوجي. 3- تطوير التنسيق بين الدول العربية. 4- ايجاد ارادة سياسية قادرة على اطلاق عملية التنمية. 5- وبالنسبة الى العمالة العربية المهاجرة، ومنها العلماء والمتخصّصون، ينبغي للدول العربية المبادرة الى سلسلة اجراءات تحقق تطبيق الاتفاقات المعقودة بين هذه الدول، وارشاد الخريجين الجامعيين، وايجاد فرص عمل في القطاعات الاقتصادية العربية، والتأكيد على مبدأ منح الأولوية في التشغيل للعمّال العرب، مع تشجيع اقامة مشروعات قومية مشتركة من شأنها استيعاب فائض العمالة في دول المنشأ. بمثل هذه الاقتراحات والآراء يساهم كتاب أحمد حجازي في تفنيد مشاريع الشرق أوسطية، والمتوسطية والشرق الجديد، فيشحذ الهمم لارساء مشروع اقتصادي عربي تكاملي، هدفه التنمية المستدامة للإنسان العربي، مع التّحرّر من الهيمنة والاستغلال والسيطرة الأجنبية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©